جبلة وطرطوس أبكيكما اليوم، لكنني سأرقص في عرسيكما غدا

طرطوس وجبلة أنتما ذراعا المرساة التي تشدّ سفينتي إلى ذلك الشاطئ البعيد….
فبين هاتين الذراعين تسلتقي بانياس المدينة التي رأت بها عيناي النور لأول مرة…
أبكيكما اليوم، كما بكيت القامشلي البارحة وكما بكيت كل مدينة وكل قرية وكل حي في سوريا….
عادت بي مجازر اليوم إلى شرفة بيتنا عندما كنت أراقب الصيادين وأرنو إلى الإفق البعيد…
يشدني حلم إلى ماوراء البحر ويربطني شغف بشاطئه…
وبين المدّ والجذر انتصر الحلم وهجرت ذلك الشاطئ، ليعود اليوم إليّ محيطا من الدماء!
أبكيكما اليوم، لكنني سأرقص في عرسيكما غدا…
وإن غدا لأقرب إلينا من اليوم…
…..
جحافل البدو الغازية لا تعرف قيمة الحياة…
لأن إلهها إله موت ودمار…
أما سوريا فتاريخ حضارة وثقافة ولغات لا تملك في قواميسها إلا كلمات العشق والفرح والجمال!
إنها لحظة مخاض لحمل طال انتظاره…
ولحظة المخاض دائما مسربلة بالألم وملطخة بالدماء…
…..
لم تبدأ الثورة في سوريا بعد!
أريدها ثورة على لغة، وعلى تاريخ، وعلى تراث…
أريدها ثورة بلدوزرات تلقي ذلك التراث العفن والكاره للحياة في عمق البحر…
كي يتسنى لنا أن نكتب حاضرا جميلا ومستقبلا أجمل!
لتبدأ تلك الثورة من مدارسكم…
أهيب بأهالي الساحل أن يهجموا على مدارسهم ويحرقوا كل كتاب ديني فيها..
أهيب بهم ان يسحبوا أطفالهم من حصص التربية الدينية…
أهيب بهم أن يحطموا كل المساجد في أحيائهم…
أهيب بهم أن يحتضنوا كل المهاجرين من المدن الأخرى ويتقاسموا معهم رغيف الخبز،
كي يجسدوا ثقافتهم التي لا تكفّر الآخر والتي لا تؤمن بإله كاره وماكر ومنتقم وجبار…
أهيب بهم أن يتحدوا تلك الحكومة العقيمة المارقة على كل عرف وخلق، ويرتقوا بأنفسهم إلى مستوى المسؤولية!
أريدهم أن يشربوا المتة والأركيلة ويغنوا زجلا ويدبكوا شبابا وصبايا تجسيدا لعشقهم للحياة، وفي مواجهة الموت…
عدوكم يحب الموت وأنتم عشاق الحياة، والحياة دائما تنتصر!
الثورة الحقيقية يجب أن تنبع من مدنكم، واليوم وقتها وليس غدا!
الحكومة مفلسة والأمل فيكم، ولقد دقت ساعة البدء….
هذا السكون الأشبه بالموت ليس دليلا لعافيتكم…
باسمكم سرقوا ونهبوا وظلموا وأنتم الأفقر والأضعف!
ثوروا، فالجلد لا يحكّه إلا ظفره، والمستقبل لا يبنيه أموات القرن السابع، بل أحياء القرن الواحد والعشرين!
….
دائما عندما تدلهم السماء تبحث عيناي عن قوس قزح…
وها أنا أكاد أراه…
جبلة وطرطوس أبكيكما اليوم، لكنني سأرقص في عرسيكما غدا…
وذلك الغدّ أقرب إليّ من اليوم….
فلترقد أرواح ضحاياكم بسلام!

wafasultan2015

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.