المشاعر القومية أحياناً تصبح وبالاَ إذا تحولت إلى أنفة وكبرياء وشعاراتية

Eiad Charbaji

المشاعر القومية توحّد صفوف وطاقات الشعوب بلا شك، لكنها أحياناً تصبح وبالاَ إذا تحولت إلى أنفة وكبرياء وشعاراتية، وسبقت الرؤيا والتخطيط.
أحد الصحفيين الاتراك المقيمن في واشنطن حدثني ذات مرة عن يوم محاولة الانقلاب في تركيا قبل عامين، وقال لي بما معناه أن معظم الاتراك الذين نزلوا للشوارع وأفشلوا الانقلاب لم يفعلوا ذلك لاجل أردوغان، بل لأنهم أحسوا أن الانقلاب مدعوم خارجياً على امتهم، وضرب مثالاً على ذلك أهله في اسطنبول الذين نزلوا جميعهم للشوارع ووقفوا بوجه الدبابات، رغم أنهم جمهوريون ويصوتون دائما لخصوم أردوغان.
اردوغان، ربما لأنه قومي حقيقة، أو لأنه داهية سياسي، استغل هذه المشاعر عند الاتراك وكيّفها لصالحه على الدوام، وفي كل مشكلة خارجية تتعلق بسياساته، وتتفاعل معها الدول، يصوّر الموضوع لجمهوره وكأنه تهديد للأمة التركية، فيكسب تعاطف الناس وتأييدهم، وفي اعتقالاته الواسعة للصحفيين والنشطاء بعد الانقلاب، وعندما أصدرت منظمات حقوقية وصحفية تقارير دولية تدين ذلك، مارس أردوغان هذا السلوك على الدوام، وصوّر الأمر أنه محاولات غربية ومتآمرة على المسلمين لتدمير تركيا (رغم أن تلك المنظمات مستقلة وتصدر تقاريرها بحق كل الدول بما فيها الدول التي تعيش فيها)، وهكذا كسب أردوغان تأييد الأتراك لتبرير ما قام به.


فيما يخص قضية القس برونسون. قبل قليل خرج الوفد التركي من مبنى الخارجية الامريكية وقطع زيارته معلنا فشل المفاوضات بسبب رفض الولايات المتحدة تسليم غولون مقابل القس الأمريكي، وتسربت من الخارجية الامريكية أخبار تفيد بأن الوفد التركي تصرف بفظاظة وتحد، وعلى الفور أعلن ترامب عن فرض عقوبات على تركيا، وسيتأذى الاقتصاد التركي مجدداً، لكن أردوغان سيحول الموضوع إلى اعلان انتصار الإرادة وكبر الراس التركي، وسيصفق له الملايين بحماس، بينما هم يدفعون الثمن يومياً.
لا أقول أن أمريكا بريئة في هذه المسألة أو غيرها، لكن ليس من الشطارة أن تضع رأسك برأس أمريكا فقط لثبت لشعبك أنك تستطيع تحدي أقوى دولة في العالم، خصوصاً في عهد رئيس غير منضبط مثل ترامب ميال لخصوم تركيا في الخليج، وداخلياً يحاول فعل أي شيء يلفت الأنظار عن التحقيقات التي يتعرض لها، وليقول لجمهوره أنه يحمي الامريكيين في الداخل والخارج. وهذه القضية مطابقة تماماً لما فعله حين اطلاق آية حجازي من السجون المصرية. كما أن الأمور في الولايات المتحدة لا تتم بالطريقة التركية على مبدأ شحن البضائع، فأردوغان بحاجة إلى حكم قضائي من المحاكم الفيدرالية ليتسلّم غولن، لا أن يكلم أحداً في البيت الأبيض أو الخارجية، وحتى الآن لم يستطع الاتراك تقديم ما يكفي من الأدلة لإدانة الرجل لتسليمه، أما على الطرف المقابل فإن أردوغان نفسه يعرف أنه اعتقل القس الأمريكي تعسفاً وألصق فيه تهما فقط لمقايضته على غولن.
رغم محبتي واعجابي به، لكن أعتقد أن أردوغان بات بحاجة ماسة إلى التنفيس… لإنه إذا استمر على هذه الحال حيطق، وحيطرطش كل الأتراك والمنطقة، وحيخرب كل شي عملو.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.