بقولنا تاريخ الكنيسة القبطية نقصد الكنيسة كمؤسسة روحية و كيان روحى معنوى أدبي .تاريخها هو تاريخ نشأتها و نموها و و أما كتب تاريخ البطاركة و تاريخ الشعب القبطى فستكون عنه قصاصة أخرى.و أنا أقول قصاصة لأن ما يكتب هنا ما هو إلا عناوين مختصرة لموضوعات متسعة دون الخوض في أية تفاصيل لأجل القراء الذين زهدوا القراءة .
في تاريخ الكنيسة يمكن أن نضم تاريخ المجامع المقدسة لأن بها تحددت بصمات تاريخية إنطبعت علي شخصية الكنيسة القبطية.و حيث أن موضوعنا ليس تفنيد المجامع أو بحث نتائجها لكن كيف جمع كتاب التاريخ هذه الأحداث.موضوعنا منصب علي الكتاب التاريخي الذي سجل ما مرت به الكنيسة و عن هذا نكتب هذه القصاصة الصغيرة.
كتاب التاريخ الوحيد
حين نعلم أن مصدر تاريخنا هو كتاب وحيد كتبه يوسابيوس القيصري و هو اسقف آريوسي ينسبونه خطأً كتلميذ للعلامة أوريجانوس ليهيلوا مزيداً من الإتهامات له . و لو كان أوريجانوس معلمه ما تركه يعتنق الآريوسية .و قد عاش آريوسياً محروماً من مجمع محلى عاقبه علي إعتناقه الأريوسية .لكنه للحق كان كاتبا تاريخياً محايدا نزيهاً.إنما إعتماد كنيستنا علي كتاب وحيد و كاتب وحيد للتاريخ أمر ليس له شبيه في بقية الكنائس الكبري.إننا نستطيع أن نعيد كتابة التاريخ من خلال تتبع سير البطاركة و أحداث مدرسة الإسكندرية و أحداث المجامع كما جائت في كتب الكنائس الشقيقة.و من خلال تتبع سير الأباطرة الرومان حتي القرن الرابع.و من خلال تاريخ الكنائس الأخري و ما سردته ضمناً عن تاريخ كنيستنا في كتبها القديمة.و قد حاول بعض المؤرخين تنفيذ هذا الفكر لكنهم لم ينالوا إستحسان القيادات الكنسية و هكذا أوقفنا مشروع إعادة كتابة التاريخ في مهده.
إن مركز كنيستنا و تأثيرها في العالم قد تأثر سلباً بسبب قلة المراجع التاريخية أو محدوديتها.لقد إكتفينا أن يكتب تاريخنا أسقفاً آريوسياً من فلسطين رغم كثرة المتمكنين من آباءنا الأوائل الذين أضاعوا علينا معرفة تاريخنا بكتابات قبطية أصيلة.
كنيستنا و مشكلة الترجمة
كان للمجامع يوميات تدون فيها كل كلمة تقال و كل قرار يتخذ و كل حدث يحدث. و كان هناك وصف للبيئة التي عقد فيها المجمع و لموقف الشعب من الأحداث و رأي الكنائس المحلية و للمؤامرات التي حيكت حول كل مجمع من الهراطقة و أعوانهم بينما إكتفت كنيستنا بخلاصة المجامع و إحتفظت فقط بنسخة من قوانين كل مجمع دون الإلتفات إلي يوميات المجمع و كيف توصل الحاضرون إلي النص النهائي للقانون المجمعي.كنا كنيسة تهتم بالعقيدة وحدها متجاهلة للتاريخ.و ها نحن نهاجم الآن بسبب عدم حصولنا علي وثائق كل مجمع.و يدعي البعض علينا ما ليس في كنيستنا.لكننا نرد عليهم بالمكاتبات و ليس بالوثائق التي لو كانت توفرت لدينا لكنا قد تجنبنا شقاقات تاريخية و خسارات كثيرة لكنائس شقيقة و كنا قد أعدنا الحق لمن له حق علينا و نلنا الحق ممن تجنوا علي حقوقنا و لكان الحوار الدائر الآن من أجل الوحدة أهون و أجدي لكن بكل رجاء نقول أن النعمة تعمل و تعوض النقائص مع أن هذا لا يغني عن تخصيص باحثين لتجميع تاريخنا المبعثر في كتب الكنائس الأخري و المكتوب بلغات يونانية و روسية و رومانية و سريانية و كان من المفترض أن يكون مكتوباً بالفرعونية و بالقبطية أيضاً .
كنيستنا و تاريخ الرهبنة
كنيستنا روحية و قد إنصب إهتمامها بأقوال آباء الرهبنة و سير الرواد الأوائل .فمن القديس أثناسيوس عرفنا القديس أنطونيوس و منه عرفنا القديس أنبا بولا .لم يكن الهدف من كتاب سيرة أنبا أنطونيوس توثيق الرهبنة بل ترسيخ سيرة قديس عظيم أسس الرهبنة النظامية.و من بعد هذا الكتاب إكتفينا بتسجيل شذرات من أقوال آباء الرهبنة المعروفين من القرنين الرابع و الخامس.حتى جاءنا راهب فرنسي هو القديس يوحنا كاسيان الذي جمع سير الرهبان علي مدي ستة عشر عاماً ظل يطوف فيها البراري العامرة بالأديرة و الرهبان و ترك لنا مجموعة كتب هم 12 كتاباً أو قل مجلداً تم تصنيفها إلي كتابين رئيسيين هما مؤسسات نظام الشركة و كان حديثه فيها منصبا علي الأسس التنظيمية لحياة الرهبنة و كتابه الآخر الرائع مناظرات يوحنا كاسيان و كان فيه يناقش مفاهيم روحية من خلاصة خبرات آباء الرهبنة. و في مجموعة كتبه قضي القديس يوحنا كاسيان الكثير يطوف بين الأديرة في كل أرجاء مصر من الإسكندرية حتي طيبة فيسرد لنا عنها و لولاه ما عرفنا الكثير من تاريخنا الرهباني.مع أنه كان يلزم و لا زال يلزم أن يحتفظ كل دير بسجلات تدون فيها يوميات الدير لتكون تاريخاً موثقاً لا يحتاج إلي إجتهاد للحصول عليه و إستخلاص ما نحتاجه منه من معارف و خبرات و تاريخ للشخصيات و المكان.و هكذا صار لنا مؤرخاً فرنسياً للرهبنة القبطية.في الوقت الذي يجب أن نتدارك من الآن أن يكون في كل دير و أسقفية مؤرخ ماهر أمين يدون يوميات العمل الروحي و الأحداث الهامة و كل ما يجب أن يوفره التاريخ للأجيال القادمة.
الأمر الذي يجب أن نحذره و بشدة هو أن نعتبر أن الأفلام التي يتم إنتاجها تاريخاً معتمداً .فالتاريخ يكتب بحيادية بدون تمثيل و مؤثرات, دون مونتاج و إخراج و خدع ساذجة.التاريخ مهمة ثقيلة يجب أن تتولاها لجنة مجمعية و ليست جهة سينيمائية.التاريخ حق الأجيال القادمة .الذين لا نريد لهم أن يقفوا عاجزين عن فهم الأحداث التي جازت بنا كما نقف نحن الآن غير قادرين عن فهم أمور كثيرة في التاريخ لعدم وجود تأريخ لفترات كثيرة في كنيستنا.
تاريخ علاقة السلطة بالكنيسة
لنا في الكتاب المقدس درساً بليغاً إذ أن أربعة أسفار منها كانت مختصة بعلاقة قادة و أنبياء الشعب الإسرائيلي و الهيكل بالملوك في سفري أخبار أيام أول و ثان و ملوك أول و ثان بالإضافة إلي أسفار تاريخية أخري مختصة بوقائع أو سيرة محددة. و لولا وجود يوميات الملوك ما إستطاع نحميا النبي إستكمال بناء سور أورشليم بعدما إعترض سنبلط و جشم و قورح علي بناء السور بدعوي عدم وجود قرار بذلك ففتشوا في أدراج كورش الملك المنتقل و وجدوا ما يثبت التصريح بل التشجيع ببناء السور و الهيكل نح 1-4. في كل جيل كان للكنيسة علاقة بالسلطة.كانت سلبية غالباً وإ يجابية أحياناً نادرة .و لم يذكر أحد عن تاريخ هذه العلاقة بشكل منظم سوي القس منسي يوحنا في كتابه سنة 1924 عن تاريخ الكنيسة غير أن كتابه عن هذه العلاقة إعتمد فيها علي ما إستنبطه من مراجع إسلامية أكثر من القبطية (ربما لعدم وجودها) .لكننا لا زلنا نستطيع أن نجد الكثير من هذه الأحداث مدونة في المكتبات الرئاسية بالعراق و أسطنبول وفرنسا و غيرها فنستشف تاريخاً مندثراً و نعرف ما لم نكتشفه بعد .حتي لا نكتفي ببضع أسماء قديسين و معجزة نقل المقطم.فتاريخنا أعظم من مجرد حوادث متفرقة.إننا بحاجة إلي تاريخ متكامل يغطي عمر الكنيسة من ألفي عام لأنها تستحق أن نبذل لأجلها هذا الجهد و نخرج منه بالجدد و العتقاء.
خلاصة الأمر نحن لم نكتب تاريخنا بعد.بل تركنا آخرين يكتبونه.و حان الوقت لنكتبه بأنفسنا بضمير نقي و حيادية و بمنهج علمى.
صلاة
أيها الرب صانع التاريخ و محرك أحداثه.ليس عندك غوامض لأن عيناك فاحصتان منذ الماضي السحيق و حتي الأزل.ليس هناك تاريخ لم تصنعه يداك بالإرادة حيناً و السماح حيناً آخر.لكن كتابك ليس فيه سهو أو ثغرات.و روحك القدوس يلهم المؤمنين بما لم يكونوا علي علم به.في هذا نثق و لأجله ننتظر.ليس لنكتب تاريخ نتشدق به علي آخرين هم أشقاءنا بل فقط لكي نتبصر كيف حفظتنا يداك قبل أن نولد نحن و نتعلم من معاملاتك العجيبة في ذاك الزمان فنتعضد بثقة الآن.لقد علمتنا أن نتذكر المحبة الأولي و نتب.و نحن نرجو منك أن تذكرنا بمحبتك الأولي أيضاً هذه التي صنعتها مع آباءنا و أجدادنا و نحن نجهلها.لقد علمنا بمسار هروبك إلي مصر برؤية سماوية فأكثر لنا رؤاك لكي يستعلن ما قد خفي عنا.هذه الكنيسة أنت أسستها و فيها أحجار روحية لم نعرفها.إكشفها لنا كى نزداد تمسكاً بهذه الصخرة التي بنيت بيدك و حفظتها يمينك عبر الأجيال.فليكن تاريخنا دافعاً لعودة الأشقاء من كل صوب و حدب لكي كما علمتنا نكون كنيسة واحدة وحيدة مقدسة جامعة سماوية.
#Oliver_the_writer
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :