يوميات صحفي … سائق تاكسي 12

محمد الرديني

الا ما اسخف هؤلاء

ليست شبكة( الانترنت) انجازا حضاريا فقط ولا احدى مكاسب اواخر القرن العشرين فحسب بل انها احدى اضخم انجاز عرفته البشرية حتى الان. ولأن قسما من شباب هذه الامة اصابها الجهل في موقع القلب واصبح موقع الرأس بين الافخاذ فقد استمرأت هذا الانجاز وسخرته ليزيدوا من التصاق روؤسهم فوق افخاذهم.
اتحدى اي عالم او طبيب نفساني ان يشرح لي سبب هذا الاستمناء لدى قسم كبير من شبابنا وهم امام هذا الجهاز وبمعنى ادق امام شبكة الانترنت.
دعوني اهدأ قليلا لاقول لكم ان صديقا عزيزا في بلد ناء تقع على المحيط الهندي طلب مني ان اكلمه عبر الانترنت وكاد الامر ان يكون عاديا لولا هذه الخمس دقائق التي سبقت المكالمة. وقفت مصعوقا امام شاشة الكمبيوتر وعليها مئات الاسماء المنحطة –عفوا لهذا التعبير – التي حشرت في هذه الشاشة.
قد يبدو الامر هينا لو نقرأ اسماء مثل: الوهم ، طمطوم، كوتكس، دودة ، ياظلوم، القلب المحتاس، استاذ العشق، معايا بروكسي. لكن الامر يبدو مجافيا للاخلاق والذوق حين يطلق المرء على نفسه اسما مستعارا مثل بقالة ( السكس) يضعه على احدى الصفحات المستعملة في المكالمات بين البشر ويراه ملايين البشر او يختار اسم (ادور مشتهية) او يجعل عضوا من اعضاء جسمه يحمل عنه اسمه الذي كرمه به ابواه.
اما ذاك الذي اطلق على نفسه اسم ( قاتل الحريم ولكنه يحب السمراوات) فلا ادري هل تبلغ به الشجاعة ذات يوم ليقتل بعوضة. استميحكم عذرا فانا لا استطيع الاسترسال في ذكر الاسماء والالقاب مخافة على مشاعركم ولكني اعود الى تحدي علماء النفس والاجتماع والاطباء النفسيين العرب ليجيبوا على سؤال محدد هو:: لماذا تركونا منذ مئات السنين ونحن لانحمل هما سوى همنا الجنسي وكأن الدنيا ليس فيها سوى الافخاذ والاجساد البضة..؟ لماذا يعتقدون ان الهاجس الجنسي فقط هوالذي يحرك البشر ونسوا قدسية الانسان في ابداعه وفنه وقيمه الرائعة؟ لماذا كل هذا العيب ونحن نتحدث عن مشاكلنا الجنسية وهمومنا العاطفية؟.
 معظمنا ان لم نقل كلنا ترك هذه الهموم وتلك المشاكل وراء ظهره.. لم يعر لها اهتماما حتى اذا كبرت وتضخمت كما الدمل لم يعد يعرف كيف يتصرف معها، وهي بالتالي اما تصيب جزءا من عقله او تنخر في توازنه او تذيب شيئا من كيانه ليصبح انسانا هشا قابل للكسر في اية لحظة.
اعرف احدهم ضمد يده اليمنى بضماد ابيض نظيف وكنا نعتقد انه اصيب بكسر او جرح واتضح بعد ذلك انه صافح امرأة جميلة ولم يرد ان تنمحي لمسات يدها عن يده فكان الضماد. شخص آخر بلغ الاربعين من العمر كان كل همه ان يجلس في المقهى المطلة على الشارع المزدحم  ويحدق في الرائحات الغاديات ويبدأ في تخليهن عاريات امامه. واحد آخر بكى بكاء الطفل على صدر احدى بائعات الهوى قبل ان يأخذ وطره منها وقال  لها : لم اكن اتصور ان بدايتي ستكون بين يديك. شاب أخر كاد يختنق حين قبلته صديقته السويدية لاول مرة فسألها كيف تسنى لك ان تعرفي كل هذه الامورفاصابتها الدهشة من سؤاله ولم يعد يراها ابدا.
هل اذكر لكم امثلة اخرى؟ هل اقص عليكم ماذا يحدث في تايبيه من جهة الشرق ولندن من جهة الغرب؟ هل اقول لكم كم هو مرعب ان يقودنا هذا الهم الجنسي دون ان يدعنا لحظة لقيادته. تفحصوا في الاسباب الخفية التي تقف وراء العديد من حالات الطلاق في بلادنا وتمعنوا في اسباب فشل العديد من الشباب في حياتهم العملية واسألوا : لماذا وضعوا امامنا كلمة (لا) كبيرة بدلا من ان يقولوا لنا : نعم انه من الافضل ان يكون الامر على هذه الصورة؟ هل قرأتم قبل سنوات عن محاولة احد القادة العرب اختطاف طالبة من مدرستها من اجل الزواج منها لانها جميلة جدا اولا ولانها رفضت الزواج منه ثانيا.
هل اضيف شيئا اذا احصيت معكم كم من ملايين الجنيهات الاسترلينية تقذف على افخاذ الراقصات في الملاهي الاوروبية ابتداء من الاول من تموز وحتى نهاية نوفمبر من كل سنة؟
هل تذكرون شيئا من عظمة الخليفة هارون الرشيد سوى انه رجل على غاية من السمنة يجلس على اريكة واسعة لايتحرك في جسده سوى عضوين: اسنانه التي تقضم فخذ الدجاجة وعينيه تبحلقان بشهوة مكبوتة في احدى الراقصات امامه.
وياليت الامر يقف عند هذا الحد اذن لهان الامر ولكنه تعدى الخط الاحمر حين بدأ يمس بكرامة الوطن واستقلاله والمساس بامنه ومستقبله.
في العام 1965 توجهت طائراتان حربيتان عراقيتان (نوع سيخوي من صنع سوفيتي) الى اسرائيل يقودهما طياران عراقيان، والهدف لم يكن قصف تل ابيب بل تقديم الطائرتان على طبق من ذهب الى الاستخبارت الاسرائيلية لفك رموزها التقنية ومعرفة اسرارها العسكرية. وقبل ذلك باقل من سنة استماتت اسرائيل للحصول على نموذج لهذه الطائرة السوفيتية الجديدة والتي دشنها العراق كاول بلد عربي يحصل عليها، وكان الحل متيسرا وسهلا فقد ارسلوا فتاتين شقراواتين لأغراء هذين الضابطين اللذين سلما رجولتهما من اجل لحظة (….) عابرة.
وكانت من ضمن هزيمة 1973– كما قالت الصحف آنذاك- تسرب اسرار حربية على درجة عالية من الخطورة من قبل راقصة مصرية اغرت مسوؤلا عسكريا مصريا للبوح بها وتم نقلها الى اسرائيل.
كما راح احد ابرز علماء الذرة المصريين ضحية اغواء من قبل فتاة مجهولة اغتالته في غرفته باحد الفنادق الباريسية.
هل انبش الذاكرة لازيد من عذابكم  واعدد لكم تلك المآسي التي وضع قوانينها هؤلاء الذين يعانون من كل امراض العصر القديم والحديث معا.
لاقف عند هذا الحد واقلب الصورة على جانبها الاخر واختتم بها مااريد قوله بكلمات قليلة:
منذ سنوات امتنعت مراكز الشرطة في احدى الدول العربية المطلة على الخليج العربي عن تسجيل بلاغات اللواط بعد ان وجدت ان هذه الظاهرة اصبحت بحكم الروتين اليومي رغم ان اللواط (لمن دون السابعة عشر)  يعتبر جريمة كبرى في معظم دول العالم.
لقد تم حذف هذه الجريمة من قانون العقوبات وارتاح القضاة كما ارتاح بعض البشر فعلى الاقل وجدوا من ينفس عن كربهم المقيت.
 ملاحظة اخيرة….
جاء في تقرير لموقع “جوجول” الالكتروني ان:  من غرائب الإحصاءات أن جاءت دولة اليمن في المركز الأول عربيا ضمن قوائم الباحثين عن كلمات ” الجنس، جنس، سكس”، وذلك رغم تضاؤل أعداد مستخدمي الإنترنت باليمن مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى، حيث لا يجاوز عدد مستخدمي الانترنت في اليمن 4.5% من عدد المستخدمين في مصر أو 9% من عدد المستخدمين في السعودية. ومن ضمن النتائج المثيرة أن جاء مستخدمو محرك بحث “جوجل” من مصر – الأولى عربيا في عدد مستخدمي الإنترنت – في المركز الثاني بعد باكستان ضمن قائمة أكثر البلدان في العالم بحثا عن كلمة “sex” (= جنس) على محرك بحث “جوجل”، وتضم قائمة العشر الأوائل دولا إسلامية أخرى، إلى جانب دولة عربية هي المملكة العربية السعودية التي احتلت المركز الثامن.. متقدمين بذلك على العديد من الدول التي تستخدم اللغة الإنجليزية كلغة أصلية، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، في الوقت الذي لا يمثل فيه المتحدثون بالعربية إلا 2% من مستخدمي الإنترنت حول العالم.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.