بدأت الفكرة عندما شعرت أنني أريد إدرار البول في وسط زحمة الناس وأصوات المساجد تعلو من حولي, فسألت أحد أصحاب محلات بيع الملابس: هل يوجد لديك مرحاض؟ قال: لا, ولكن المساجد حولك كثيرة بإمكانك أن تذهب إلى إحداها, والتفت حولي فوجدت في شارع واحد مسجدين فاخترت أقربها إلى قدمي, وحين هممت بالدخول إلى المرحاض وجدت الرجال يتدافعون بكميات هائلة جدا على المسجد فسألت عن سبب الزحمة فقال لي خادم المسجد هؤلاء تجار السوق عندما يسمعون الآذان يتراكضوا إلى المسجد للوضوء وللسباق على الصف الأول في الصلاة, قلت: الحمدُ لله أن التجار في هذا السوق يخافون الله أكثر مما يخافوا من وزارة التموين أو مؤسسة المواصفات والمقاييس والجهات الأخرى المعنية بمراقبة الأسعار, انتهيت من إدرار البول وشعرت براحة عظيمة وخرجت من المسجد واتصلت بزوجتي التي كانت برفقتي ورفقة ولدي لكي نشتري له حذاء وقميصا.
التقينا أمام إحدى محلات بيع الأحذية ودخلنا المتجر وكان كل شيء معلق ومرتب وموضب بشكل أنيق وعلى كل حذاء سعره المحدد, هذا ب20 دينار أردني وذاك ب15 دينار أردني وهذا ب10 وآخر ب25 دينار , أثناء التجوال في محلات بيع الألبسة والأحذية خرج التجار من المسجدين أو من مغارة اللصوص واستأنفوا أعمالهم وكان زملاءهم يستقبلونهم بكلمة: تقبل الله طاعاتكم…تقبل الله طاعاتكم….تقبل الله طاعاتكم, طبعا وكانوا يردون عليهم بكلمة: وطاعاتكم, وآخرون سمعتهم يعاتبون بعضهم بهذا السؤال: لماذا يا شيخ فاتتك صلاة العصر جماعة؟.
وحتى الآن المشهد طبيعي ولا تشوبه شائبة وهو متشابه جدا مع جميع الأسواق والمدن والقرى, ولكن ما هو غير طبيعي هو أنني عن غير قصد سألت أحد التجار: بكم هذا الحذاء؟ قال:( سعره عليه يا شيخ…هاظا الحذاء بعشرين دينار ولكن إلك إنت خذه ب19) , كنت طبعا سأعطيه العشرين دينار نظرا لأنني توقعت من رجل يزدحم على الصلاة بالمسجد بأنه صادق وأمين ولكن حين قال لي: خذه ب19, قلت له: ليش ب19 !! ما هو إنت قلت ب20؟, قال يا أخي مش مشكله خذه ب18, تبسمت وقلت: أنا مش قصدي التبخيس ولا المجادلة, أنا أقصد إنك حاطط على سعره وكاتب عليه 20 دينار بعدين قلت ب19 وبعدين ب18…أنا مش فاهم شيء, وخرجت من المحل وتبعتني زوجتي ثم دخلنا محلا آخر ورأينا نفس الحذاء فقلنا لصاحب المحل بكم هذا الحذاء؟ قال-;- يا أخي مكتوب عليه 21 دينار, قلت له: بس عند جارك كاتب عليه ب20 وبعدين قال خذه ب19 دينار بعدين قال ب18!!! فنظر بوجهي وقال: عشانك إنت خلص خذه ب17, فقلت له: عفوا إنت بتعرفني؟ قال: لا, قلت: طيب كيف بتقول : عشانك ب17 دينار؟ قال: ولا يهمك على حسابك وجيرة الله بدون مصاري, قلتله: سبحان الله: يعني هسع لو أخذته وخرجت خارج المحل بدون ما أدفع ولا فلس معقول؟ قال: يا أخي هذا السوق قدامك روح واسأل, فخرجت من متجره وأنا أجر أذيال الخيبة وأتساءل عن الأمانة والصدق في سوق تجاري يكتظ بالتجار وبوسطه مسجد يتراكضون حوله للصلاة, فقالت لي زوجتي: وبعدين ؟شو ما بدناش نشتري؟ قلت: لا كيف بدناش بس ليش ما فيش صدق أو أمانة, يعني مثلا ليش ما يكتب التاجر على بضاعته ب20 ويبقى السعر ثابت!! ليش الكذب وهم يدعو بأنهم محافظون على الدين والصلاة وأنا يتهمونني بالكفر والإلحاد والردة والزندقة!!.
ثم أخذنا جولة في الشارع الآخر ودخلنا أول محل وقام ولدي بقياس حخذاء نمره 40 وسألنا عن سعره: قال التاجر: ب18 دينار, قلت له: كثير!! قال على شان نكسبك زبون للمحل يلله خذه ب17, أدرت له ظهري وخرجت ,فقال: خذه ب15 دينار على شانها بيعة مساء وبدنا نشطب ونروح, فقلت: بصراحة أنا معيش 17 دينار, فقال: طيب بكم تريده, يعني قديش بدك تدفع ثمنه, قلت: صدق ما معي إلا 14 دينار , قال: خلص هاتهن, قلت: طيب وأجار الطريق؟ هسع إذا بعطيك إياهن بظلش معي أجرة السرفيس والباص من المدينة إلى القرية, قال : قديش أجرة الطريق قلت: 2 ديناران, قال خلص هات 12 دينار وبعوض الله, فقلت: لا خلص ما بديش شكرا وهممت بالخروج, فقال: خلص جيرة الله غير أعطيك إياه ب10 دنانير, فعدت واشتريته ب10 دنانير, طبعا واشتريت للولد قميص وكانت لنا معه نفس القصة ونفس الرواية.
أنا مش زعلان من شي…بس السؤال اللي بطرح نفسه مين اللي علّم الثاني على الكذب؟ الزبون أي الزبائن أم التجار أم الدين؟ معقول مثلا في شوارع باريس يكون القميص أو البنطال معروض ب100-$- وياخذه الزبون ب30-$-؟ أو في ألمانيا أو أمريكيا, يمكن هون التجار يقولوا: الزبون لو تعرض عليه البضاعة ب10 دنانير غير يبقى يفاصل بالتاجر حتى ينزل سعره ل 5 دنانير, وسواء هيك أو هيك المسألة كلياتها عبارة عن غش وكذب وخداع وعدم صدق وأمانة, السياسيون يكذبوا والتجار يكذبوا, حتى في مجتمع يوجد به في كل شارع أكاديمية دينية(مسجد) إلا أن هذه المساجد لا تعلم الناس على الصدق والأمانة, يدخلوا المسجد للصلاة مرآة وكذب وأحيانا خجلا من بعضهم, يعني مش كويس صاحب هذا المحل يروح للصلاة وبنفس الوقت ما يشوفش جاره بالمسجد, مجتمع داعر وعاهر وغير صادق, وكادت الدمعة أن تراها زوجتي في عيني وقالت لي يومها: أنا شايف إنك بدك تقلبها مناحه وتبكي كعادتك!! فقلت لها: ليش أنا كل هذول بحكوا عني كافر وزنديق..؟..بالرغم من إني إنسان طيب وعلى نياتي وبعمري ما قلت لأي إنسان إنك كذاب وأول ما حكا لي التاجر ب20 دينار أردت فورا أن أدفع له ظنا مني أن هذا هو السعر المحدد والأول والنهائي, وصدقوني مرة من ذات المرات اشتريت بنطال(بنطلون), فمزحت مع التاجر وفقط لمجرد السؤال وقلت له: بكم هذا الزنار الفضي الجميل؟ قال ب8 دنانير, فمشيت دون أن أنبس ببنت شفا, فقال: مش مشكله خذه ب6, فمشيت, ثم نزلت الدرج فقال: على شانك خذه ب5, فقلت: لا شكرا, فقال: طيب إنت قديش(كم) معك؟ فقلت: صدقني بدون حلفان, معي فقط4 دنانير, فقال: خلص ماشي, فقلت لا, فقال: والله غير أعطيك إياه يا محترم ب3 دنانير, فأخذته, ومش فاهم ليش ما يكون التاجر صادق؟ يعني الزنار(الحزام) ب8 ولو قلت: أوكي, كان راحت عليّ زي ما بقولوا, بس أنا كنت عنجد ما بديش أشتري وفورا نزل سعره 5 دنانير وهذا معناته إنه الزنار رأس ماله على التاجر يمكن يكون دينار أو أقل, أين المساجد وما دورها في بث الوازع الديني عند الناس والتجار, لو أتى أحدكم إلى أي محل لبيع الألبسة والأحذية في الأردن-إربد- وشاهد الناس وهم يفاصلوا ويناقشوا التجار لظنوا أنهم في طوشه وعركه, والأدهى والأمرّ من كل ذلك لما بحكيلك التاجر-;-على حسابك بدون مصاري) وهو كذاب.. وكما قال الشاعر العظيم بيرم التونسي حين قارن بين المصريين والفرنسيين في قصيدته الشهيرة(حتجن يا ريت يا إخوانا ما رحتش لندن ولا باريس) والتي لحنها الشيخ زكريا أحمد, يومها قال في متن القصيدة عن التجار الفرنسيين:
ولا واحد ببيع حاجه يقول:بريال وتاخذها بساغ.
ثم قال عن تجار القاهرة:
يا إخوانا دي حتى الإبره ناخذها بدوشه وقلب إدماغ
خير الكلام .. بعد التحية والسلام ؟
١: بداية تحياتي للشعب الأردني في عمومه طيبه وسيئه ؟
٢:أقمت فيه ل 7 سنوات ، وكان أول وصولي ليلاً طلبت من سائق التاكسي أن يأخذني وعائلتي الى فندق جيد ورخيص بعض الشى ، فكان أن أخذني الى مكان جعل الماء لي عسلاً ، فبقيت فيها ليلة واحدة فقط وهربت ؟
٢: كنت في مكتب صديقي ع وهو قرب الجامع الحسيني ، فإستذن مني وقال مشوار للصلاة وعائد ، وبعد قليل إتصل بالمكتب لينجده أحد بنعال لأن حذاءه قد سرق ، ولما وصَل ضحك الجميع فقاطعنا أخيه م وقال إنها المرة الثالثة ؟
٣: كنّا عائدين من مأدبة من عرس الى عمان ليلاً فإستوقفتنا دورية ولما شم رائحة الكحول قال سكارى ونسوان وأخذ يبيع لنا الاسلام والاخلاق ، فقلت إحترم نفسك فهذه عوائلنا ولما لم ينفع معه الكلام الطيب ، فقلت له إن كنت راجل أعطني هاتفك لأعرفك عن نفسي ، وعندها تذكرت صورة في جيبي فأريته إياها فصار كالعصفور المبلل وتراجع معتذراً ورأى الصورة النقيب فقال أستاذ نحن أسفين وأمر دورية الشرطة بمرافقتنا حتى مكاننا ؟
٤: وأخيراً … ؟
الشهادة لله ، مشكلة الاْردنيين ليست في الساسة الكبار بل في القردة والأقزام الصغار ، تصلح مين ولا مين يا جهاد الأمة كلها خربانة من مكة للجعرانة ، سلام ؟