يا شيخ عبد الجليل : شكوتك لله .. !!
كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية. ج 2 الوهابية
الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية
الفصل الأول التمهيدى: يا شيخ عبد الجليل : شكوتك لله ..
مقدمة :
1 ـ فى لقاء مع الاستاذ الراحل عبد الوارث الدسوقى فى مكتبه بجريدة ( الأخبار ) إستغرب من إدمان الشيخ عبد الجليل شلبى ـ رئيس مجمع البحوث الاسلامية ــ الهجوم على شخصى فى عموده اليومى فى جريدة الجمهورية ، ومنها إتهامات مضحكة كقوله عنى أننى أتهم النبى بأن الله وجده ضالا فهداه . وينسى أنها آية قرآنية . وسألنى الاستاذ الراحل رحمه الله جل وعلا لماذا لا أرد عليه ؟ حكيت للاستاذ قصة عبد الجليل شلبى معى فإزداد إستغرابا وطلب دليلا موثقا على قصته معى ، وطلب أن أكتب مقالا فى الردّ عليه معززا بهذا الدليل . جئته بالدليل ( تقرير عبد الجليل شلبى بخط يده متحدثا عنى ) فقرأه وإزداد عجبا من تلون الرجل ونفاقه ، وقرأ ردى عليه ، ووافق عليه . واتصل بشخص فى جريدة الجمهورية ـ والاستاذ الراحل كان من مؤسسى هذه الجريدة ـ وقال لهذا الشخص إننى قادم من طرفه بمقال كذا عن الشيخ فلان ، وانه يريده أن ينشر هذا المقال . كان إسم الشخص العريان ـ حسبما أتذكر. فى اليوم التالى ذهبت لهذا الشخص وإستقبلنى بتجهم وبرود ، أخذ منى المقال بقرف ، وسألته عن موعد النشر ، فلم يجبنى .
2 ـ كان الفقر الذى يحوطنى وقتها يمنعنى من شراء جريدة كل يوم . كنت لا أشترى إلا الجريدة التى تنشر لى مقالا ، إذا كانت الأهالى أو الأحرار أو الأخبار . لم استطع معرفة هل نشرت الجمهورية مقالى ام لم تنشره . ونسيت الموضوع .
3 ـ مرّت شهور . وإلتقيت بصديقى الراحل جلال معوض . كان تاجرا يقيم فى قويسنا منوفية ، ويتنقل بين سيوه وسيناء يتاجر بالزيتون . وكنا نتزاور . قال لى : عندى لك مفاجأة لا يمكن أن تتخيلها . أعطانى صفحة قديمة من جريدة الجمهورية ملوثة بالزيت وبقايا الطعام . قال إنه فى رحلته الى سيوه إشترى سائق السيارة خبزا وطعمية من مطعم على الطريق ، وأثناء الأكل لفت نظره ورقة الجرائد التى وضع فيها صاحب المطعم الطعمية . كانت تحوى مقالا لى بعنوان (يا شيخ عبد الجليل : شكوتك لله .. !!) . كانت مفاجأة فعلا مذهلة .
أنقل هنا هذا المقال ـ ولا أتذكر تاريخه :
أولا : المقال :
بسم الله الرحمن الرحيم
” القرآن لا يزال هو الحل “
” يا شيخ عبد الجليل : شكوتك لله .. !! “
1ـ أثناء عملى فى جامعة الأزهر 1985 أصدرت خمسة كتب كان أبرزها ” الأنبياء فى القرآن الكريم ” . وكوفئت بإحالتى للتحقيق , وتوالت التقاريرعلى لجنة التحقيق تطعن فى عقيدة المؤلف وفى مؤلفاته وتطالب بتوقيع أقصى عقوبة عليه . كانوا جميعا متحاملين إلا خصما واحدا كان نبيلا فى خصومته هو الشيخ عبد الجليل شلبى ـ الأمين العام لمجمع البحوث فى ذلك الوقت . والذى أعد تقريرا شاملا عن كتابى ” الأنبياء فى القرآن ” ولـِدَى ” الأخبار ” صورة من هذا التقرير الذى يقول فيه الشيخ عبد الجليل عن كتابى ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) ” يدور هذا الكتاب فى كل صفحاته عى فكرة نبيلة جميله , وهى الرغبة فى تنقية الإسلام ـ عقيدة وشريعة ـ من شوائب الشرك , وأن تكون عقيدة المسلم خالصة لله وحده , وأن تكون عبادته بريئه من أى ريبة تـَمـُتُّ إلى الشرك بصلة , وفى توضيح هذه الفكرة والإستدلال عليها أورد كثيرا من الآيات القرآنية وبعض الأحاديث بجانب استدلالاته العقلية , وقد أفاض فى عرض فكرته وأدلته فى تكرار ممل أكثره لا جديد فيه , وهوعلى أى حال مشكورعلى هذه العاطفة والرغبة الصادقة فى هداية المسلمين إلى حقائق الدين , وشأن المؤلفين جميعا لم يَخـْلُ الكتاب من اخطاء فى التعبير وفى التفكير وفى الإستدلال جميعا .. ” .
وبعد ان عرض الشيخ عبد الجليل لأخطاء الكتاب من وجهة نظره قال تحت عنوان ” كلمة ختاميه ” ما يلى ( السيد المؤلف من أبناء الأزهر وشيوخه . وهو بلا ريب نبيل المقصد , وتـُشكر له غيرته كما يـُشكر له اطلاعه على الكتاب المقدس .. وقد حمله حماسه على عدم التأنى فى الإستنـتاج . أرى أن يـُسأل عن ارائه فى هذا الكتاب ما ذكرت منها وما لم أذكر فإما أقـْنَعَ وإما اقـتَـنَعَ ــ وأود أن يكون ذلك كله فى هدوء وبدون ضجة ـ وبدون مساس بشخصه ـ والحقيقة بنت البحث , وهى ضالتنا جميعا . ونسأل الله تعالى هدايتنا وتوفيقنا . ” دكتور ـ عبد الجليل شلبى”
كتب الشيخ عبد الجليل ذلك التقرير بخطـِّه يشهد لى بسلامة ونبل المقصود والحماسة الصادقة فى تنقية عقائد المسلمين من الشرك . ويثبت أننى اعتمدت على القرآن والأحاديث واننى أفضت فى عرض أدلتى ” فى تكرار ممل أكثره لا جديد فيه ” وأشار إلى أن أخطائى ـ من وجهة نظره بالطبع ـ أخطاء عادية ” شأن المؤلفين جميعا ” ….
وأوصى بأن تكون محاكمتى على أساس الإقناع أو الإقتناع وأن يتم ذلك كله فى هدوء وبدون ضجة وبدون مساس بشخصى . وأننى فى النهاية ” من أبناء الأزهر وشيوخة ” .وبلا ريب نبيل المقصد ..
لم تكن لى معرفة بالشيخ عبد الجليل ـ ولم أقابله حتى الآن ـ ولكننى حين قرأت تقريره سنة1985 أحسست بأن الدنيا لا يزال فيها خير , وانه لا يزال هناك رجال يقولون كلمة الحق دفاعا عن مظلوم لا علاقة لهم به .. وفى هذه الأيام العصيبة من عام 1985 أقمت فى قلبى حفل تكريم للشيخ عبد الجليل ودعوت له كل عظماء المفكرين الأحرار .. ولكن مع شديد الأسف لم يستمر ذلك الحفل فى قلبى كثيرا . إذ سرعان ما ضرب أحدهم فوانيس الحفل بالكرسى .. وكان الشيخ عبد الجليل نفسه هو الذى أطفأ مصابيح الحفل وطرد المدعويين , وتحول الحفل إلى مأتم وقفت فيه أتلقى العزاء .
2 ـ ذلك أن الشيخ عبد الجليل دأب منذ عام 1986 وحتى الآن على الهجوم على شخصى فى باب ” قرآن وسنة ” الذى يحرره يوميا فى الجمهورية .. ويتهمنى علنا باتهامات هو نفسه اول من يعلم انها ظالمة وأنها تناقض ما كتبه بخط يده فى تقريره الموثق الذى نقلتُ بعض فقراته ..
ودائما ما تدور اتهامات الشيخ عبد الجليل لى حول شيئين أساسين : اتهامى فى عقيدتى وإسلامى واتهامى بتلقى أموال من الخارج ..
وعن اتهامى فى عقيدتى ينسبنى تارة للبهائية وتارة ينسب إلىَّ الهجوم على الأنبياء . ويكفى فى الرد على ذلك كله أن نرجع إلى ما كتبه الشيخ عبد الجليل نفسه من مدح لى ولعقيدتى خرج به من خلال قراءته لكتاب واحد هو كتاب الأنبياء . إذ كيف تنطبق كل عبارات المديح السابقة على بهائى أو عدو للإسلام . ؟ . ولو قرأ الشيخ عبد الجليل باقى كتبى ـ مثل السيد البدوى ـ شخصية مصر بعد الفتح الإسلامى ـ البحث فى مصادر التاريخ الدينى ـ العالم الإسلامى بين عصر الخلفاء الراشدين وعصر الخلفاء العباسيين ـ الخ .. الخ .. لعرف عدائى للتشيع وهو الأب الشرعى للبهائية ولازداد يقينه من ان هدفى هو نفس ما كتبه فى تقريره عن كتابى الأنبياء الذى ” يدور .. فى كل صفحاته على فكرة نبيلة , وهى الرغبة فى تنقية الإسلام ـ عقيدة وشريعة ـ من شوائب الشرك .. ” . هل يكون بهائيا من يحمل فى قلبه هذه المشاعر النبيلة يا شيخ عبد الجليل ؟
وعن اتهامه لى بتلقى أموال من الخارج فللشيخ عبد الجليل دائما عبارة مأثورة يقولها هى ” وقيل أنهم يمدونه بالمال الكافى والله أعلم ” أو يقال يحصل على دخل بالآلاف والله اعلم .. ” منذ عام 1986 والشيخ يردد هذا الإتهام بين سطوره ” يقال كذا .. والله أعلم ” وحتى بعد عودتى إلى مصر فى أكتوبر 1988 . كتب الشيخ فى 3/1/1989 يقول أننى أعيش فى أمريكا أحصل على دخل شهرى يقدر بالآلاف .. !!
وقد زارنى منذ شهور صحفى شاب من المقربين للشيخ عبد الجليل وفوجىء بحياتى البسيطة فى شقتى المتواضعة ورأيت فى عينية الرثاء والأسف وحدثنى عن الأموال المزعومة التى تاتينى من الخارج ,وكيف أن الشيخ عبد الجليل كتب فى مجلة الدعوة السعودية يقول أن فلانا أعطانى مليون دولار .. وضحكت وشر البليَّة ما يضحك , وتذكرت أن خصومى فى الأزهر صدقوا الإتهامات التى أشاعوها فأحالوا أوراقى للكسب غير المشروع وقاموا بتحقيق سرى تأكدوا من زيف ادعاءاتهم .. وكان ذلك عام 1986 . ولكن ظل الشيخ عبد الجليل مصمما على قوله ” يقال أنه يحصل على كذا .. والله اعلم ” وظل يرددها حتى تاكد أن دخلى هو مجرد المعاش الذى خرجت به من الأزهر وهو بالتحديد 87.5 جنيها مصريا .. هل تستطيع ان تعيش بهذا الدخل يا شيخ عبد الجليل ؟ ..
والمضحك أن الشيخ عبد الجليل بعد أن تأكد من زيف اتهامه كتب يوم ـ 6/10/1989 ينفى اتهامه السابق ولكن بطريقه ماكره يقول ” وقيل إن ماليَّـته كانت فى بعض البنوك ولم تـُسلـَّم له , والله اعلم ” ومن حقى أن اتساءل عن هذه البنوك التى كانت تحتفظ لى بأموالى المزعومة ولماذا لم تسلمها لى وانا فى أمس الحاجة إليها ؟ ـ وهل يمكن أن يكون لى رصيد فى بنك ثم لا أستطيع تسلمه ؟
إن مثلى لا يتاجر بالدين ولا يقول الحق سرا ثم يفترى الإتهامات الظالمة على رءوس الأشهاد . إن مثلى لا يبيع للناس إسلاما مغشوشا يرتضى بذلك عرض الدنيا .. ولذلك رفضت حطام الدنيا فى مصر وفى أمريكا ودفعت الثمن إفلاسا ومعاناه أحتسبها عند الله الذى لا يـُضيع اجر من أحسن عملا .
وفى إحدى ليالى شهر نوفمبر عام 1987 كنت أُنهى الفصل الأول من كتابى ” شريعة الله وشريعة البشر ” وفوجئت بجيش صغير جاء يقبض علىَّ ويأخذنى من وسط أطفالى . لم يكن فى جيبى إلا مائة وعشرين جنيها هى كل ما أمتلكه فى ذلك الوقت .. وقد تركت منها أربعين جنيها مع اولادى واحتفظت بثمانين جنيها معى وأنا أمضى إلى المجهول مع الذين أتوا للقبض على .. وبعد أسبوعين .. وفى ظلمات السجن فى طره كنت تائها فى التفكير في أولادي وكيف يعيشون بالمال القليل الذى تركته معهم , فى هذه اللحظة التى لا انساها قيل لى أن جريدة الجمهورية تهاجمك , وانتبهت على مقال الشيخ عبد الجليل يتـَّهمنى فيه بانه ” يقال أن الأموال تاتيه من الخارج .والله اعلم “. وكانت لحظة عصيبة الله وحده الأعلم بها ..
3ـ يا شيخ عبد الجليل : إن مثلى قد ييأس من العدل فى الأرض ولكن لا يزال له متسع فى عدل الرحمن .!.
يا شيخ عبد الجليل : أنا وأنت خصمان بغى بعضنا على بعض , أحدنا ظالم والأخر مظلوم .. والله تعالى هو الأعلم بالظالم فينا من المظلوم . وان لنا موعداً لن نخلفه أمام الله تعالى يوم العرض العظيم ، الذى يقول عنه الرحمن ” وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ” طه : 111 ) . وأنا أنتظر ذلك اليوم وأرجوه. ويقول جلَّ وعلا ” اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ــ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ” هود 121, 122 ..
يا شيخ عبد الجليل : شـَكـَوْتـَك لله …). إنتهى المقال .
أخيرا :
1 ـ قيل لى بعدها أن الشيخ عبد الجليل شلبى كتب ما يفيد أنه لن يتعرض لى بعدها . هذا بعد عشرات المقالات الى هاجمنى فيها . ولم أكن أتابع شراء جريدة الجمهورية . وما وصلنى من بعض هجومه كان يتطوع بعض الأحبة بتوصيله لى .
2 ـ لم اشأ أن أكتب أن الريال السعودى هو السبب فى تحول موقف الشيخ عبد الجليل شلبى، فلم يكن معى دليل . ولكنه كان أمرا واضحا . إذ أنه بمجرد أن تولى تحرير العمود اليومى فى جريدة الجمهورية 🙁 قرآن وسُنّة ) بعد الشيخ محمد سعاد جلال ، إستغل هذا العمود فى الهجوم على شخصى ، ضمن باب من الارتزاق فتحته السفارة السعودية ، ودخله كثيرون من الشيوخ والصحفيين ، لم يكن عبد الجليل شلبى أولهم أو آخرهم ، ولكنه ربما كان أكبرهم سنا ، إذ كان وقتها يقترب من الثمانين من العمر .!
3 ـ لم ألتق بالشيخ عبد الجليل شلبى إلا مرة واحدة ، قبيل وفاته ، فى أوائل التسعينيات . الكاتب الصحفى الراحل عبد الوهاب مطاوع فى جريدة الأهرام ورئيس تحرير مجلة الشباب ، أعد مائدة مستديرة فى مبنى الأهرام لمناقشة أزمة التدين عند الشباب ، ودعا اليها د سعد الدين ابراهيم وأنا وفهمى هويدى والشيخ عبد الجليل شلبى ومحموعة مختارة من الشباب المثقف. وتم تدوين المناقشات ونشرها فى مجلة الشباب . كانت أول مرة أرى فيها الشيخ عبد الجليل شلبى . رحبت به دون أن أُعرّفه بنفسى ، وإطمأننت على جلوسه فى الكرسى ،وجلست الى جواره ، وابتسم لى شاكرا دون ان يعرفنى . قام الاستاذ عبد الوهاب مطاوع بتقديم الحاضرين ، فلما عرفنى إكفهرّ وجهه ، وابتعد بكرسيه عنى . فى النقاش أثرت موضوع حد الردة ، وأنه ليس من الاسلام . اسرع عبد الجليل شلبى يؤكده مستدلا بحرب أبى بكر للمرتدين ، فرددت عليه بأن ( حرب الردة ) غير ( حد الردة ) وسمح لى الاستاذ عبد الوهاب مطاوع فى الاسترسال فى الحديث برغم إمتعاض فهمى هويدى الذى عقّب بتحميلى مسئولية ما اقول ، كأنه يخوّفنى ، فقلت أننى أتحمل دائما مسئولية ما اقول ، وما أقوله غريبا اليوم يصبح مقبولا غدا .
4 ـ ولا يزال لنا موقف للتلاقى أمام الواحد القهار يوم الحساب .