يا حسرة و بس..

يومين كاملين و العاصفة الثلجية عم تضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة.. اتغطّيت المنازل بالثلوج، اتسكّرت الشوارع ، oldseaانطمرت الحدائق ، و اتحولّت المدينة اللي عايش فيها لمدينة أشباح لا تسمع و لا ترى فيها الا أصوات سيارات الإسعاف و الإطفاء من وقت للتاني..
انقشعت العاصفة مبارح، و تركت هالمنطقة لتقوم بزيارة منطقة اخرى ، و طلعت هالناس من بيوتها لإصلاح ما سببتو العاصفة..
انا مقيم بحي سكني صغير في مدينة صغيرة بيسكن فيه الأبيض و الأسود و الاميركي الأصلي ، المسلم و المسيحي و اليهودي و اللي ما سمعان برب العالمين..
البسنا الجزمات، و حطّينا البرانيط على رؤوسنا و خرج اهل الحي بمجرّد ما شفنا رجال و نساء بلدية هالمدينة وصلو لكسح الثلوج..
رجال و نسوان ، أطفال و شيوخ ، الكل حامل ما تيسّر لمساعدة عمال البلدية .. الضحكة على وجوهون، و إلقاء التحيات و السؤال عن الصحة و الحال ، و عرض المساعدة للكبار بالعمر لتنضيف ما يمكن تنضيفو..
جارتي بالبيت اللي صوبي من جذور أيرلندية ، شفتها حاملة كيس بندق و عم تفضّيه في جنينة بيتها.. لمّا قررت اسألها ليش عم تعمل هيك عرفت السبب قبل السؤال.. عشرات السناجب اللي عالقين عالشجر من يومين بدون أكل ركضوا الى حديقتها و بين كل الناس و بدون خوف من آذى البشر صاروا يلمّوا حبّات البندق و يطلعوا فيها على أغصان الشجر البيضا..
جار تاني طلب المساعدة بحرقة من الكل، ركضنا لنشوف شو طلبو، بيخبرنا انّو في كيس طاير و عالق على غصن احد الأشجار اللي قدّام بيتو و بدّو مساعدتنا ليطلع يشيلو عن الغصن..
أتحوّل الحي لخلية من النحل الكل عم يشتغل للواحد، و الواحد عم يشتغل للكل ، و الجميع عم يعمل لمصلحة الحي..
دخلت على بيتي بعد تلات ساعات و الحرقة بقلبي..
فتحت الفيس بوك، شفت مئات الخنازير عم يهللوا لحيدرة بهجت سليمان على بوست كاتب فيه ” احرقوا يبرود “..
قلبت على صفحة تانية، شفت صفحة حلبية عم يتشفّوا زوارها من آكلي براميل الاسد من اهل نفس المدينة..
غط على البي، و رحت على صفحة لادقانية ، عم يزلغطوا زوارها الرعاع لقصف جبال التركمان و حرقها باهاليها..
سكّرت الفيس بوك و فتحت التلفزيون، شفت صور من مسيرة مؤيدة في اللاذقية لدعم ضارب السكود على اهل شمال سوريا..
أغلقت كل وسائط التكنولوجيا اللي بتربطني ببلدي، و اتحسّرت على عشر آلاف سنة ما قدرت اتحوّل البشري السوري الى انسان سوري، و وصلت لنتيجة مفادها :
قوة وحضارة الإنسان و رقي الشعوب ما بتجي نتيجة ترسانة نووية، و لا بوجود ست حاملات طائرات ، و لا كمان بعشرات آلاف السنين من الحضارة و العتق..
البشر بيتحوّل لإنسان لمّا بيتعلم يحب، و نحنا شعب مفهوم الحب عندو وردة حمرا و بيت شعر على ورقة مصفرّة، و غنيّة لام كلثوم في ليلة بيكون سحاب المازوت مغطّي فيها قمر الغرام..
يا حسرة و بس..

About زياد الصوفي

كاتب سوري من اللاذقية يحكي قصص المآسي التي جرت في عهد عائلة الأسد باللاذقية وفضائحهم
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.