صباح ابراهيم
خلق الله الكون ، السماء والارض بما فيها من مخلوقات من جماد وحيوان ونبات، وبعد ان اتم كل خلائقه وابدع صنعه ، جبل الرب من تراب الارض وعناصرها الطبيعية انسانا وجعله على صورته ومثاله ونفخ فيه نسمة الحياة من روحه . فكان جسدا ونفسا وروحا .
وسمي آدم اول انسان مخلوق على الارض لانه خلق من اديم الارض ، ثم خلق الله من ضلعه زوجه حواء ام كل الاحياء لتكن معينه ووليفه في الحياة .
خلق الله الانسان ذكرا وانثى من روح ونفس وجسد . والبسهما تاج العقل والنطق ليكون الانسان سيدا على جميع مخلوقات الارض .
بعد ان خلق الله أدم وحواء بنفخ الروح ونسمة الحياة فيهما من روحه استودع الروح في خليقته الاولى داخل الجينات الوراثية لتنتقل بالوراثة الى نسلهما في النطف الذكرية والبويضة الانثوية قائلا لآدم وحواء : (اثمروا واكثروا واملاوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض) .
فعن طريق التناسل بين الذكر والانثى تنتقل روح الله من انسان الى آخرلتستمر الحياة الى ما شاء الله عن طريق الاجنة التي تنمو في الارحام ليكون الانسان سيدا على الارض ومخلوقاتها ويعمرها حسب مشيئة الخالق .
كان الانسان منذ القدم يعرف انه مخلوق من تراب الارض وطينها ، وكان يعرف ان جسده مكون من لحم وعظام وعصب كما قال النبي أيوب في الكتاب المقدس في العهد القديم الاصحاح 10معاتبا ربه على ما ابتلاه به من امراض ومصائب قائلا :
يدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا،…. أَفَتَبْتَلِعُنِي؟
اُذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ،…. أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟
أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ، وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟
كَسَوْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ.
مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي. ……
فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ الرَّحِمِ؟ كُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ الرُّوحَ وَلَمْ تَرَنِي عَيْنٌ!
كان النبي ايوب يعرف بالوحي والالهام انه مخلوق من جسد ونفس وروح وصُبّ في رَحمِ أمِه ك لبنٍ متخثرٍ وتكون في الرحم من عصب ولحم وعظام وجلد ، وكان يعرف من هو خالقه وصانعه ونافخ الروح وباعث الحياة فيه .
كما وردت في الكتاب المقدس / سفر المكابيين الثاني 7: 21-22
قصة ام مؤمنة بالله يُعذب اولادها السبعة ويقتلون من قبل حاكم وثني امام عينها ، فقالت لاولادها مشجعة لهم على تحمل العذاب والصبر حتى الموت :
( اني لستُ اعلمُ كيف نشاتم في احشائي ولا انا منحتكم الروحَ والحياة ، ولا احكمتُ تركيب اعضائكم، على ان خالق العالم الذي جبل تكوين الانسان وابدع لكل شيء تكوينه سيعيد اليكم برحمته الروح والحياة )
اذا الانسان يعرف ومنذ زمن بعيد الكثيرعن خلق الجسد في الاحشاء واعضاءه، ولكن من حق الانسان العاقل الذي منحه الله نعمة العقل ان يفكر ويتسائل عن ماهية الروح ومتى تحل في الجسد عند خلقه في الرحم واين مكمنها في الجسد . ، وكيف يعيش الانسان من خلالها وما يحدث للجسد عند الموت ومغادرة الروح له ، وهل ستنحل الروح بعد انفصالها عن الجسد ام ستنتقل الى مكان آخر وستبقى خالدة وما هو مصيرها ؟
يقول القرآن واصفا مراحل الخلق : (يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر ) سورة الحج – سورة 22 – آية 5
وجاء في سورة المؤمنون 23 – آية 14: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين ).
ورغم ان علم الطب وعلماء الاجنة لايؤيدون مراحل تكون الجنين حسب الوصف القرآني ، لأن العظام لا تتكون قبل اللحم وإنما العظام هي غضاريف منشأها اللحم والعضلات والياف رابطة تتكلس لتصبح عضاما ذات صلابة وتشكل الهيكل العظمي فيما بعد ، ولكن هذا ليس بموضوع المقال الان وانما ذكر لبيان تكوين الجسد عند الخلق .
اما عملية نفخ الروح في الاجنة داخل الارحام فيقول الاسلام عنها كما جاء في الحديث النبوي
(أن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ) اي ينفخ الملك الروح بعد انقضاء 120 يوما اي ثلاث اربعينات متوالية من الايام . وهذا مغاير للحقيقة العلمية ولا يؤيده العلم نهائيا ، فمن الثابت علميا ان كل خلية تنمو وتتحرك وتتغذى وتتكاثر فهي كائن فيها روح وحياة . فالحيوانات المنوية عند الذكر والبويضة عند الانثى في كل منهما حياة وروح.
يكتمل الروح في البويضة الملقحة حال تلقيحها بالحيمن الذكري بعد ان يتم التقاء وتزاوج نصف الروح المتوارث من الاب والنصف الاخر المتوارث من الام عبر النطفة والبويضة باذن الله كما تتكامل الجينات الوراثية الناقلة للصفات الوراثية والحياة من كلا الطرفين لتعطي الجنين الحياة والروح وصفات الانسان الكامل.
فكيف يتم الخلق ومتى تُنفخ في الجنين روح الحياة حسب العلم ؟
تتشكل خلايا الجنين الاولى بعد تلقيح البويضة مباشرة حيث تبدأ البويضة الملقحة بالانقسام والنمو والتغذية والتكاثر منذ لحظة التلقيح، وهذه صفات الكائن الحي الذي فيه روح وحياة، فلا يمكن لاي كائن حي من الفيروس الى الداينصور ان ينمو وتنقسم خلايا جسده وتجرى فيه الفعاليات الحيوية دون ان تكون فيه حياة وروح فالمضغة والعلقة هما اساس خلايا الجنين الحي الذي ينبض بالروح والحياة منذ اول تكوينه. اي ان الحياة والروح تسري في الجنين منذ لحضة التلقيح وليس بعد 120 يوما من التلقيح كما جاء في حديث رسول الاسلام، فأن كانت المضغة والعلقة بلا روح ولا حياة فكيف تنمو وتتغذى وتتكاثر الخلايا واعضاء الجسد وكيف يتحرك الجنين وهو في مراحل تشكله الاول وقلبه ينبض ويضخ دما بعد 32 يوما الاولى من التلقيح ام لم يكن بلا روح؟ يقول الكتاب المقدس (اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي) إنجيل يوحنا 6: 63 اي الروح هو الحياة .
ويقول علماء الدين المسلمين في فتوى لتدارك تعارض الحديث النبوي مع الحقائق العلمية :
(إن الجنين قبل نفخ الروح فيه تكون له حركة نمو واغتذاء لا إرادية كنمو النبات وحركته، أما الحركة الإرادية فلا تكون إلا بعد نفخ الروح وذلك لا يكون إلا بعد مائة وعشرين يوماً، كما في الحديث) .
وهنا يبدو واضحا التخبط في استخدام التأويلات الكلامية (حركات ارادية او لا ارادية) لتمرير صحة الحديث على الجهلاء من الناس ، حيث ان العلم لا يقر بوجود حركة ونمو وتغذية في اي خلية غير حية اي لا روح ولا حياة فيها ولا يقر بنفخ الروح بعد 120 يوما من التلقيح ، فمن اين تاتي الحركة والنمو والفعاليات البيولوجية في خلايا الجنين ان كان لا حياة و لاروح فيه قبل فترة ال 120 يوما ؟ وما علاقة الحركة الارادية او اللا ارادية في النمو والتغذية ؟
ولكن الروح التي منحها الله للانسان سيد المخلوقات العاقلة ، بقى سرها غامضا عصيا لأنه من أمر الله فقط ، وقد سؤل رسول الاسلام محمد عن ماهية الروح فكان الجواب غامضا كما جاء في القرآن : (ويسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا ) .ولم يعط رسول الاسلام الاجابة الشافية عن هذا السؤال وبقى غامضا على الناس لأن باعث الحياة وخالقها هو الله الذي لا يستطيع عقلنا المخلوق والمحدود ان يفهم سر الخالق الغير محدود .
ان عقل الانسان رغم سعة مداركه يقف عاجزا عن معرفة سر الحياة او الروح التي هي من صفات الخالق وحده ، ومهما تطور الانسان في علمه وتقنياته فأنه عاجز عن ان يخلق الحياة في خلية واحدة او اي شئ من صنعه لأنه مخلوق ولا يستطع المخلوق ان يصل الى مرتبة الخالق وقدرته مهما اوتي من العلم والمقدرة . فالله هو وحده مصدر وينبوع الحياة ونافخ الارواح في الاجساد، وهو من يتحكم بالحياة والموت واماتة الاحياء واحياء الاموات وبعث الارواح في يوم الحساب .
اسئلة محيرة تدور في عقولنا نحاول ان نجد لها اجابة على قدر ما انعم الله علينا من علم ومعرفة وما وصلَنا من الوحي الالهي عن معنى الروح في الكتب المقدسة لاصحاب الديانات السماوية والارضية .
فالبوذية والهندوسية وغيرها تعتقد ان الروح يعود بعد الموت وفراق الجسد ليحل في جسد كائنٍ آخر انساناً او حيوان . اما اتباع اليهودية والمسيحية والاسلام فيعتقدون ان الروح هي مبعث الحياة ومصدرها الله، وتغادر الروح الجسد عند الموت وتُبعث من جديد يوم الحساب لتحاكم على العمل الصالح او الطالح الذي قام به كل فرد في حياته لينال العقاب او الثواب في الحياة الاخرى .
الكائن الحي حتى لو كان جسده من خلية واحدة يكون فيه روح وحياة والميت لا روح فيه .
هنا يحق لنا ان نتسائل اين يكمن الروح في الجسد ؟
المعروف ان الدماغ في الانسان والحيوان هو العضو المسيطر على كل فعاليات ووضائف الاعضاء في الجسم كالعضلات والغدد والقلب والرئتين وغيرها. واذا مات الدماغ لأي سبب مات الجسد فورا ، فقد تُبتر يد او رجل او تقلع عين او ترفع رئة او اجزاء من الكبد او المرارة والعظام وغيرها من الاعضاء من الجسد ولكن الروح تبقى في ذلك االجسد ويحيا ، وحتى قلب الانسان يرفع من الجسم في عمليات زرع القلب ويبقى صاحبه لعدة ساعات يحيا بواسطة الاجهزة الطبية التي تعوض عن وظيفة القلب بضخ الدم والاوكسجين والغذاء الى الدماغ ويحيى الانسان وتبقى الروح فيه طالما كان الدماغ بحالة جيدة ويستلم الغذاء والاوكسجين.اذا فالروح ليست كامنة في القلب رغم اهميته.
اذا من هذا نستنتج ان الروح الساكنة في الخلايا الجنينة الاولى في الرحم تستقرفي الدماغ بعد اكتمال بناء انسجته وخلاياه مع الجهاز العصبي ويكون مؤهلا لأدارة وضائف الجسم كلها بما منحه الله من قدرة على ادارة كل اعضاء الجسم . فالدماغ مستودع الروح . واذا ما اصاب الانسان مرض في جزء من جسده وكان تأثير ذلك سلبيا على الدماغ وسبب له التوقف عن اداء وضائفه مات الجسد كله بموت الدماغ وانفصلت الروح عن مستقرها في الجسد.
كما ان الروح تستقر في النطف الذكرية و البويضات الانثوية ان كانت في جسد الكائن الحي لتورثها الى الاجيال الجديدة لتستمر الحياة ، والدليل ان الحيامن والبيوض تحفظ الان في بنوك مكيفة ومبردة ومعقمة لتزرع في الارحام بعد سنوات عند الطلب وتبعث فيها الحياة والروح في اجنة جديدة، وهذه من اسرار معجزات الخالق ايضا.
والدليل الاخر بوجود الروح في الحيامن والبويضات هو التلقيح الذي يتم في انابيب الاختبار في المختبرات لتكوين اطفال الانابيب ، وبعد التلقيح الناجح وانقسام الخلية الاولى الى عدة خلايا نامية ، تزرع تلك الخلايا في داخل رحم المراءة لتكون الاساس في تكوين الجنين الذي يستمر بالنمو والتكاثر الخلوي حتى يتكون شكل الجنين وينبض قلبه لادامة حياته داخل الرحم وبقية العمر خارجه .فهل كانت تلك الخلايا الجنينة التي تتغذى وتنقسم بلا روح ولا حياة الا بعد ان ينفخ فيها الروح بعد 120 يوما حسب المفهوم الاسلامي ؟ كلام لا يؤيده العلم مطلقا .
ومن معجزات الخالق انه وهب الحياة لكل خلية من خلايا الجسد اذا ما استمدت عناصر ديمومتها عن طريق الدم كالاوكسجين والغذاء ، ففي عمليات نقل الاعضاء بين البشر، تبقى الحياة في تلك الخلايا او الاعضاء المبتورة او المقتطعة من الجسم لفترة زمنية قصيرة اذا ما تم حفظها في جو مناسب اثناء النقل ، كما في عمليات نقل قلب من جسد الى جسد آخر او يد مبتورة الى صاحبها خلال ساعة من الزمن اذا ما حفظت في محيط مبرد ومعقم فتعاد لها الحياة وتستمر الروح فيها مجددا بعد ان يكون لها صلة بدماغ جسد حي آخر وتتغذى بالدم بسرعة لتبث الروح والحياة فيها قبل موت الخلايا .
هذا من معجزات الخلق واسراره ، فتبارك الله احسن الخالقين .
صباح ابراهيم