العالم الكافر الضال (كما يطلقون عليه) يقف ضد الرئيس الأمريكى معارضاً ورافضاً قراره بمنع هجرة مسلمى سبع دول إسلامية. المتظاهرون فى شوارع أمريكا وأوروبا ينتفضون ضد عنصرية الرئيس «ترامب». الكنائس فى أوروبا وأمريكا وحتى فى إسرائيل تدق أجراسها اعتراضاً على قرارات «ترامب» العدائية. المظاهرات تجتاح مدناً بريطانية تطالب الحكومة بإلغاء زيارة «ترامب» المتوقعة لبريطانيا. بعض المنظمات الحقوقية فى أمريكا تهدد باعتناق الإسلام تضامناً مع المسلمين المبعدين. القاضى الفيدرالى الأمريكى جيمس روبرت، يصدر حكماً لكافة المنافذ والمطارات بعدم تطبيق قرار «ترامب»، ويسمح بدخول العالقين على الحدود، والحكومة تستأنف. محكمة الاستئناف ترفض معارضة «ترامب» على حكم القاضى، وتصر المحكمة على دخول رعايا هذه الدول إلى أمريكا. وزيرة العدل بالوكالة ترفض تنفيذ قرار غير قانونى وغير دستورى يمنع مسلمى هذه الدول من دخول أمريكا. الرئيس الأمريكى يهدد بإقالة وزيرة العدل بالوكالة، الوزيرة تصر على موقفها و«ترامب» يقيلها من منصبها. معبد أوهيب اليهودى فى ولاية فيلادلفيا يفتح أبوابه للمسلمين للصلاة بعد أن تعرّض المسجد القريب منه لحريق عارض ومفاجئ. كل هؤلاء يدعون السيد «ترامب» لعدوله عن فكره الإقصائى التمييزى، وفتح بلاده للمهاجرين المسلمين الذين ضاقت عليهم بلادهم بما رحبت، منهم من ضيّقت عليه ديكتاتورية سياسية لحاكم طاغية، ومنهم من ضيّقت عليه ديكتاتورية دينية لخليفة أو لولى باغٍ، ومنهم من طاردته فتوى تكفير أو زندقة أو ردة، ولم يجدوا جميعاً ملاذاً من ظلم كل هؤلاء سوى بلاد الكفرة، عسى أن ينعم الله عليهم براحة النفس، وصدق السريرة، ويمنّ عليهم بنعمة الود والحب لكل خلق الله.
العالم ينتفض للحق وللعدل على الرغم من معاناته من إرهابهم، لكننا لا نخجل من أنفسنا، فتراثنا يا سادة يطالبنا بقتل كل هؤلاء الكفرة، ويحرّم عليهم دخول بلادنا الإسلامية الطاهرة، بلاد الخير والخلافة، ويمنعهم من إقامة كنائسهم ومعابدهم، ويضيّق عليهم فى إنشاء بيوت عبادتهم، ويصدهم عن إقامة صلواتهم. ويؤمن بهذا ويصدقه الكثير منا. المسافة شاسعة بين إنسان يرى الخير والعدل حقاً مطلقاً للدنيا كلها، يساوى بين الأسود والأبيض، والمرأة والرجل، والدينى واللادينى. وبين إنسان يختص العدل والخير والحق لنفسه، ويحرم منه بقية خلق الله، حتى من كانوا من ملته ودينه. الفارق واسع بين إنسان يرفض الظلم والغبن لبنى البشر قاطبة، وبين إنسان يرى معاداة غير المسلمين وإهانة مقدساتهم ولعنهم وإذلالهم وتخويفهم واحتقارهم وازدراءهم واجباً على المسلم ومأموراً به ومأجوراً على فعله. الفاصل كبير بين إنسان يرى حرية الاعتقاد وتنوعه حقاً إلهياً، يولّى كل إنسان وجهه شطر قبلته أينما شاء وحفظ، وبين إنسان لا يرى فى الله سوى قبلته، ويرفض أن تكون لله قبلتان فى أرضه. المسافة بعيدة بين عين ترى الدنيا واسعة رحبة تسع الجميع مهما ضاقت، فيميل قليلاً ليأخذ بجانبه محتاجاً آخر لا يفرّق بين ديانته أو لونه أو جنسه أو معتقده، وبين عين ترى الدنيا ضيقة عليه فيضيّق على الناس دروبهم، فيسلكون أضيقها ليمر على وسعها كلها، حتى لو هلك الجميع دونه. هؤلاء نحن دون خجل!! وما دمنا لا نرى بعيون الناس، ونرى الدنيا ضيقة علينا، فلمَ الهجرة إلى بلاد الغير؟ نوجع أيامهم ونخترق حواجز عزهم، ونقلق راحتهم وراحة أبنائهم، ونؤرق مضاجعهم، ونزعج أحلامهم ونملأها أحلاماً مزيفة، ونلقى بالشر فى طرقاتهم، ونزرع حقداً فى حدائقهم الغنّاء، ونحول الواحة الخلابة إلى غابة سوداء ترتع فيها وحوشنا الآدمية.. لماذا نأخذ بعض الكتاب ونترك البعض إذا كانت الإقامة فى بلاد الكفر لا تحل دون مبرر شرعى، كما قالها فقهاؤنا؟! فلنترك لهم بلادهم الكافرة، ونرجع إلى ديار الخلافة الرحبة الواسعة نأكل ونشرب من ذكرياتها، ونتغنى ببطولاتها، ونفتح شبابيك ديارها نشم فيها رحيق أيامها الخوالى.
والأصل لدى فقهاء المسلمين أن المسلم لا يقيم إلا فى ديار المسلمين، وإذا أقام فى غيرها فلعلّة، مع استمرار نيته فى العودة إلى دياره إذا زالت العلة وبرأ السبب؛ لأن (استمرار البقاء فى ديار الكفر لا يحل دون مبرر شرعى)، ويرجع رجال الدين علة الهجرة إلى الفتنة والاضطهاد والاستضعاف إلى بلد يستطيع فيه المسلم عبادة ربه دون ضغوط، مع توافر النية للعودة حين زوال السبب، ولم يذكروا لنا علة الهجرة لتلقى العلم أو الدراسة، أو الهروب للعيش فى نعيم ورغد الغرب، فلقد استبعد الشيخ الألبانى حديث (اطلبوا العلم ولو فى الصين) عن النبى، صلى الله عليه وسلم، لشكه فى راوى الحديث، وأجاز حديث (المرأة إذا تطيبت فقد زنت) لثقته فيمن رواه!! فليعد المسلمون طالبو العلم من دول الغرب فليس فيه علة شرعية، ويكفيهم العلوم الشرعية فقط دون حاجة إلى علوم الدنيا، ولننهل من التخلف والفوضى والجهل ما شاءوا لنا أن ننهل ونتعلم. لا تلوموا «ترامب» أو القادمة إلى حكم فرنسا والبقية تأتى، فهذه بضاعتنا ترد الينا، وشر نقلناه إلى ديارهم، وودائعنا لديهم نستردها لتدفن فى بلادنا، أيها السادة من أراد الإقامة فى بلاد الكفر فليفارق آراء الفقهاء الموغلة فى الظلم والغبن، وليعش فى سلام ووئام مع خلق الله وأديانه، ويترك لنا تراثنا فإما يصرعنا أو نصرعه. وما ربك بظلام للعباد.
adelnoman52@yahoo.com
“الوطن” المصرية