في شهر رمضان نقعد ونأكل مع بعض وبعد رمضان يأكلُ بعضنا بعض..احترم شهر رمضان وأحبه جدا كما احترم كل الأديان والمعتقدات ولي معه ذكريات من الطفولة لا أنساها أبدا يوم كانت أمي وجدتي قبل الإفطار بساعة يعطينني صحنا من الطعام أذهب به إلى الجيران مملوء بما أعدته أمي من لائذ الطعام وبالمقابل يفعل الجيران معنا ما نفعله معهم أي كان هنالك تبادل طعام يشبه عملية التبادل الثقافي بين الدول اليوم وما أن ينتهي شهر رمضان بيومين أو ثلاثة تعود الناس والجيران إلى التقاتل والتخاصم والسباب.
ولي ملاحظات على الناس, أولها كثرة الشد والضغط العصبي وشتائم سائقي المركبات( أمك..أختك..عرضك…شرفك..إلخ), يعني انا وأنا سايق السيارة لا أسمع المسبات بكثرة إلا في رمضان أكثر من الشهور الأخرى,والتزاحم على المتاجر والمطاعم وعصائر التمور وكأننا لا نأكل ولا نشرب إلا في شهر رمضان, وسيكثر الذين يوجهون لأخواتهم وعماتهم أي (أرحامهم) الدعوات على تناول الإفطار في بيوتهم وكأن الله يقول(لا تصلوا أرحامكم إلا في رمضان), ويلتقي الإخوة ويتعابطون بالقبلات على أبواب البيوت والمساجد وكأنهم كانوا في سفرٍ بعيد, ولو نظرت اليهم من بعيد لأريت نُدبا على وجوههم من آثار القبلات والعض, وفجأة يصبحوا مثل العينين يرمشان معا ويبكيان معا ويفرحان معا..ويسبلان معا وينامان معا ويصحوان معا ويسبون بعضهم بالنظرات كأنهم عاشقان في شارع الشانزليه في باريس.. ولكواااا يخرب بيتكوا شو جهلاء وأنانيين وبخلاء, ألا تعرفون أرحامكم إلا في رمضان؟ ألا تعرفوا أن نظرات العشق في العالم الكافر تولد كل يوم وكل لحظة!! في عالم الكفار يحبون الفقراء ويطعمونهم بغض النظر عن دينهم وأخلاقهم!! شهر رمضان شهر يكثر فيه الممثلون في المساجد وكأنها دور عرض لأدوارهم التمثيلية من زيف وخداع وغش للجماهير وبعد أن ينتهي العرض السينمائي في شهر رمضان سيعود الإخوة لمقاطعة أرحامهم وكأنهم لا يعرفونهم أبدا, وسيلتقي الإخوة على الأبواب وفي الحارات وكأنهم غرباء أو لاجئون سياسيون في بلدٍ غريب, فجأة يُلغى تشبيههم بالعينين وبالرمشين وتصير عيونهم مصابة بالحول الوحشي كل واحدة تنظر لجهةٍ مختلفة.. ويصبحان مثل الرِجل المكسورة أو الرِجل المتورمة من السكري, وتظهر التشوهات الخَلقية والخُلقية في كل تصرفاتهم.. يصبح واحدا من الإخوة برِجل مكسورة والآخر بأرجل متعافية ونتساءل عندها باستغراب: أين اللذان كانا في شهر رمضان مثل الرمشين؟! أين نظرات العشق التي كانت تسبي العيون والقلوب!!,إنها السكرة, حين تذهب السكرة وتأتي الفكرة.
غدا سيأتي شهر رمضان بمئات الوعظ الدينية والبرامج والمسلسلات التلفزيونية, وسيتنطع المشاهدون بكثيرٍ من الأسئلة حول لمس يد الزوجة في رمضان أو تقبيلها من أسفل الشفاه أو من أعلاها وهل يجوز أثناء الصيام مداعبة المرأة وملاطفتها أثناء النهار تحت الصرة وفوق النهدين, علما أن أغلب السائلين قبل رمضان يقعدون عدة أسابيع دون أن يلمسوا زوجاتهم ودون أن تقدم المرأة على إغراء الزوج وذلك أن حياتنا جافة جدا وينقصها كثيرا من السيولة العاطفية والأزواج قبل رمضان يناموا بجوار بعضهم وكأنهم في المقابر وغرف الإنعاش جثثا غير متناثرة الأشلاء هنا وهناك, جثثا متجمعة في غرف النوم وعلى الكنب وأمام باب الدار, وبيوتهم من كثرة الاكتئاب تنظر إلى أثاثها وخصوصا المطبخ وكأنه مفجور به لغمٌ كبير من الديناميت ولكن فجأة يتحول رمضان إلى شهر عسل وتشعر أن الأزواج قد عادوا لمرحلة الخطوبة والمراهقة تمتدُ أصابع يديهم تحت الفراش ليمارسوا شيئا محظورا, الكل يريد ملامسة كف زوجته أثناء النهار وكأنه لأول مرة يراها بعينيه ذلك أن كل ممنوع مرغوب, ولكوا..ولكوا…يخرب بيتكوا أعطوهن الحب قبل شهر رمضان بدل أن تحصلوا على الجنس من خارج البيت طوال السنة مقابل المال.
وأغلب الأسئلة أيضا لشيوخ الدين في البرامج التلفزيونية الدينية تتعلق ب هل يجوز إعطاء الأخت أو الأخ أو الابن من زكاة المال أو صدقة وهل يجوز إخراجها من قرية إلى قرية أخرى؟ وهل يجوز التصدق على غير المسلم أو إعطاء الزكاواة ل غير المسلم؟؟ ولكوا…ولكوا يخرب بيتكوا إخوانكم جوعانين طوال السنة ولا تعطونهم فلسا واحدا وجاييييييييين تسألوا : هل يجوز إعطاءهم إياها في شهر رمضان؟ ولكوا يخرب بيتكوا أعطوهم صدقات قبل رمضان واملئوا معدتهم بالماء والطعام وبعض أنواع الشراب.
وغدا سترسل الناس عيونهم في الأزقة والطرقات للبحث عن مفطور في النهار أو مدخن في الشوارع والأزقة والحوانيت, وسيقبض على المفطورين باعتبارهم منتهكين لحرمة الشهر الفضيل, سيودع المفطور في السجن ولكوااااا يخرب بيوتكوا لا أحد منكم يرسل عيونه في الشوارع للبحث عن جائع أو عريان أو عطشان, لا أحد يسأل عن الجائع وإنما عن المفطر(المفطور), وسيدفع الناس السيولة النقدية ويجعلونها تتدفق في المساجد وبيوت المسلمين خالية من الخبز والبقوليات.