ميشيل كيلوميشيل كيلو: العربي الجديد
لم يعد جائزاً أن نتعلق بالأوهام، فترة أخرى من زمان يعاني شعبنا السوري فيه الأمرّين، داخل بلادنا وخارجها. ولعل أشد أشكال التعلق بالأوهام خطراً يكمن في الإصرار على تجاهل الواقع وحقائقه، وإحلال الرغبات والأمنيات الذاتية محلهما.
واليوم، تتطلب الوقائع تحقيق كل ما هو مطلوب منا، لجعل العالم يعتمد عندنا نهجاً يشبه الذي اعتمده حيال العراق، بما أن قادة “حلفائنا “يقولون لنا بلغة لا لبس فيها: هاتوا إجماعاً سياسياً وعسكرياً وشعبياً على ما تريدون قيامنا به من خطوات، وسنفعل كل ما أنتم بحاجة إليه: الدعم السريع والشامل، وضرب “داعش”، وتقويض النظام القائم واستبداله بنظام يحظى بقبولكم ويحقق مطالبكم.
عندما كنا في واشنطن، قال أوباما لنا هذا الكلام أو بعضاً منه. واليوم، يكرره أكثر من مسؤول غربي، وهو يتحدث عن خصوصية سورية، وهي تعبر عن نفسها في ضعف ما يسمى “الائتلاف الوطني” وانقسامه، وتناقض خياراته مع واقع الأرض والخيارات الدولية، وتهافت علاقات مكوناته الداخلية، وتراجعها المضطرد، ووجود هوة تفصله عن مصالح شعب سورية وثورته، وارتباط سياساته بمصالح شخصية ضيقة، لا صلة لها بمصالح السوريات والسوريين، ومزاجية وكيفية قراراته، واستهتاره بإرادة ومواقف الآخرين، الذين يعتبرهم أعداء إذا لم يكونوا على “القياس المطلوب والمواصفات الملائمة”، وانقطاع علاقاته المتزايد مع الأرض: شعباً ومقاومةً، وسيطرة المال السياسي والمطابخ السرية على عمله، وانقطاع صلات قيادته مع أعضائه، وأخيراً، نقل ما فيه من انقسام سياسي وخلافات إلى المجال العسكري.. إلخ.
ما المطلوب منا في هذه الحال؟ يقول ممثلو “الائتلاف”: منطقة حظر جوي يقيمها الأميركيون بعمق عشرين كيلومتراً على طول الحدود السورية مع الدول المجاورة. ويقول الواقع والمنطق: إصلاح أحوال “الائتلاف” كي يكون قادراً على الإفادة من منطقة كهذه، في حال تقرر قيامها، وقادراً كذلك على الاستغناء عنها، ما دام إصلاح أحواله سيجعل قيامها غير ضرري، لأن العمل السياسي والعسكري سينتقل عندئذ إلى وضعٍ سيمكنه من الضرب بفاعلية حيث يريد في بلادنا، وسيجعل النظام عاجزاً عن إرسال طائراته إلى المناطق الحدودية، وأنه سيكون مضطراً لإرسالها إلى أجواء عاصمته وضواحيها، ولأن الجيش الحر لن يبقى في المناطق الحدودية، وسيخرج من تحت مقص النظام /داعش المزدوج، ومن الابتزاز الذي تعرض له خلال العام الماضي، وأخضعه لإشراف شخصٍ لا دراية له بالحرب وفنونها، أقال الأركان لأسباب سياسية وشخصية، لا علاقة لها بالإصلاح الضروري للجيش الحر، فلا غرابة أن اجراءه التعسفي انتهى إلى إلغاء أركان هذا الجيش، كما أقرّ رئيسها الحالي، العميد عبد الإله البشير، في شهادةٍ، قدمها أمام اجتماع هيئة الائتلاف العامة قبل الأخيرة.
بدلاً عن الإصلاح، يهرول قادة الائتلاف إلى أوهامهم، ويفرّون مما يطلبه العالم كي يكرر عندنا ما فعله في العراق. فهل يصرون، بعد اليوم، على طلب ما يرفضه العالم: المنطقة العازلة المزعومة، ورفض ما يطلبه: وحدة الائتلاف والمعارضة والشعب وقوى المقاومة الديمقراطية الإسلامية؟ لنخدم شعبنا وثورته، ولنقم مظلة وطنية شاملة تجعلنا ممثلي شعبنا حقاً، وتمكننا من التحرك بقوة إلى الأمام، ما دام العالم قد قرر تطوير مواقفه، ولنتمسك بالسانحة المفصلية، كي لا نبدو كبلهاء لشد ما طالبوه بدعمهم، وحين قرر ذلك ضيّعوا فرصتهم، وتعلقوا بأوهام يعلمون أن أحداً لا يشاطرهم إياها!