وفد ائتلاف وطني!

كان من المسلَّم به أن وفد الائتلاف إلى جنيف يجب أن يكون وفدا وطنيا يمثل القوى السياسية والعسكرية والتيارات الثقافية والمصالح الاقتصادية الناشطة في إطار الثورة والعاملة لها، بغض النظر عن موقعها الجغرافي: أكان داخل سوريا أم خارجها.

هذه الضرورة أملتها اعتبارات متنوعة، منها استحالة هزيمة النظام بقوة أي طرف بمفرده من أطراف المعارضة، مهما راكم من قوة وبلغ من تمثيل، وحتمية توحيد مواقف ورهانات المعارضة من أجل خوض معركة تفاوضية لا تقل تعقيدا عن المعركة العسكرية الدائرة على الأرض، التي توجد اليوم في مرحلة توازن يجعل من الصعب حسم الصراع بواسطتها، إن بقي الجيش الحر وقوى المقاومة المسلحة على حالهما، وتواصل دعم روسيا وإيران الكثيف جدا للنظام بالمال والسلاح والرجال، ولم تتغير سياسات الغرب عامة وأميركا خاصة تجاه سوريا، وبقي الأوروبيون طرفا محدود التأثير على الصراع، والأميركيون جهة تدير بدماء السوريين أزمة محلية وعربية وإقليمية ودولية، فإذا ما أضيف إلى هذا المسار العسكري الراكد مسار سياسي مماثل، حلت الكارثة بسوريا والسوريين. لتحريك المسار السياسي وإضفاء دينامية ما عليه، تمس الحاجة إلى اتفاق قوى المعارضة الفاعلة حقا على برنامج تفاوض وطني مع النظام، وإلى تحريك المسار العسكري بقوة، وتعزيز التفاعل الإيجابي والمتبادل بين الشعب وتنظيمات المعارضة، وخاصة منها الائتلاف، وتفعيل وتنظيم الأنشطة المدنية والسلمية لثوار الداخل ومهجري الخارج، وتعبئة الطاقات الوطنية لمعركة فاصلة ستلي حكما فشل المسار التفاوضي المتوقع.

لا يمثل وفد الائتلاف إلى مفاوضات «جنيف2» قوى الساحتين السياسية والعسكرية السورية. ولم يذهب إلى التفاوض برؤية توافقية صاغتها هذه القوى مجتمعة. لا يعني هذا أن رؤيته ليست صحيحة، بل يعني أنها من صياغته وحده، وأنه لم تجرِ مشاركة القوى السياسية والعسكرية الفاعلة في وضعها.

على الجملة، تنقسم المعارضة السورية إلى فصائل ثلاثة: فصيل يتمثل في المعارضة المعترف دوليا بها، وتعدّ شرعية لهذا السبب، كالمجلس الوطني والائتلاف، رغم ما بينهما من خلافات ومشكلات. وفصيل تمثله تنظيمات سياسية داخلية قليلة الأهمية والتأثير، يستثنى منها «إعلان دمشق»، الملتف حول فريق يقوده الأستاذ رياض الترك، و«هيئة التنسيق» التي يشكل حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي بقيادة الأستاذ حسن عبد العظيم قوامها الرئيس، وكانت تضم قوى هامشية انفكت عنها. وفصيل ثالث داخلي أساسا، هو قبضة الثورة الضاربة وحاضنتها الشعبية، يضم قوى عسكرية ومدنية متنوعة إلى حد التناقض، تنضوي تحت تسميات جامعة كالجيش الحر والمجالس المحلية واللجان الشعبية ولجان التواصل والتنسيق… إلخ، فضلا عن رموز عسكرية وسياسية وازنة لها دورها ومكانتها. لن يغير كثيرا من هذا التصنيف الأولي وجود بقايا تكوينات داخلية وخارجية، يمثلها اليوم أفراد – وأحيانا فرد واحد – يرغبون في لعب دور سياسي ما.

أعتقد أن تمثيل المعارضة سيكتمل إلى حد بعيد، إذا ما دخلت قوى المقاومة والحراك المدني، المنضوية في الفصيل الثالث، إلى جانب «إعلان دمشق» و«هيئة التنسيق»، إلى ميدان التفاوض، بشراكة وطنية جامعة مع الائتلاف، تراعي مواقف الجميع وتضع خطة تفاوضية قابلة للتنفيذ وتتفق والقرارات الدولية ووثيقة جنيف واحد، يحملها ويساندها قطاع اجتماعي واسع.

جاء الائتلاف إلى طاولة التفاوض من انقسام مؤسف تتخطى أبعاده الداخل السوري إلى الصراعات العربية – العربية، التي لعبت دورا كبيرا في تأسيسه، لكنها أزاحته جانبا بعد أسابيع من إقامته، حين أبعدته عن هيكلة الجيش الحر وتأسيس الأركان والمجلس العسكري، وما رافقهما من وضع أيديها عليهما. هل يجب أن تنتظر وحدة قوى الائتلاف وحدة الموقف العربي، المستبعدة إلى اليوم رغم ما حل بسوريا من دمار وموت؟ كانت علاقات الائتلاف مع قوى الفصيل الثالث علاقات بين مقاومين غير موحدين وبين مرجعهم السياسي المفترض، الذي يقيم معهم صلات غير ملزمة مع أنها تنضوي في إطار هدف متوافق عليه بصورة عامة هو إسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي – تعددي وحر. هنا، توجد مشكلة جدية هي أن القوى التي لا توافق على المقصد الثاني من التوافق ترفض جنيف، خشية أن يحول الحل السياسي التفاوضي بينها وبين إقامة نظام إسلامي في سوريا المقبلة. هذه القوى يمكن العمل للحصول على دعمها لإسقاط النظام، من خلال طاولة التفاوض أيضا، بينما يواجه العمل التوحيدي صعوبات حقيقية فيما يتعلق بـ«إعلان دمشق» و«هيئة التنسيق»، لأسباب تتصل أولا بتقصير الائتلاف في التواصل مع الداخل عامة ومعهما بصورة خاصة، وبامتناعه عن محاورتهما والتعاون معهما في بلورة وتنفيذ برنامج إصلاح وطني شامل يطاول بنيته ودوره والشراكة الوطنية المطلوبة بين مختلف أنماط المعارضين، وما هما بحاجة إليه أيضا من إعادة نظر في أدوارهما وبنيتهما وسياساتهما.

بدخول قوى الفصيلين الثاني والثالث إلى ميدان التفاوض، ستتغير بنية ومهام وخطط وفد المعارضة إليه، وسيتحول إلى وفد وطني بمعنى الكلمة، وإن بقي غلافه البراني مرتبطا باسم الائتلاف. عندئذ، لن يأتي الآخرون إلى المفاوضات كي يتبنوا رؤية طرف بعينه، وسيزول ما بين المعارضين من أحكام مسبقة وخلافات، وسيكون هناك أمل حقيقي في الانتصار على النظام!

منقول عن الشرق الاوسط

About ميشيل كيلو

كاتب ومحلل سياسي سوري معارض لنظام حكم عائلة الأسد الاستبدادي تم سجنه من قبل الطاغية بشار الاسد من ابرز وجوه الثورة السورية المسيحية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.