وفاء سلطان
جلس كاهن هندوسي على ضفة نهر وراح يتأمل في الجمال المحيط به ويتمتم صلواته. لمح عقربا وقد وقع في الماء وأخذ يتخبط محاولا أن ينقذ نفسه من الغرق.
قرر الكاهن أن ينقذه، مدّ له يده فلسعه العقرب.
سحب الكاهن يده صارخا من شدّة الألم، ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه فلسعه العقرب.
سحب يده مرة أخرى صارخا من شدة الألم وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة.
على مقربة منه كان يجلس رجل آخر ويراقب ما يحدث، فصرخ بالكاهن: أيها الغبي، لم تتعظ من المرة الأولى ولا من المرة الثانية، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة!
لم يأبه الكاهن لتوبيخ الرجل وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب، ثم مشى باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه قائلا:
“يا بني، من طبع العقرب أن يلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟!”
منذ عام 1993 وأنا أسترجع تلك القصة بشكل شبه يومي، وهذا ما حفزني على أن أتابع مسيرتي الكتابية رغم كل آلامها ورغم اللسعات التي نلتها من بعض القرّاء وبعض الكتاب على حد سواء.
في كل مرّة يلسعني عقرب أطرح على نفسي هذا السؤال: من طبعه أن يلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا أسمح لطبعه أن تتغلب على طبعي؟!!
حدث ذلك في يوم من أيام تلك السنة، وكنت تحت ضغط نفسي هائل، ضغط سببته بعض الردود البذيئة على مقالاتي في إحدى الصحف الصادرة هنا باللغة العربية.
جلست في مكتب أنتظر دوري كي أوقع بعض الوثائق، تناولت مجلة ملقاة على الطاولة في غرفة الإنتظار وفتحت على صفحة ما بدون تعيين، فقرأت قصة الكاهن والعقرب.
إيماني بالقوة العليا الخفية يتمحور حول نقطة هامة، وهي: لا شيء يحدث عبثا!
بناء على ذلك الإيمان رأيت في تلك القصة، التي قرأتها في زمن عصيب من حياتي حين كنت حديثة العهد في أمريكا وحديثة العهد في الكتابة، رأيت فيها رسالة كونية تأمرني بأن أستمر في الدفاع عن سلامة طبيعتي أمام لسعاتهم.
استمريت، ولست نادمة!
لقد تورّمت يداي من كثرة اللسع، ولكن كبر قلبي من كثرة الحب!
………………….
لست من هواة الأديان ولا من أتباعها، لكنني في الوقت نفسه اؤمن بأننا لم نأتِ إلى هذا الكون عبثا.
ليس للحياة قيمة مالم يضع الإنسان نصب عينيه غاية نبيلة، ويكرّس وقته وجهده للوصول إلى تلك الغاية.
كل إنسان يُولد ليؤدي مهمة ما، مهمة لم يؤدِها أحد قبله ولن يؤديها أحد بعده، ومن نعم الطبيعة أنها تزوّده بالمؤهلات اللازمة لتأدية تلك المهمة!
تقول السيدة الهولندية المسيحية
Currie Ten Boom
التي دخلت التاريخ من خلال إنقاذها للكثيرين من اليهود في زمن الهولوكوست:
“عندما يرسلنا الله عبر طريق محفوف بالمشقات يرسل معنا حذاء قويا”
نعم، لا تحمّلنا الطبيعة مهمة إلاّ وتزوّدنا بما يلزمنا لإنجاز تلك المهمة!
كلّ إنسان فينا يملك المؤهلات اللازمة لأن يغير العالم نحو الأفضل، ولكن نختلف عن بعضنا بمدى استخدامنا لتلك المؤهلات.
جاءت وفاء سلطان لتغيّر العالم نحو الأفضل، تلك هي قناعتي وسألتزم بتلك القناعة ما حييت!
كلما لسعني عقرب كلما ترسّخ إيماني بتلك القناعة وازداد اصراري على الإلتزام بها.
ليست مهمتي أن أقدم لقارئي فكرة جديدة وحسب، بل أن أقلع أولا من عقله فكرة قديمة ساهمت وما زالت تساهم في الإنتقاص من إنسانيته.
مهمتي تتطلب أن أهدم الإعوجاج ثم أبني المستقيم.
اسلوبي في الكتابة هو معولي الذي أهدم به، وأفكاري هي أحجار البناء التي أحتاج إليها كي أبني.
لا أستطيع أن اولّف أشرعتي بناء على ذوق الآخرين، وإن فعلت لن أتمكن من تأدية مهمتي!
يقول رجل الأعمال الأمريكي
Charles Schwab،
وهو واحد من أنجح وأغنى الرجال في تاريخ أمريكا:
A man who trims himself to suit everybody will soon whittle himself away.
“الرجل الذي يقلم نفسه ليرضي الآخرين، سوف يتلاشى في القريب العاجل”
ولذلك بقيت نفسي وحافظت على حجمي، لأنني لم أقبل أن أقلّم نفسي بناء على ذوق الآخرين.
لقد وُلدت، كما ولِد غيري، مزودة بالقدرة على أن اولف أشرعتي، لا كما تشتهي الرياح بل كما تتطلب جهة الهدف الذي أسعى إليه.
كل ما يميّز وفاء سلطان هو هديّة الكون لها كي يساعدها على أن تكون ذاتها وتحقق مهمتها.
ليست مشكلتي في أكون ذاتي، بين بشر قولبوا على أن يكونوا نبيهم!
عندما تفشل في أن تكون ذاتك وفي أن تحقق غايتك لماذا تمنعني من أن أكون ذاتي وأحقق غايتي؟!
ليس لهم اسلوب يميزهم، فلماذا يحتجّون على ما يميّزني؟!
من يستخدم مؤهلاته الكونية ليثبت هويته يكون قد حقق غايته، ولقد فعلت!
كل إنسان هو في ذاته معجزة، ولن يحقق معجزته من يعيش في جبّة غيره!
……………………………….
يحاولون أن ينالوا مني أملا في أن يترفعوا على أكتافي، ولكن لا أحد يستطيع أن يتعملق على حساب الآخر، مالم يكن هذا الآخر منبطحا!
لم يُخلق الإنسان لكي ينبطح، ولكن الجبناء لا يعرفون لماذا خلقوا، أما أنا فأعرف!
كل إنسان يولد وفي داخله قوة تستطيع أن تحلق به إلى حيث يشاء، ولكي يستخدم تلك القوة يجب أن يكون نفسه!
يطالبونني بأن أكون مؤدبة في حربي ضد الشر ولو فعلت لكنت أكبر منافقة، فالأدب لمجرد أن يقبلك الآخرين ـ على حد تعبير المفكر الأمريكي
Ambrose Bierce
الذي أينعت ثماره في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشرـ هو أكثر أنواع النفاق قبولا!
Politeness is the most acceptable hypocrisy.
كل إنسان أتى إلى هذه الحياة هو فريد من نوعه، ولكن ليس من السهل أن يثبت فرديته ويدافع عن حقه في أن يكون فريدا.
عندما يفعل ذلك يحقق ذاته ويصل إلى ذروة نجاحه!
رجل الدين اليهودي
Zusya
والمشهور بحكمته، قال مرّة:
“يوم القيامة لن يسألني الله لماذا لم أكن موسى، لماذا لم أكن سليمان، لماذا لم أكن داوود، ولكنه سيسألني: لماذا لم أكن زوسيا؟”
كتبت لي ريما، وهي شابة في مقتبل العمر، تسألني:
كيف أستطيع أن أكون وفاء سلطان؟!!
كتبت لها: “لا تحاولي لأنك ستفشلين، ولنفس السبب لا أحاول أن أكون ريما. كوني نفسك، وأعدك بأنك لو فعلت ذلك ستكونين أهم من وفاء سلطان، فكل إنسان هو أهم من الآخر عندما يكون نفسه، لأنه جاء إلى الكون ليحقق مهمة لم يحققها أحد قبله ولن يحققها أحد بعده”
الحياة مسرحية ولكل دوره، لا أحد يستطيع أن يلعب دور الآخر!
يقول الفيلسوف الأمريكي، وكاتبي المفضل،
Ralph Waldo Emerson:
All the mistakes I make arise from forsaking my own station and trying to see the object from another person s point of view.
“كل الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي نبعت من رغبتي في التخلي عن ذاتي، ومحاولاتي لأرى الأمور من خلال منظار غيري”
…………………………..
لا تهمني سمعتي، وإن كنت أعتز بها، بقدر ما تهمني حقيقتي!
سمعتي يصنعها غيري ولا أستطيع أن اُسيطر على أكاذيب ذلك الغير. أما حقيقتي فأصنعها أنا، وهي دائما وأبدا ملك إرادتي وتحت سيطرتي.
أنا لم ـ ولن أطلب ـ يوما اذنا من أحد كي يسمح لي بأن أكون نفسي!
كثيرون من البشر عبر التاريخ كانوا يحملون أفكارا رائعة، لكنهم ماتوا ودُفنت معهم أفكارهم، لأنهم فشلوا في استنباط لغة فريدة من نوعها، لغة تخصهم دون سواهم، إذ لا يدخل التاريخ إلا ماهو فريد من نوعه!
لغتي هي بصمات أصابعي، ولا يستطيع أحد أن يحتجّ على بصماتي!
فالفكرة مهما كانت جديدة من نوعها، لا تكتسب فرديتها بالمطلق مالم تلبس ثوبا لغويا جديدا!
يقول الشاعر الاسترالي المعروف
Karl Kraus:
My language is the common prostitute that I turn into a virgin.
لغتي هي العاهرة المعروفة، ولكنني أحولها في كتاباتي إلى عذراء!
وفعلا لا أستطيع أن أنتقي كلمات خارج نطاق القاموس العربي المنتهك مِن قبل مَنْ هب ودب، ولكنني دوما ألبسها ثوبا جديدا، ثوبا مطرزا ببصماتي، فتكسبها تلك البصمات فرديتها وبالتالي تساهم في خلودها!
لم يستطع إنسان أن يعبر عمّا أحاول أن أشرحه هنا كما استطاع الشاعر نزار قباني.
في إحدى مقابلاته، سألوه عن سرّ اسلوبه ولغته “الإباحية”، فقال:
“لي لغتي الخاصة، لو وقعت ورقة مني في اوتوبيس بالقاهرة وعثر عليها أحد الركاب سيعدها فورا لي، حتى ولو لم تحمل اسمي، لأنه سيدرك بأنها لغة نزار”
وهكذا، لكلّ بصماته وفرديّتنا تكمن في بصماتنا!
أما الذين يقطعون أصابعهم إرضاء لغيرهم، فيأتون إلى تلك الدنيا ويغادرون دون أن ينجزوا مهماتهم ودون أن يخلدوا فرديّتهم!
أليس لنفس السبب أصرّ الكاهن الهندوسي أن ينقذ العقرب غير آبه بلسعاته؟!!
………………………
وصلني هذا الصباح رابط بعنوان “السحاقية نجلاء إمام تترك الإسلام وتتنصر”.
ذكرني هذا الإفلاس الأخلاقي بحدث وقع عقب إحدى مقابلاتي على قناة الجزيرة.
بالصدفة وفي اليوم التالي لمقابلتي الأخيرة، كان هناك مؤتمر ضمّ رجال الدين الإسلامي مع رجال الدين المسيحي في إحدى مقاطعات كاليفورنيا.
أثناء الإجتماع أثار أحد الحضور موضوع ظهوري على الجزيرة، وطلب من رئيس الوفد الإسلامي أن يعلق عليه، فرد بالحرف الواحد:
وفاء سلطان علوية، والإسلام براء من العلويين!
تعالى التصفيق في القاعة والتهبت أكفّ المسلمين، لأن الجواب بالنسبة لهم كان وافيا وكافيا لدغدغة عواطفهم دون الحاجة إلى أي منطق!
تساءل رجل الدين المسيحي الذي نقل لي النبأ: ” هل تتصورين يا وفاء مدى الإحباط الذي شعرت به عندما تفوه بتلك العبارة، ونحن مدعوون للتحاور من أجل نشر التسامح بين الأديان؟!
السيدة نجلاء إمام امرأة مثقفة واعية جريئة، تعرف قيمة حريتها وكيف تمارس تلك الحرية وهي تعيش داخل قفص الوحش!
في حديث هاتفي قالت لي: يقولون عني بأنني وفاء سلطان مصر!
فقلت لها: ليتهم يقولون عني بأنني نجلاء إمام سوريا!
عندما تركت نجلاء إمام الإسلام، بحث رجال الدين الإسلامي عن صفة تصل في مستوى قذارتها إلى صفة “علوية” كي يلصقوها بنجلاء ويسلبوها مصداقيتها أمام قطيع أغنامهم.
تغاضوا عن كونها “سنية”، فالسني مستقيم وصادق حتى ولو بلع البحر وأقسم بأنه لم يذق في حياته طعم الملح!
هو مستقيم وصادق وسيدخل الجنة مادام ينطق بالشهادة حتى ولو سرق ولو زنى!
العلوي، في أعرافهم وأخلاقهم، ليس مسلما وبالتالي لا يمكن أن يكون صادقا ومستقيما، لا أعرف لماذا؟
لا أشتري علويتي بقرش أكله الصدأ، لكنني لم أسمع في حياتي ومن خلال انتمائي للطائفة العلوية بأن رجلا علويا قد تبارك ببول علي أو عرقه أو أظافره، ناهيك عن بول محمد وعرقه وأظافره!
لم أسمع بأن رجلا علويا قد رضع من امرأة ليبرر خلوته بها، ولم أسمع بأن رجلا علويا قد طلق امرأته لفظيا وبالثلاث!
لم أسمع بأن رجلا علويا قد أفتى بزواج الرجل من ابنته أو اخته بالزنى.
لم أسمع بأن رجلا علويا قد فجر نفسه أمام رهط من الأبرياء أملا في أن يندس في حضن حورياته!
لم أسمع بأن رجلا علويا يدعو غيره إلى دينه، ناهيك عن تكفير ذلك الغير!
في المجتمع العلوي وخاصة الريفي البعيد عن تأثير الثقافة السنية لا يوجد عازل يفصل المرأة عن الرجل.
المرأة هي شريكة الرجل في حياته منذ طفولته وحتى احتضاره، الأمر الذي يساهم في تهذيب الغرائز والشهوات الحيوانية لدى الطرفين.
لم أسمع بأن رجلا علويا في حياته لجأ إلى زواج المتعة أو المسيار أو ماشابه ذلك من اغتصاب وهتك أعراض مشرّع باسم الله!
العلوي لا يؤمن بالسيرة المحمدية التي يؤمن بها السنة، وهو بذلك قد تجنب نصف التخريب العقلي الذي سببه الإسلام للمؤمنين بتلك السيرة.
يؤمن العلوي بأن محمد كغيره من الأنبياء عاش حياة تقشف وروحانية وبعيدة عن الملذات الجنسية، وكذلك علي!
إيمانهم هذا لم يساعد على تجميل تلك السيرة، ولكنه على الأقل خفف من حدّة تخريبها العقلي لهم.
هم يؤمنون بالقرآن لكنهم يرفضون تفاسير السنة له، وبذلك خففوا أيضا من حدّة التخريب العقلي الذي أحدثته تلك التفاسير!
يفسرونه بطريقة غامضة وغارقة في الرمزية والخرافات!
ليس لتلك الخرفات سند تاريخي أو علمي أو منطقي، ولكن أيّ دين منزّه عن الخرافة؟!!
الخرفات ليست منطقية ولكنها ليست سيئة بالمطلق، ولرموزها معاني ودلالات خفية وجميلة، من منا يستطيع أن ينكر ما قدمته الميثيولوجيا الإغرقية للبشرية من قيم أخلاقية عبر التاريخ الإنساني؟!!
لا أستطيع أن أجد تفسيرا لموقف العلويين من السيرة المحمدية وتفاسير القرآن إلا الخوف!
يبدو أنهم كانوا مسيحيين أو يهود، ولكن خافوا على رقابهم من سيف الإسلام فقبلوه مكرهين.
ولكي يخففوا من حدّة القباحة التي رأوها فيه اعتمدوا تفاسير أكثر قبولا وأقل تخريبا!
لم يدوّنوا تعاليمهم وتاريخهم خوفا من بطش السنة، ولكنهم تناقلوه شفهيّا.
في تلك التعاليم الكثير من تعاليم المسيحية واليهودية، وأعيادهم خليط من الديانات الثلاثة.
هذا إن دل على شيء إنما يدل على اكتسابهم لهوية الإسلام بالقوة، كذبوا على أنفسهم ومع الزمن صدق أبناؤهم كذبة آبائهم والتزموا بها، كما حدث تماما للمسيحيين واليهود الذين أسلموا!
إيمانهم بالإسلام على طريقتهم لم يشفع لهم عند السنة، فذاقوا عبر تاريخهم من العذاب ما لم تذقه طائفة أخرى!
ما أريد أن أصل إليه هنا هو أن طريقة إيمانهم بالإسلام وتفسيرهم له خففت كثيرا من حدّة التخريب العقلي الذي أحدثه الإسلام لدى أتباعه الآخرين بما فيهم السنة والشيعة!
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ممارسة الشعائر الدينية عند العلويين تقتصر عموما على رجال الدين، أما الإنسان العادي فهو حرّ وعدم التزامه بها لا يدعو لتكفيره!
الأمر الذي حرر ذلك الإنسان من التزامات تتعارض مع سعيه لإكتساب المعرفة والعلم، ولذلك نرى نسبة الحاصلين على الشهادات الجامعية لدى الطائفة العلوية أعلى بكثير من نسبتها لدى الطوائف الأخرى وخصوصا بين النساء!
لكن ليست الصورة لدى تلك الطائفة العلوية جميلة وورديّة كما يمكن أن يتخيلها القارئ من خلال ماأوردته سابقا!
لا تستطيع أقلية في العالم أن تعزل نفسها عن تأثير الأكثرية، وخصوصا عندما تمارس تلك الأكثرية سياسية الإرهاب والتهديد.
لذلك لم تستطع الثقافة العلوية أن تحافظ على نقاوتها بمعزل عن تأثير ثقافة المجمتمع السنية والمفروضة بالقوة، ويتفاقم ذلك التأثير لدى العائلات العلوية التي تعيش في المدن الكبرى بين الأكثرية الساحقة!
يحاولون أن يشتموني بوصفهم لي بالعلوية المارقة!
من يفترض أن يكون المارق على الدين؟!
رجل يؤمن بأن نبيه فاخذ طفلة في السادسة من عمرها وهو فوق الخمسين أم رجل يؤمن بأن محمد عاش حياة شفافة روحانية للغاية، وهي في رمتها لغز لا يعرفه البشر؟!!
ربمّا لطش العلويون تلك الفكرة من المسيحيّة، فراحوا يتخيلون محمد على شاكلة المسيح كي يخففوا من قباحة ماجاء في سيرته!
لا شك أن مصداقية السنة عندما يتعلق الأمر بحقيقة الإسلام أعلى بكثير من مصداقية العلويين، الذين حاولوا كما قلت أن يجمّلوا الإسلام ويخففوا من تأثيره المخرب!
الإسلام الحقيقي هو ما يؤمن به السنة، أما إسلام العلويين المجمّل فلا يوجد إلاّ في مخيالاتهم!
بفعلهم هذا، نجحوا في حماية أنفسهم من تأثيره السيء إلى حدّ ما، لكنهم لم ينجحوا في حماية أنفسهم من بطش الآخرين!
عاش العلويون، كما عاش الدروز واليزيدين والسريان والأمازيغ والأقباط وكل الأقليات الأخرى، في ظل الأكثرية السنية مهمشين مظلومين، ولم يخفف تمسكلهم بالإسلام من حدّة ذلك التهميش والظلم قيد شعرة!
لذلك أنا اليوم لدى رجال الدين السنة مارقة لأنني علويّة، ولدى العلويين مارقة لأني خرجت عنهم!
لكن شتان ما بين الموقفين، فالعلويون لا يقتلون المارقين ولا يتقمصون دور الله في حساب البشر!
أما لدى شيوخ الماركسيّة فمارقة لأنني ملحدة ومتنصّرة في آن واحد!
ولدى القرّاء المهووسين بغزوات محمد ونكاحاته مارقة لأنني بعت نفسي لرجال اليهود!
لا تهمني شتائمهم!
يهمني أن أبقى حيّة في ضمائر الناس الذين عشقوا كتاباتي ولغتي وآمنوا بقضيتي!
عندما أكون أنا وأمتي على طرفي نقيض، إنني أمتلك الحق في أن أغيرها بنفس المقدار الذي تمتلك فيه الحق أن تغيرني، والأبقى للأقوى!
لا أعتقد بأن أمة على باطل أقوى من امرأة على حق!
لا أعتقد بأن أمة قوتها في إرهابها ستنتصر على امرأة قوتها في إقناعها!
فما بالك عندما يقتنع الملايين من تلك الأمة سرّا وعلانية بما تكتبه تلك المرأة؟!
ولكي أصبّ المزيد من الملح في جروحهم، اؤكد بأن الغالبية الساحقة من تلك الملايين قد أتت من الطائفة السنية!
ليست الساحقة وحسب، بل أنها الأكثر وضوحا في مواقفها الإيجابية من كتاباتي!
……………………..
تعلمت من خلال تربيتي العلويّة بأن الرجل مسؤول عن ضبط غرائزه بنفس مقدار مسؤولية المرأة عن حماية نفسها!
تعلمت بأن حجاب المرأة هو عقلها، وعندما يهترئ ذلك الحجاب يهترأ معه شرفها حتى ولو تبرقعت بالحديد!
لا أنكر بأن ثقافة بيتي تأثرت كثيرا بثقافة الشارع والمدرسة وبثقافة المجتمع السنية والمفروضة بالقوة على الجميع، لكنني لم أعاني يوما من أزمة هوية داخل حدود بيتي!
لقد كنت أدرك بأنني أنثى، وتعلمت في سن مبكرة أن أحترم هويتي بل وأعتز بها.
مات أبي وأنا في العاشرة من عمري، كنت لديه الطفلة الموهوبة، بل كنت في مفهومه هدية ثمينة منّ الله بها عليه!
كان أبي من أكبر تجار الأقماح في الساحل السوري، وكان متجره في مركز السوق العام للمدينة التي ولدت وعشت فيها.
أذكر حادثة لن أنساها في حياتي، وقفت يوما على باب متجره، نظر إلي وفتح ذراعيه فركضت باتجاهه، ضمني على صدره ثم قبلني وقال: ماذا تريدني؟
همست في اذنه: ليرة واحدة!
صاح بدهشة مازحا: ليرة بشحمها ولحمها؟!
أومأت بالإيجاب.
ـ لماذا؟!!
ـ لأشتري بها كتابا!
ـ أي كتاب؟
ـ كيف تكتب موضوعا إنشائيا؟!!
ـ وهل تعرفين أن تقرأي كتابا كهذا؟
أومأت بالإيجاب.
لم أكن يومها قد تجاوزت الثالث الإبتدائي، ولم يصدق والدي أنني أقدر على قراءة كتاب كهذا.
ـ سأعطيك المبلغ، مقابل شرط واحد!
ـ ماهو؟
ـ أن تعودي إليّ بالكتاب وتقرأي عليّ صفحة منه.
أومأت بالإيجاب.
كان الموضوع الأول “صف نزهة قمت بها وعائلتك إلى بستان قريب”.
رحت أقرأ حتى وصلت إلى عبارة: والفراشات المو….مو…زا…زا…ررر…
كاشة… المزركشة قد أبدعت يد الخالق في رسم ثوبها القشيب!
ضحك أبي وضمني إلى صدره وهو يقول لأحد زبائنه: يشعرون بالحزن عليّ لأنني أبٌ لثمانية بنات، والله هذه البنت أفضل من مائة صبي!
مات أبي إثر حادث سيارة، ولم أكن يومها أتجاوز عامي العاشر، تلقفني أخي من أبي وهو بعمر أمي وكنت تقريبا بعمر ابنته، فأغدق علي بعطفه وحنانه.
في حضانته استبدلت القناعة التي غرسها والدي في وعي وفي حيّز اللاوعي عندي بأنني أساوي مائة رجل بقناعة أخرى ساهم أخي في غرسها، وهي أنني أساوي رجال أمة بكاملها!
مع الزمن صارت تلك القناعة وفاء سلطان، فالإنسان ناتج قناعاته!
من منطلق ديني، لا أشتري العلوية ولا غيرها من الأديان بقرش أكله الصدأ، ولكنني أقولها ملئ فمي: أنا مدينة للثقافة العلوية بالكثير من حريتي وقوة شخصيتي!
وللذين يحاولون أن يشتموني بها أقول: أنتم تشرفونني بتلك الشتيمة!
رغم الخرافات التي تنطوي عليها العلوية والتي لا يمكن أن يقبلها عقل كأي دين آخر، أنا مدينة للثقافة العلوية لأنها حررتني نسبيّا من قناعة قزمت معظم النساء المسلمات في الطوائف الأخرى، وهي أن المرأة عورة!
بدليل أنها لم تطالبني يوما ـ ولم تطالب أية امرأة علوية أخرى ـ بالتبرقع لكي تخفي تلك العورة!
المرأة في معظم البيوت العلوية هي السلطة المطلقة ولها اليد العليا!
……………….
لم يجد رجال الدين السنة في قاموسهم صفة تقابل في قذارتها صفة “علوية” إلا “سحاقية”، فظنوا أنهم إن ألصقوها بنجلاء إمام يسلبونها مصداقيتها.
أغلقت سماعة الهاتف، وصدى صوت نجلاء الجهوري يتردد في أرجاء عالمي: أريد أن أحيا وفقا لقناعاتي!
لا تستطيع امرأة مسلمة أن تحيا وفقا لقناعاتها ولا تستطيع أن تمارس هويتها مالم تتجاوز حدود تعاليمها!
المرأة في الإسلام لا تساوي أكثر من فلس في محفظة الرجل، والمرأة التي تتسع لها محفظة الرجل لا يمكن أن تعيش قناعاتها!
بوركت نجلاء وبوركت كلّ امرأة تسمو بنفسها فوق هويتها الإسلاميّة، فهي عندما تفعل ذلك ترتقي بنفسها من مستوى حرث يطأه الرجل متى ومن أين شاء إلى مستوى إنسان يحترم عقله وعواطفه!
………
كلما ازداد استيعاب الإنسان للحقائق كلما خمدت عواطفه السلبية تجاهها.
هؤلاء الرعاع الذين لا يجدون طريقة يردّون بها عليّ سوى شتمي بأنني علويّة أو بأنني متنصرة ملحدة أو بأنني عاهرة بعت نفسي لرجال اليهود، هؤلاء الرعاع هم خبثاء، ويعرفون كيف يعزفون على الوتر الحساس الذي يهيّج عواطف الناس السلبية!
عندما نعتني أحد شيوخ الماركسية من على صفحات الحوار المتمدن بأنني ملحدة متنصرة دون أدنى رادع من ضمير أو وازع من أخلاق، كانت غايته أن يلعب بعواطف القارئ المسلم، ويزرع حاجزا بين عقله وبين الحقائق الواردة في كتاباتي!
حالما يدرك القارئ المهوس بإسلامه أنني ملحدة متنصرة، أو علويّة مارقة يهيج كوحش بلا ضوابط، وتقف عواطفه السلبية المتقدة هائلا بينه وبين فهم ما أقول.
وطبعا لن يكون أقلّ هيجانا أمام وصف السيدة نجلاء إمام بالسحاقية!
ماذا تتوقعون من أمّة يتحول كتابها ورجال دينها إلى عقارب لا تعرف سوى أن تلسع وتنفث سمومها؟!
………………..
لم يستطع الإسلام أن يتحكم بسلوكيات أتباعه إلا من خلال تحريض عواطفهم، ولذلك لم يهذب تلك العواطف وأبقى عليها في شكلها البدائي.
لا يمكن أن يتم تهذيب أي نوع من أنواع العواطف إلا عن طريق تدخل العقل، فالعقل هو الذي يتحكم بالعاطفة ويهذبها.
وفاء سلطان، عند شيوخ السنة علوية مارقة، وعند شيوخ الماركسية هي إما ملحدة وإما متنصرة، وعند الذين يكتبون لي من وراء الكواليس ـ وهم ينتمون إلى أحد النوعين السابقين أو هم ضحاياهم من القراء ـ هي مجرد عاهرة باعت نفسها لرجال اليهود!
التسميات ـ وإن تعددت ـ فهي نفسها طالما تضرب على نفس الوتر، الوتر الذي يهيّج عواطف المسلم ويخدّر في الوقت نفسه عقله، وهي نفسها طالما تصب في نفس المنحنى وتخدم نفس الغاية!
كلما أدرك الإنسان الحقائق كلما خفت ردة فعله العاطفي لها.
من منا لم يسمع يوما بأن الغربيين أناس مجرّدون من العواطف؟!
هذا اتهام باطل لا يمت إلى الحقيقة بصلة، ولكن الإنسان المسلم لا يقيم للعواطف وزنا إلاّ في حالة هيجانها.
الإنسان الغربي إنسان عاطفي ولكنه عاقل، وعقله يساعده على ضبط وتهذيب عواطفه في أكثر المواقف تحريضا لها.
كلنا نعرف بأن آلام المخاض عند المرأة هي من أقسى أنواع الألم وأكثرها تحريضا للمشاعر!
بحكم عملي كطبيبة راقبت نساء عربيات ونساء أمريكيات وهن في حالة مخاض.
طبعا لا يقل مستوى الألم عند الأمريكات عنه عند النساء العربيات، ولكن طريقة التعبير عن الألم تختلف جذريا.
كي تفهم ما أقول ليس عليك إلا أن تمر أمام أية غرفة ولادة في أي مستشفى في أي بلد عربي وتصغي إلى زعيق المرأة وهي في حالة مخاض.
بينما المرأة الأمريكية تقرأ آلامها من خلال تعابير وجهها وجسدها، ومن النادر أن تسمع زعيقها!
غياب ذلك الزعيق لا ينفي وجود الألم ولا ينفي إحساس المرأة الأمريكية بذلك الألم، ولكنه يعكس قدرتها على التعامل مع ذلك الألم بعقلانية.
في أمريكا هناك دروس تعطى للمرأة الحامل ولزوجها قبل الولادة بأشهر، يطلع الزوجان من خلال تلك الدروس على المراحل التي ستمر بها المرأة أثناء المخاض.
لذلك ـ كما أشرت سابقاـ بأنه كلما ازداد استيعاب الإنسان للحقائق كلما خمدت مشاعره السلبية تجاهها.
الألم أثناء المخاض حقيقة تستوعبها المرأة الأمريكية قبل أن تعيشها، الأمر الذي يخفف من حدة وتواتر زعيقها!
لو استطاع القارئ المسلم أن يستوعب ما أكتب لخمدت حدة زعيقه، أو ربما سيختفي كليا!
لكن شتمي من قبل بعض العقارب بأني علوية أو متنصرة أو ملحدة أو عاهرة يقف حائلا بين القارئ وبين استعابه لما أكتب!
كلّ مخلوق ( أرفض أن أقول إنسان كي لا اُسيء استخدام الكلمة) اقترب من علويتي أو من خلفيتي أيا كانت ـ ولو قيد شعرة ـ في محاولة للطعن بمصداقيتي هو مطعون في أخلاقه وفي وجدانه وفي ضميره!
حقده الطائفي الأعمى سلبه قدرته على تقيمي من خلال أفكاري وشخصيتي، وليس من خلال إنتمائي الديني.
لم تكن علويتي خياري، بل يُفترض أن تكون خيار الإله الذي يؤمنون بوجوده، فلماذا يحمّلونني مسؤولية قراره ولماذا يعاقبونني على قرار اتخذه غيري؟
في ربيع عام 1958، وفي مقابلة أجرتها مجلة
The Paris Review
مع المفكر الأمريكي
Ernest Hemingway
، أجاب على سؤال بخصوص مؤهلات الكاتب الجيد بقوله:
The most essential gift for a good writer is a built-in, shockproof shit detector. This is the writer s radar and all great writers have had it.
أهم المؤهلات بالنسبة للكاتب الجيد هي قدرته على أن يبني داخله جهازا مضادا للصدمات وكاشفا للبراز…!
وتابع يقول: هذا الجهاز يُفترض أن يكون رادار الكاتب، وكل كاتب جيد يملكه!
ويبقى السؤال: كم رجل دين اسلامي وكم كاتب عربي يملكون رادارا كي يكشفوا عن البراز في مواعظهم وفي كتاباتهم؟!
لذلك، وفي معظم الأحيان، لا نملك نحن ضحايا تلك القاذورات إلاّ أن نسد أنوفنا!
………………………………..
كنت أستمع مؤخرا إلى داعية اسلامي (خبير في العلوم الجنسية والنفسية!!) يناقش العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة.
راح يتساءل أمام قطيع من الحضور ساخرا من الغرب: هل بإمكانكم أن تتصورا أنه في الغرب عندما يمارس الزوج الجنس مع زوجته بالقوة وضد رغبتها يُعتبر الأمر جريمة اغتصاب ويحاسب عليها؟!!
لم يترك الهوس الديني لدى ذلك المعتوه خلية واحدة سليمة في دماغه، وإلاّ لأدرك بأن الرجل الذي يمارس الجنس مع زوجته دون إرادتها إنما ينتهك عواطفها وجسدها وبالتالي ينتهك حرمتها، وفي البلاد التي تحترم تلك الحرمة يعاقب القانون عقابا شديدا من ينتهكها!
لا يستطيع رجل أن ينتهك عواطف امرأة إلاّ عندما يكون مجردا من العواطف!
حسب القناعة الدينية لذلك المخلوق المجرد من كل عاطفة، المرأة ليست سوى حقل يحرثه الرجل متى ومن أين شاء، ولا علاقة لمشيئتها من قريب أو من بعيد بالأمر!
العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة علاقة روحانية قبل أن تكون جسدية تتلاقى من خلالها روحان لتنصهران!
عندما تثار المرأة عاطفيا، تؤدي تلك الإثارة إلى تغييرات فيزيولوجية في جسدها تسهّل عليها التوحد مع زوجها، تماما كما يحدث مع الرجل.
عندما لا يثار الرجل عاطفيا لا يستطيع إطلاقا أن يمارس الجنس، وفي الوقت نفسه عندما لا تثار المرأة عاطفيا لا تستطيع إطلاقا أن تمارس الجنس.
إجبارها على ممارسته دون رغبتها وقبل أن تثار هو انتهاك لعواطفها، واغتصاب لحرمتها الجسدية والعقلية!
هل يحق لرجل أن يدخل بيتا ضد مشيئة أهله، فكيف يحق لرجل أن يعبث بحرمة جسد دون مشيئة صاحبته؟!
أثناء العملية الجنسية يمرّ الإنسان بمراحل فيزيولوجية أربعة، وهي نفسها عند الذكر والأنثى:
المرحلة الأولى: الإثارة
Excitement
يتحضر الجسد خلالها للنشاط الجنسي وذلك عن طريق تقلص العضلات وازدياد ضربات القلب. يتدفق الدم نتيجة ذلك التقلص إلى العضو الذكري ويسبب انتصابه، ويتدفق إلى جدران المهبل عند المرأة ويتسبب في تزيته وتوسع جوفه كما ويسبب في تضخم البظر.
المرحلة الثانية
Plateau
يزداد التنفس ويصبح أكثر عمقا، ويستمر تقلص العضلات. تنتفخ الغدد الموجودة في رأس القضيب، وتتضخم الخصيتان. أما عند المرأة فينكمش المهبل الخارجي وينكمش البظر أيضا.
المرحلة الثالثة:
Orgasm
النشوة:
الضغط العصبي العضلي الذي تعاظم في المراحل السابقة يتلاشى خلال عدة ثوان. في المرأة يبدأ المهبل سلسلة منتظمة من التقلصات، وكذلك عند الرجل يتقلص القضيب بطريقة منتظمة تساعد على قذف المني والحيوانات المنوية.
المرحلة الرابعة:
Resolution
، أي الإسترخاء
وفيها يعود كل شيء إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه من قبل وبشكل تدريجي. عند الرجل يعود القضيب إلى حجمه الطبيعي وعن المرأة يعود المهبل والأعضاء التناسلية الأخرى إلى وضعها الأولي.
بعد الإسترخاء يمرّ الرجل بفترة تدعى
Refractory Period
، أي فترة السكون وتأخذ من دقائق إلى ساعات وخلالها لا يستطيع الرجل أن يمر بأي من المراحل الأخرى، أي لا يستطيع أن يمارس الجنس ثانية.
بينما لا تمر المرأة بتلك الفترة وهي جاهزة لأن تثار وتمارس الجنس في أية لحظة بعد مرحلة الاسترخاء.
……………………..
في ظل القوانين الغربية، عندما لا يراعي الرجل رغبة زوجته أثناء الجماع فيجبرها عليه، يعتبر مغتصبا ويُعاقب على جريمته.
توصل الغرب إلى تلك القوانين الإنسانية التي تحمي المرأة بعد وصولهم واستيعابهم لتلك الحقائق العلمية.
أليس الخالق أدرى بخلقه؟!
لو كان الخالق هو الذي كتب القرآن لأدرك بأن مشيئة المرأة يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار من أجل أن تمرّ العملية الجنسية بالمراحل الطبيعية لها!
طالما تملك المرأة القدرة على أن تشتهي جنسيا والقدرة على أن تتفاعل فيزيولوجيا مع تلك الشهوة، هل يعقل بأن الخالق يسمح للرجل بانتهاكها؟!!
أي خالق ذلك الذي يقول:
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ……….؟!!
……………
الغاية من ذكري للمثال السابق هو أن أطرح سؤالا: ما علاقة علويتي بتلك الحقائق، بل ما علاقتي إلحادي ونصرانيتي، وكيف يستشف المسلم المهووس بقدرة نبيه الجنسية بأنني بعت نفسي لرجال اليهود من خلال ما ذكرت؟!
ما ذكرته سابقا من حقائق كنت قد ذكرته مرارا وتكرارا في كتابات سابقة، وليس لعلويتي أو إلحادي أو تنصري أو إلى آخر ما يقذفني به هؤلاء الرعاع من شتائم علاقة بموقفي من الإسلام!
إنه موقف مبني جملة وتفصيلا على قناعاتي العلمية، وليس على خلفيتي الدينية.
عندما سئل رجل الدين السني عن مقابلتي في الجزيرة، لم يستطع ذلك الأرعن أن يلقي بعلويتي خارج حدود تفكيره، فلقد تقولب على أن يرى في الآخر تهديدا لبرمجته، وإلاّ لاستطاع أن يستوعب ما قلته في تلك المقابلة.
لقد استخدم علويتي كمبرر ليتهرب من مواجهة ما قلته، فهو يعرف في قرارة نفسه بأنه عاجز عن مواجهة تلك الحقائق!
مادمت طبيبة، هل يتطلب الأمر أن أكون علوية أو نصرانية أو ملحدة أو إلى غير ذلك كي أمتلك القدرة العلميّة لدحض الشرعية الأخلاقية للآية السابقة؟!!
هل علويتي تقف وراء إيضاحي لتلك الحقائق أم قناعاتي العلميّة بها؟!!
لقد أبدع الدكتور كامل النجّار في شرح قناعاته العلمية وفضح الإسلام بناء على تلك القناعات، فلماذا لم يتناول أحد كونه سنيّا؟!!
لقد اتهموه بأنه قبطي متخفي، كي يستروا على سنيّته، ففضح اتهاماتهم مفتخرا بقبطيته لو قدر له أن يكون!
مجدي علاّم صحفي ايطالي مصري سنيّ، ترك الإسلام وانتقده جهرا، ثم ـ وما زاد الطين بلة ـ تنصّر بل وتعمّد على أيدي بابا الفاتيكان.
تظاهر رجال الدين السنة بأنهم لم يسمعوا بالنبأ، علما بأنه أقام الدينا يومها ولم يقعدها.
السيدة نوني درويش أشهر من نار على علم، هي ابنة ضابط مصري سني كبير، ومواقفها المعادية للإسلام في أمريكا جريئة وواضحة.
لكن ـ وحيال سنيتها ـ يطمر رجال الدين السنة رؤوسهم في الرمال ويطلقون مؤخراتهم في الهواء بدون ذرة خجل!
الشاب مصعب ابن الشيخ حسن يوسف أحد أهم قادة حماس الإسلاميين، ترك الإسلام واعتنق المسيحية وألف كتابا بعنوان
“The Son of Hamas”
يفضح به حماس وقيادتها الإسلامية وسينشر في آذارـ مارس القادم.
لكن أحدا من شيوخ السنة لم يسمع بمصعب!
الحبل على الجرار، وفي النهاية لا أعتقد بأن الإسلام سيسقط إلا على أيدي السنة!
فهم أكثر من عانوا من جبروته وطغيانه، وكلما ازداد الظلم ازداد احتمال أن يتمرّد المظلوم!
الدين بالنسبة للعلويين لا يتعدى كونه مجرد إحساس بالإنتماء وممارسة لطقوس اجتماعية أكثر مما هي دينية.
لذلك، ليس لديهم من المعاناة ما يدفعهم لترك الإسلام أو حتى لإنتقاده، فهم مقارنة بالسنة والشيعة في مأمن من كوارثه الفكريّة!
لذلك لم أترك الإسلام إنطلاقا من تجاربي كعلوية وإنما إنطلاقا من أمانتي العلمية كطبيبة.
لم أتركه وحسب بل قررت أن أحاربه، ليس رحمة بالعلويين فهم لا يحتاجون لرحمتي، بل رحمة بوطن يعزّ علي أن أراه ينحدر إلى الهاوية!
…………………
بين الحين والآخر يكتب إليّ قارئ، ومعظم قرائي ـ أقولها بفخر ـ من السنة: لا أمتلك شجاعتك، فانتقاد الإسلام خطير جدا!
فأردّ: بل هو خطير لأنك لا تمتلك شجاعتي!
لم يستفحل الإسلام لأنه خطير وحسب، بل لأن أتباعه جبناء أيضا.
يقول الدكتور الأمريكي المختص في علم النفس
Jim Loehr
، في كتابه
Rewrite your destiny
، أي “أعد كتابة قدرك”:
“كان عليّ يوما أن ألقي محاضرة على مجموعة من الحضور كي أحفزهم على تغيير واقعهم، فقلت لهم:
في مدينة اورلاندو يوجد بنايتان ارتفاع كل منهما 175 طابقا والمسافة التي تفصل بينهما 36 قدما. إذا قبلت أن تمشي على حبل مربوط بين سطحيّ البنايتان سندفع لك 5 ملايين دولارا فمن يريد ذلك؟
يتابع الكاتب: رأيت اصبعا واحدا يرتفع ويهبط بتردد.
فعدت لأقول: سنرفع المبلغ إلى 10 ملايين دولارا، فمن يقبل بهذا العرض؟! رأيت بضعة أصابع ترتفع ولكن أيضا بتردد.
سألت: لنفرض أنك على سطح إحداهما وطفلك على سطح الأخرى، ويجب على أحد منكما أن يعبر على الحبل من بناية إلى الأخرى، هل تريد أن تكون من يعبر؟!
رأيت جميع الأيادي ترتفع بلا استثناء!”
يلخّص الفيلسوف الألماني فريدريك نيشته تلك الحقيقة، بقوله: إذا وجد الرجل ما يعيش من أجله سيتحمل كلّ شيء!
He who has a why to live can bear with almost anyhow
لقد وجدت ما أعيش من أجله، وها أنا أمشي على شعرة فوق حقل من الألغام، لأنقذ وطنا يعزّ عليّ أن يموت مسموما من لسع العقارب، وأنا الطبيبة المؤهلة لإبطال مفعول السموم!
من طبع تلك العقارب أن تلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا تتوقعون أن أسمح لطبعها أن يتغلب على طبعي؟
لقد نفثت سمومها على مدى أربعة عشر قرنا، وحان الزمن كي أبطل مفعول تلك السموم وأنشر حبّي!
لقد تورّمت يداي من كثرة اللسع، ولكن كبر قلبي من كثرة الحبّ!
ألا ترون في استمراريتي انتصارا لذلك الحبّ؟!