حميد زناز: النهار اللبنانية
وفاء سلطان مواطنة أميركية من أصل سوري مقيمة في كاليفورنيا منذ 1989. هي طبيبة أمراض عقلية وكاتبة وناشطة تناضل ضد الأصولية الإسلامية والمد الظلامي في الغرب. معروفة عالميا منذ اعتداءات 11 أيلول 2001 وعلى الخصوص انطلاقا من تدخلها النقدي القوي على قناة “الجزيرة”. في 2006 صنفتها مجلة “تايم” كواحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم. إلى جانب مقالاتها الجريئة العديدة وحواراتها المكتوبة والمتلفزة، من مؤلفاتها “التساؤل حول الإسلام” كتابها الشهير باللغة الانكليزية والمترجم إلى الفرنسية. و”نبيك هو أنت لا تعش داخل جبته” و”الوطن ليس أرض وذكريات؛ بل إنّه الإنسان” اللذان يمكن تحميلهما مجانا على موقع “صوت العقل”. هنا حوار معها.
هل بدأ المسلمون بالاندماج في المجتع والانخراط في العقد الاجتماعي الأميركي أم هم متمسكون دائما بشريعة متناقضة تماما مع روح الدستور الاميركي؟
– الإسلام ليس دينا صرفا، إنه دين ودولة. هكذا ولد، وهكذا هو في القرن الحادي والعشرين. المسلم من حيث يدري أو لا يدري يتقمص شخصية محمد، لأنه يرى فيه مثله الأعلى. ساهمت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تكريس تلك الشخصية وتجذيرها في عمق اللاوعي عند المسلم. وساهمت هذه الشخصية بدورها في تكريس تلك الظروف، فصرنا ندور في حلقة مفرغة لا نعرف كيف نقطع أيا من حلقتيها. المسلمون في اميركا لا يعيشون خارج تلك الحلقة. هم مسلمون قبل أن يكونوا عربا، قبل أن يكونوا سوريين، أو مصريين، أو جزائريين، أو لبنانيين، أو إلخ. فكيف تريدهم أن يكونوا أميركيين قبل أن يكونوا مسلمين: هي معادلة مستحيلة. لكن، ولما كانت ظروف حياتهم في أميركا تختلف جذريا عنها في البلدان التي أتوا منها، كان لا بد لهم من أن يلبسوا قناعا ليخفي حقيقة شخصيتهم المحمدية، خوفا على مصالحهم في ظل تلك الظروف. هم داخل جلودهم مخلوقات تختلف كليا عن المخلوقات التي تطفو على السطح. هذا الصراع تسبب للأسر المسلمة هنا بالكثير من المتاعب، وخصوصا مع الجيل الجديد الذي بدا ممزقا بين الثقافتين. طبعا، لا شيء من القيم والأعراف الاسلامية يتماشى مع القيم والأعراف الأميركية. رجل البيت المسلم هنا في أميركا، ينظر إلى المرأة الأميركية كعاهرة، بينما في الوقت نفسه هي رئيسته في الشغل، ومعلمة أولاده في المدرسة: هل هناك صراع عقلي ونفسي يفوق في شدته ذلك الصراع؟ يختلف وضع المرأة والاولاد في ظل القانون الأميركي اختلافا جذريا عن وضعهم داخل الاسرة المسلمة وفي ظل القيم الاسلامية. لذلك، تكثر حالات الطلاق، وفي أغلب تلك الحالات تلجأ المرأة المسلمة إلى المحاكم الأميركية لضمان حقها.
بعد سبات شبه عميق، بدأ الأوروبيون ينتبهون إلى خطر الأسلمة إذ نجد على الانترنت مواقع لا تحصى لمراقبة المد الاسلامي ومناهضته، ونجد في المكتبات العديد من الكتب التي تحاول دق ناقوس الخطر كتيلو سارازان في “ألمانيا ستختفي، عندما يستسلم بلد لحتفه”، و”الاسترداد أو موت أوروبا” في فرنسا لروني مارشان… فما هو الوضع في الولايات المتحدة؟
– أعتقد أن الوضع في أميركا يختلف كثيرا عنه في اوروبا عندما يتعلق الأمر بخطورة الاسلمة. وجود نظام الحزبين في أميركا ساعد ويساعد دائما على التوازن السياسي المطلوب لحماية الثقافة الأميركية، الأمر الذي كادت تفقده اوروبا بسبب تراجع الأحزاب اليمينية وهيمنة الأحزاب المتطرفة يساريا. من جهة ثانية، أعتقد أن جغرافيا أميركا من حيث المساحة ومن حيث بعدها عن المناطق الاسلامية والعربية لعبت دورا في تحجيم الهجرات القادمة إليها من تلك البلدان، ولم يساعد من هاجر على التقوقع ضمن غيتوات مغلقة. عامل آخر لا بد أنه لعب دورا، وهو أن الإنصهار في المجتمع الأميركي أسهل نسبيا، الأمر الذي يجنّب المسلمين الإحساس بضرورة التقوقع ضمن تجمعات بشرية، رغم تعصبهم الأعمى لهويتهم الإسلامية. كذلك، توفر فرص العمل بطريقة أكثر وأسهل للمهاجرين الجدد، وسهولة تسلق السلم الإجتماعي الموجودة في أميركا، ساهما في التخفيف من حدة العزلة التي كان من الممكن أن يعيشها المسلمون هنا، على غرار أقرانهم في اوروبا.
نعرف منذ مدة ذلك التحالف الاستراتيجي القديم بين الوهابية السعودية والبراغماتية الأميركية الذي اشار إليه روبرت دريفوس في كتابه الشهير “لعبة الشيطان أو كيف ساعدت أميركا على تحرير الاسلام الاصولي؟” (2005). مع أوباما يبدو أن محاولات تسلل “الإخوان” إلى مراكز القرار قد أتت أكلها وباتت بعض الشخصيات “الاخوانية” قريبة جدا من صنع القرار في البيت الأبيض مثل عريف علي خان، محمد البياري، راشد حسين، سالم مرياتي ومحمد مجيد. ما ردك على الذين يتحدثون عن هذا الاختراق “الإخواني” للسياسة الأميركية؟
– لا أستطيع ولا يستطيع معي الكثيرون فهم السياسة الأميركية واستيعابها. تتغير وجوه الرؤساء، لكن أعتقد أن هناك نظاما سياسيا ثابتا ومتينا، مهما اختلفت ملامح السياسة الخارجية بين رئيس وآخر. تقوم تلك السياسة على أساس واحد الا وهو التخطيط للمستقبل، ويشرف على التخطيط علماء مختصون على كل صعيد.
الحاضر هو ما خطط له السابقون، والمستقبل هو ما يُخطط له اليوم. لذلك، من الصعب إن لم يكن من المستحيل فهم تلك السياسة في وقتها، ودائما نحتاج إلى قرون وإلى عقل سياسي تحليلي كي نفهم ما حدث اليوم. هذا النظام نفتقر إليه في العالم العربي والاسلامي، ونفتقر إلى العقلية القادرة على فهمه وتحليله، تالياً لا نملك القدرة على التعامل معه. العبثية السياسية التي تتحكم بمقادير الامور في ذلك العالم، والتي تقوم بشكل رئيسي على “حكّلي بحكلّك، وبعد حماري ما ينبت حشيش”، قد دمرت كل شيء، وجعلت الحياة قحطا على كل صعيد. أي قانون يصدر في أميركا، يتسارع المحللون لدراسة تأثيراته في الأجيال المقبلة، بينما لم أسمع في حياتي مسؤولا عربيا ذكر في إحدى مقابلاته أو خطبه الرنانة مسؤوليته أمام الأجيال. طالما نفتقر إلى عقلية مستقبلية سنظل عاجزين عن فهم السياسية الأميركية التي تسبق اللحظة الآنية، وتخطط لما بعدها. أميركا لا تخاف من الإسلاميين ولذلك عندما تقتضي مصلحتها أن تتعامل معهم، تأكلهم لحما وترميهم عظما. لأميركا مصالح في كل بقعة على سطح الأرض، ولكن معطيات الواقع في كل بقعة هو الذي يفرض على أميركا طبيعة الطريقة التي تحمي بها مصالحها في تلك البقعة. أما في خصوص اختراق الاسلاميين للبيت الأبيض، فالقضية مثيرة للضحك. أود هنا أن أذكرك بقول للينين: “إذا أردت أن تخنق عدوك افرط في احتضانه” هم في البيت الأبيض مجرد وسائل، وليسوا غاية، ولن يكونوا في يوم من الأيام.
أنت المتابعة والناقدة الجذرية للأظلمة والأسلمة، هل حفر الغرب قبره وقضي الأمر في رأيك أم هو محصن ضد اللاعقلانية؟ وهل يمكن أن يكتسح اليمين المتطرف المساحة السياسية الاوروبية بسبب تمسك المسلمين بتقاليدهم في الغرب وغباء الاحزاب الكلاسيكية؟
– يجب أن أميز بين الحالة الراهنة في أميركا ونظيرتها في اوروبا. لست على اطلاع دقيق في خصوص الحالة في اوروبا، لأنني لا أعيش هناك، رغم أنني أزور اوروبا مرات في السنة. لكن من خلال زياراتي، وقراءة ما تنقله لنا الميديا المؤيدة للوجود الاسلامي والممانعة له، أعتقد أن الغرب كان قد اقترب جدا من حافة قبره، ولم ينقذه من الوقوع فيه إلا مجرزة الحادي عشر من أيلول. كانت تلك المجزرة ناقوس الخطر الذي أيقظ أهل الكهف في اوروبا من سباتهم العميق، ونبههم ليس على خطورة استفحال التغلغل الاسلامي وحسب، بل أيضا الى خطورة الفكر الليبيرالي المسرف في يساريته، الذي كان يصر على أن كل الثقافات متساوية، وكلها مرحب بها في اوروبا. بصورة عامة، عندما تحارب متطرفا، تكمن معظم الخطورة في أن تتحول أنت نفسك إلى متطرف آخر. هذا ما يقلقني ويقلق الكثيرين عندما يتعلق الأمر بمستقبل تلك القارة الجميلة. عندما يواجه الانسان إنسانا آخر، شريرا وعنيفا، قد يضطر لأن يتبنى بعض قيمه كي يحاربه بسلاحه. لكن الصعوبة تكمن في تحديد النقطة التي يجب عليه أن يتوقف عندها، كي لا يتحول هو نفسه إلى إنسان شرير وعنيف. هذا ما لا نتمنى أن يحدث في اوروبا، كي لا تخسر اوروبا طبيعتها السمحاء ودورها الذي تدافع من خلاله عن حقوق الانسان وحرياته.