وداعـــا ســـحر (قصة واقعية من اطلال حلب )
طارت من الفرحة عندما اخبرتها ان والدتها ستعود يوم الاحد وأن اخويها سيقضون معنا عطلة الصيف القادم بأكمله بعد ان ينهــوا امتحاناتهن في دمشــق
انها المرة الاولى التي تفارق سحر ابنتي والدتها فهي تلتصق بها طوال اليوم في الصالون والمطبخ وفي غرفة النوم ولا تغــادر سريرنا الا بعد ان تنام فاحملها الى سريرها في الغرفة المجاورة لتستيقظ في الصباح تعاتبنا غاضبه لأننا لم نتركها تنام بيننا الى الصباح
زوجتي ام سامر غادرتنا مكرهه فسامر كان مريضا وامتحاناته على الابواب هو وأخوه وكان من الضروري ان تكون الى جانبهم فبمجرد ان سمعت ان سامر بالفراش وفي منزل شقيقتها في دمشق لم يعد يهدأ لها بال حتى سافرت اليه متجشمة عناء ومخاطر السفر من حلب الى دمشق رحلة كنا نقطعها بأربعة ساعات واليوم تأخذ منا يومين على الطريق وكأنها رحلة الشتاء والصيف
رجعت سحر الى غرفتها فرحة تحاكي عرائسها وألعابها وتخبرهم فرحة ماما جايه الاحد ماما جايه الاحد
جلست اتابع تصحيح بعض اوراق امتحانات الطلاب عندي على ضوء الشاحن الهزيل فلقد بدء المساء الثقيل كمقدمة لليل معتم يفرد عباءته السوداء بكل فظاظة غير مكترث بنا فلقد اصبح يعلم ان الكهرباء لدينا اصبحت تزورنا سويعات كل اسبوع ولم يعد هنالك قاهـر لظلامه سـوى شـواحن كهرباء عـاجزة او شـموع تدمع اكثر مما تـنير
لم تكن هنالك حسنة لانقطاع الكهرباء سوى اننا تعودنا ان نخلد الى بيوتنا مبكرا والهدوء اصبح سـمة الحي فالمقهى اقفل من اشهر ولم نعد نسمع احد يصرخ بالجيران ان اقـفلوا الراديو او اخفضوا صوت التلفاز ولم يعد ابو بكري يؤجر سطح عمارته لإقامة الافراح كل يوم الى الصباح كعادته قبل اندلاع الثورة
في الاسابيع الماضية كانت هنالك سيمفونية يومية من اصوات الرصاص والقذائف تشغلنا طيلة الليل ومع مرور الوقت تعلمنا ان ننام على وقع ايقاعها وفي الصبح نسأل عن اماكن سقوط القذائف وكم عدد القتلى ســؤال اصبح طبيعيا وكأننا نسال عن نتيجة مباراة كرة قدم فاتنا مشاهدتها
فجأة وكأن زلزال ضرب البناية تراقصت جدران المنزل وشعرت وكأن هنالك قوة خفية حملتني من كرسي ورمتني الى احدى زوايا الغرفة وأثاث المنزل تراكم فوقي
لحظات جعلتني اشعر وكأن يوم القيامة قد حــل و صدى الانفجار مازال في اذني والعتمة والغبار والدخان شكلوا جدران متتالية امام ناظري بدأت اتلمس جسدي وببطيء شديد استرجعت قدماي من تحت الحطام و علمت ان رجلي اليسرى قد اصيبت فالدم كان يجري دافئا منها اتحسسه بيدي دون ان اراه
صرخت سحر ولا ادري حينها لماذا صرخت هل استنجد بطفلة صغيرة ام لكي اطمئن عليها وعدت اصرخ سحر …سحر ولكن لا صوت لسحر
قفزت كالمجنون على رجل واحده احاول ان اتلمس الطريق الى غرفتها من خلال الركام لا اعلم كم مرة سقطت وأنا اقطع تلك الخطوات المعدودة الى غرفتها بدأت اسمع اصوات سكان الحي وصراخهم وبكائهم اقرب الي من اي وقت اخر وعندما وصلت الى غرفتها عرفت السبب فواجهة المبنى انهارت بالكامل وأصبحت الغرفة اقرب الى شرفة مفتوحة على الشارع
انوار السيارات بالشارع جعلتني اميز جسد سحر وهي تحت الركام فلقد انهار الجدار بالكامل باتجاه داخل الغرفة لكن الحطام ابى ان يخفي قدميها الصغيرتين الجميلتين واكتفى بأنه اخفى وجهها البريء كانت قدماها تتحركان او هكذا تخيلت نعم كانتا تتحركان مرتجفتان كأنها تضرب الارض بقدميها كعادتها عندما لا نلبي لها طلبا
بدأت بالصراخ وانأ احاول كالمجنون ازاحة ركام الحجارة عنها فما استطعت كنت بين الوعي ولا الوعي اعمل يدأي برفع حجارة الجدار القاتل عنها ولا اعلم من أين وكيف وصل الجيران الينا والظاهر ان الانفجار لم يبقى بابا او نافذة بالحي بعضهم تصور اني مصاب فحاول ان يحملني بعيدا وانأ اجاهد بالوصول مرة اخرى الى سحر وأصرخ فيهم سحر انقذوا سحر
دقائق ام ساعات لا ادري مرت طويلة ام قصيرة اختلط فيها البكاء مع الصراخ مع الدعاء لينتهوا من ازاحة الركام عن سحر حملها احدهم بين يديه وهو يقول اللهم انتقم اللهم انتقم …. ليرحمك الله يا صغيرتي
حينها شعرت ان قدمي فعلا مصابه لأنه خانتني ولم تعد تقوى على حملي فوقعت من جديد ارضا اجهش بالبكاء واصرخ في وجه من يحمل سحر ان هاتها اعطني سحر لا تقل ماتت
صمت جميع من حولي وحمل الرجل سحر الي ووضعها في حجري كان جسدها مازال دافئ او هكذا خيل لي كي اوهم نفسي بأنها مازالت حية مسحت الغبار عن وجهها واقتربت من وجهها اقبله ومن اذنها اهمس له
سحر حبيبتي لا تنامي استيقظي وبدلي ملابسك فغدا تأتي ماما وستغضب منك لان ثيابك متسخة مغبرة ممزقة
سحر لا تنامي ماما تريد ان تكوني انت بانتظارها
اقترب جاري مني وهو شيخ جليل ليقول بهدوء اتقي الله بنفسك واحتسبها شهيدة أنها الان طير من طيور الجنة
قلت يا شيخى ولما لا تبقى طيرا من طيور الارض أنا وامها لم نشبع منها بعد
قال يا ابو سامر انت رجل مؤمن عاقل قم يا رجل وقل ربي اني احتسبها عندك شهيدة وشفيعة لي ان لله وان اليه لراجعون
احضر احدهم شرشفا ابيضا ليلفها فيه فضممت سحر الى صدري رافضا ان يأخذها احد مني وكأني احاول ان انقل لها شيئا من روحي لتحيا من جديد
رفعت راسي لأرى القمر من خلال الغرفة العارية يتوسط السماء رأيت وجه سحر يبتسم لي من خلال استدارة القمر سعيدة ضاحكة فعرفت حينها ان سحر قد ماتت