بقلب دامي وعيون دامعة اقول انا وكل مسيحيي العراق، وداعا ارض مولدي وبلاد اجدادي ومرتع طفولتي وصباي ، تركنا بلدنا بعد ان فرض علينا المجرمون الداعشيون ان نستبدل دين اباءنا واجدادنا الذي آمنّا به قبل 2000 سنة بدين ابو بكر البغدادي خليفة المسلمين مجرم العصر وقاطع الرقاب . او ندفع الجزية عن يد صاغرين اذلاء ونحن في موطننا ونحن من بنى حضارته التأريخية منذ 7000 سنة ولحد الان ، او نترك وطن اباءنا واجدادنا الى غير رجعة بعد ان يتم سلبنا كل ممتلكاتنا ومدخرات عمرنا.
فضلنا ان نترك لداعش وعصاباتها كل ما نملك حفاضا على ديننا وكرامتنا وشرف نساءنا وبناتنا .
تركنا موطننا بحسرة وقلب دام . وها نحن نودع ديارنا واهلنا واخوتنا المسلمين الذي عشنا معهم طوال عمرنا بمحبة وسلام ، وداعا نهائيا بعد ان تم ابعادنا قسرا واصبحنا لاجئين في بلاد الغربة والمنافي مجبرين ومكرهين .
وداعا يا مدينة البصرة التي ولدت بين احضانها ، وداعا بغداد التي عشت في ربوعها ، ودرست في جامعاتها ، ومشيت في شوارعها ، وداعا المصانع والمعامل والابنية التي صممتها بقلمي وفكري وعلومي الهندسية وبنيتها بذراعي . وداعا شارع ابي نؤاس والكرادة وتل محمد وبغداد الجديدة . وداعا يا قبور اجدانا في البصرة وبغداد والموصل ، لقد طرَدَنا داعش من موطننا ومن حمل راية لا اله الا الله السوداء، اعتبرونا غرباء ونحن اصل العراق ومنبته .
تركنا نحن المسيحيون وطن الاباء والاجداد دون رغبتنا ، غادر اهلنا من الموصل وسهل نينوى مبعدين من ديارهم بعد ان اسسوا حضارتها وحرثوا ارضها بعرقهم وزرعوها بدمائهم واحتضن ثراها اجداث موتاهم منذ الاف السنين .
شكرا لكم اصدقاءنا واحباءنا المسلمين الذين عشنا معهم سنين العمر كله ، جيراننا في المسكن واصدقاءنا في المدرسة وزملاء العمل ، كنا نأمل منكم ان تقفوا معنا في يوم محنتنا ، وتظهروا شيئا من الوفاء للعشرة والجيرة والصداقة ، كنا نعتقد انكم ستهبون دفاعا عن اخوتكم ومواطنيكم المسيحيين من وحوش داعش المفترسة وستشهروا سلاحكم للدفاع عن اخوتكم في المواطنة والجيرة والعشرة ، او على الاقل اخوتكم في الانسانية .
لقد اعتبرناكم ولا زلنا اخوة لنا ، لكن للاسف خذلتمونا ، وبقيتم تتفرجون صامتين على عوائلنا ، نساءنا واطفالنا وشيوخنا يطردون من بيوتهم وتُسلب ممتلكاتهم ومدخراتهم ويذهبون سيرا على الاقدام الى محافضات اخرى طلبا للمأوى والامان .
والبعض منكم للاسف من ساهم مع داعش في تسليبنا في الموصل .
ستذكرون يوما كان لكم اصدقاء مسيحيون ، قوم مسالمون يحملون الحب في قلوبهم والابتسامة على شفاههم ، ساهموا معكم في بناء حضارة العراق كما كان اجدادهم واختلطت دماء شهدائهم مع شهداءكم في الدفاع عن ارض العراق .
وداعا عراق اجدادي ، وداعا حمورابي وسنحاريب ، وداعا آشور بانيبال ونبوخذنصر ، فسنراكم في متاحف برلين وباريس ولندن وليس في نينوى والنمرود وبابل واور.
وداعا بصرة النخيل وميسان دجلة ، ساحكي لأولادي واحفادي قصة ايام خدمتي في صيانة مشاريع ري ميسان وفي قلعة صالح ، وقصة حملي السلاح لحراسة انبوب نفط الرميلة ايام حرب السنوات الثمان ، ساذكر لهم تلك السنين التي قضيتها في اعداد التصاميم الهندسية وبناء اكبر معمل لتصليح المعدات الثقيلة في العراق ، وساقول لهم عن ايام وسنوات العمل في صيانة وبناء محطات ضخ المياه الكبيرة في محافضات العراق المنتشرة من الشمال الى الجنوب في بغداد ، وكان لي ذكريات جميلة في معمل البان تكريت وفي محطة ضخ جبل مكحول وشبكات الكهرباء التي اسستها في الكرمة و الفلوجة وحديثة وبروانة والوس ، ذكريات لا تنسى في كركوك والموصل ، وعملي في صيانة مشروع ناظم نهر سعد ومشروع ري الكسارة في ناحية العزير في ميسان التي كدت افقد فيها حياتي بقذيفة مدفع ايراني سقطت بقربي وانا اصلح ما خربته القذائف الايرانية من التأسيسات الكهربائية للمشروع تحت القصف.
وداعا كنائسنا ،وداعا مدراسنا وداعا جامعة بغداد والتكنلوجيا التي تخرجت فيها . فلا أمل لي بالعودة الى شوارع بغداد والبصرة والموصل بعد الان .
وداعا قبور ابي وامي واخوالي واعمامي واجدادي ، وداعا شهداء الوطن ابناء شقيقاتي نائل ومؤيد واسامة يا من ضحيتم بحياتكم دفاعا عن حدود الوطن وقدسية ترابه ، لن استطع ان ازوركم واضع باقة زهور على تلك القبوركم التي اختلطت فيها عظام اهلي بثرى بلادي . سيبقى العراق أمانة عندكم .
غادرت ُ وطني لأني كافر بنظر مسلمي داعش ولا استحق ان اعيش في موطن اجدادي ان لم اغير ديني او ادفع الجزية للمجرمين واللصوص وانا صاغر ذليل في بلدي، او ان ارتضي بقطع راسي بسيف ابو بكر البغدادي وهو يكبّر قائلا الله اكبر ، كي يتقرب الى لصنمه الاكبر بعد ان يتوضا بدمي ودم اهلي .
وداعا يا عراق الرافدين ، وسادعو لكم يا اخوتي الباقين في الوطن الجريح ان يحل الله السلام بينكم وان لا تقتلوا بعضكم بعضا بسبب الدين والمذهب فالدين لله والوطن للجميع .
تكاتفوا واتحدوا لطرد الغرباء عن وطننا ، والا فانكم ستلاقون يوما ما لا قيناه قبلكم .
لن اراك يا وطني ويا بغداد سوى على شاشات التلفزيون ومن بعيد .
ربما العيش في المنفى بكرامة وأمان افضل من العيش في وطن بلا كرامة ودمي مستباح في كل لحظة بين انياب الذئاب .