والله العظيم اسمي علي

المكان:مدينة الصدر- داخل
الزمان: قبل شهرين من الان
المناسبة:تفجير سيارة مفخخة
في الزمن الأغبر ينهال سيل التفاهات كما مطر الشتاء المنهمر على بغداد،مدينة المجاري الغائبة حتى أشعار اخر.
قبل شهرين انفجرت سيارة مفخخة في المكان إياه وراح من راح وجرح من جرح.
وفي هذه الأثناء كان احد الشباب يمر من هناك متوجها الى دائرة حكومية لغرض تقديم أوراق التعيين.
هذا الشاب اعرفه جيدا فهو ابن احد كبار الأدباء العراقيين المشهورين.
قص علي وهو يبكي ألما:
فجأة وجدت مجموعة من أفراد الشرطة تحيط فيما أسرع احدهم الى تقييد يدي الى ظهري،وحين أردت الاستفسار عن السبب قال لي احدهم باني كنت ضالعا في تفجير السيارة المفخخة،فنفيت ذلك بشدة، وحين طلبوا هويتي ضحك رجل الأمن بعد قراءتها وسمعته يقول بسخرية”وجمالة مزور الهوية وتدعي ان اسمك علي بينما اسمك الحقيقي هو عمر”.
حلفت بأغلظ الإيمان ان اسمي علي وهذه هويتي الحقيقية ولم اشترك أبدا في هذه التفجيرات بل كنت ذاهبا لإجراء مقابلة تعيين.
لم تفد توسلاتي وقادوني الى مركز للشرطة وهناك مورست علي انواع التعذيب.
في اليوم الاول علقوني من رجلي لمدة اربع ساعات وزاد من عذابي أني كنت ثقيل الوزن.
في الأيام التالية كان الضرب “بالصودنات”هو العرف السائد،وكان الضارب لا تعنيه المنطقة التي يضرب بل كان يضرب في كل مكان بينما يصيح مساعده بوجهي”اعترف أحسن لك”.
وحاولت ان أوضح له او لهم عبر صوت منهك باني ابن احد ابرز الكتاب بالعراق ولاعلاقة لي بما حدث من تفجيرات في مدينة الصدر، لكن هذا الكلام او التوضيح لم يجد نفعاً لأنهم بدلا من الاستماع إلى توضيحاتي،أروني الأنواع الجديدة من أساليب الضرب والتعذيب النفسي،أقول انواع جديدة لآني لم امر بمثل هذه التجربة من قبل.
استمر هذا الحال 45 يوما رأيت فيها كل ماهو كريه في هذا العالم.وفي الساعات التي اهدأ فيها قليلا خصوصا في الليالي التي لا اسمع فيها صراخ الآخرين اسأل نفسي:لماذا يحدث هذا لنا،ولماذا لا تحترم السلطة إنسانيتك او على الأقل ان تستمع إليك بدون ان تحتكم الى التعذيب مسبقا.
بالتأكيد لم اجد جوابا شافيا،ولم استطع ان افهم كيف يفكر رجل الأمن بالعراق بعد الغزو الامريكي.
الذي توصلت اليه،ان رجل الأمن جزء من السلطة،اي سلطة،ولأننا توارثنا القمع والاستبداد فلابد من ان يكون هذا الرجل”برغي”في ماكينة السلطة،وحالما يستلم اي منصب أمني حتى يسرع الى موقع “غوغل”ليعرف اخر أساليب التعذيب في العالم وكيف يتم انتزاع الاعترافات من “المتهم”حتى ولو كان ملفه الشخصي ابيض تماماً منذ ولادته وحتى لحظة إلقاء القبض عليه.

انتهى حديث الشاب ولكن لم تنته الأسئلة.
ترى كم عدد الشباب الذين على شاكلة علاوي.
فاصل تافه جدا:بعد شهر ونصف من التعذيب جاء احدهم ليعتذر من علاوي ولكن بعد ان حطموا كل ماهو جميل في حياته.

محمد الرديني (مفكر حر)؟

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.