هناك أسطورة تقول إن رجلاً كان يقف على ضفة نهر، وفجأة رأى رجلاً يستغيث به داخل النهر، وهو يكاد أن يغرق، فاقتحم النهر، وأنقذه؟ ثم رأى آخر وهو في وضع مماثل للأول، فأنقذه أيضًا، ثم رأى ثالثًا فاقتحم النهر لإنقاذه، فأنقذه بشق الأنفس وكاد أن يغرقا سويا؛ وكان يراقب المشاهد الثلاثة حكيمٌ، فدنى منه وقال له: في المرة الثالثة كدت أن تغرق مع من كنت تحاول إنقاذه، فلماذا لا تذهب إلى مصب النهر وترى سبب تكرار هذه المشاهد، فلما ذهب إلى أعلى النهر وجد رجلا مجنونًا، يقف عند المصب ويقذف فيه كل من مر به، ولما سأله: لماذا تفعل ذلك؟.. قال: هؤلاء شياطين وأنا أتقرب إلى الله بالتخلص منهم، فامتشق سيفه وقتله.. هذه الأسطورة تنطبق علينا نحن المسلمين اليوم وظاهرة إرهاب المتأسلمين، فالإرهاب والإرهابيون لم يهبطوا علينا من المريخ وإنما هم من يغررون بشبابنا وفلذات أكبادنا، كي يلقوا بأنفسهم إلى تهلكة الإرهاب، والعنف، وتخويف البشر وتدمير الحجر وإثارة الفتن، أما ادعاءهم أنهم ينصرون الله، فقول مردود عليه، تعترض عليه آيات الكتاب الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ فالأصل أنه دين رحمة لكل العالم، وليس للمسلمين فقط، يقول جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، غير أن المتأسلمين، وأعني بهم هنا من جعلوا من دين الإسلام، مطية يركبونها، ليستقطبوا السذج والبسطاء من المؤمنين، فهؤلاء يجب القضاء عليهم واجتثاثهم وحربهم حربًا لا هوادة فيها، لأنهم هم بمثابة ذلك الرجل المجنون الذي كان يلقي الناس في النهر الذي أشارت إليه الأسطورة.
ومن يرصد ويتتبع تفاصيل خطاب المتأسلمين السياسيين، سيجد بوضوح أنهم يتعمدون الانتقاء من التراث الديني الموروث، أفكارًا معينة، ومقولات تدعم ما يذهبون إليه، وبعد ذلك يسبغون عليها رداء سميكا من القداسة، فيجعلونها في درجة قداسة النص القرآني الذي تكفل جل وعلا بحفظه، رغم أن كل مقولاتهم وشواهدهم وحججهم تدور بين مجموعتين، حديث ينسبونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسبغون عليه صفة الثبوت وقطعية الدلالة، مع أن كل أحاديث الأحاد بلا استثناء هي (ظنية) الدلالة وليست يقينية قطعيًا، أو ينسبونها إلى فعل صحابي أو فقيه، رغم أننا مأمورون باتباع ما قاله جل وعلا في كتابه، وليس ما قاله فلان أو فلان، ورغم أن الإمام مالك يقول: (كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبر الرسول ورغم أن علماء أصول الفقه الأوائل يقولون (الفقيه يستدل له ولا يستدل به).
داعش والقاعدة يعبون من كتب التراث الديني ويستدلون بها، وهناك دليل أو شاهد من كتب التراث الموروث يؤكد مرجعية ما يقترفون من جرائم في حق البشرية جمعاء.
وطالما أن مشائخنا لا يملكون الجرأة والإقدام في تنقية تراثنا من الخزعبلات والأقاويل والفتاوى التي تبرر لهم من ناحية شرعية الإرهاب، فإن الإرهاب في بلاد المسلمين مقيم ما أقام عسيب.
* نقلا عن “الجزيرة”