أزمة فساد حزب الله عميقة

زعيم عصابة مخدرات قيادي في جزب الله

الحرب السورية قضية اقتصادية وليس أيديولوجية بالنسبة للجيل الجديد من جنود “حزب الله”

بقلم ماثيو ليفيت/
قلما تحدث مسؤولو حزب الله ومرشحوه، في الفترة التي سبقت الانتخابات اللبنانية الأخيرة، عن الانتشار العسكري للحزب في سورية. بدلا من ذلك، ركز هؤلاء على قضيتين رئيسيتين: الاقتصاد والفساد. إن أكثر ما يريد حزب الله تجنب النقاش فيه هو العلاقة بين قتاله في سورية لدعم لنظام الأسد وتداعيات تآكل الاقتصاد وازدياد الفساد التي يعاني منها داخل لبنان.
عموما، إن حالة الاستياء الاستثنائية داخل قاعدة “حزب الله” السياسية الشيعية التقليدية هي نتيجة لانزلاق الحزب عميقا في الحرب السورية، والعدد الكبير المتزايد لقتلى الحزب هناك. بالنسبة لبعض مؤيدي حزب الله القدماء، كانت عقيدة “المقاومة” ترتبط تحديدا بإسرائيل، وليس بالدفاع عن الرئيس الأسد وحربه ضد المدنيين السوريين السنة في الغالب. في الفترة السابقة للانتخابات النيابية، انتشرت لافتات على الطريق السريع في منطقة البقاع، أهم معاقل “حزب الله”، تعارض مرشحي الحزب وتقول شعارات مثل: “نحرص على المقاومة، لكن ولاءنا هو لبعلبك الهرمل”.
تورط بزي في عملية استخدام الفتيات السوريات اللائي يتم جمعهن من مخيمات اللاجئين والمتاجرة بهن من أجل المال لمساعدة حزب الله


لقد أخذت حالة من السخرية والشك تبرز داخل صفوف “حزب الله” حيال الثمن الباهظ الذي يدفعه التنظيم لدعم نظام الأسد. فالعديد من مقاتلي حزب الله يرون “أنهم يدفعون الثمن كله، بينما يحصد الإيرانيون المنافع. ونتيجة لذلك، فإن أعدادا كبيرة من المحاربين القدامى يتركون الحزب، ويفسحون المجال لمجموعة جديدة ومختلفة من المقاتلين الأصغر سنا”. وينضم المقاتلون الجدد للحزب من أجل الحصول على راتب، أكثر من قناعتهم بالقضية، وهو ما يجعل الحرب السورية، قضية اقتصادية وليس أيديولوجية بالنسبة لهذا الجيل الجديد من جنود “حزب الله”.
بناء على ذلك، يعاني حزب الله أيضا من أزمة ثقة تقوم على إدراك أن الجماعة أصبحت موغلة في الفساد. يجند “حزب الله” مقاتليه من أفقر المناطق في ضاحية بيروت الجنوبية ومنطقة البقاع على طول الحدود اللبنانية ـ السورية، وبدرجة أقل من جنوب لبنان. لكن في الوقت الذي يجند فيه حزب الله الفقراء، يستفيد أنصاره الأغنياء ماليا من الحرب.
في نيسان / أبريل الماضي، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن مقاتلا سابقا في “حزب الله” انتقد زعيم الحزب حسن نصرالله في رسالة مفتوحة لفشله في التصدي للفساد داخل التنظيم. في السابق لم يكن من الممكن أن يسمع أحد بهذا النوع من الانتقاد العلني للحزب، ولكن في وقتنا الحالي، نالت هذه الرسالة الدعم في وسائل التواصل الاجتماعي. أدرك نصرالله أن لدى حزب الله مشكلة فساد خطيرة، وجعل حملته لمكافحة الفساد وللتنمية الاقتصادية محور برنامج “حزب الله” الانتخابي.
واصفا خطورة الفساد في القطاع العام في لبنان، قال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، إن محاربة الفساد في لبنان “معركة وطنية كبرى”. وفي خطاب بمناسبة ذكرى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، أعلن نصر الله في 25 أيار/مايو 2018، أن قيادة الحزب درست “ملف الفساد” وعينت عضو حزب الله النائب حسن فضل الله رئيس لجنة لمكافحة الفساد لمتابعة الموضوع تحت إشراف نصرالله نفسه.
ولكن حتى إذا أثبت الحزب أنه قادر على القضاء على جزء كبير من الفساد السياسي الذي هو نتيجة لاقتصاد الحرب الذي ساهم الحزب في إيجاده، سواء داخل صفوفه أو في البلاد بصورة عامة، فإنه سيبقى عاجزا عن معالجة بعض أكثر أنشطة الفساد تجذرا وإثارة للقلق، والتي يقوم بها أشخاص متنفذون في “حزب الله”.
معظم هذه الشخصيات المتنفذة الفاسدة متورطة بشكل أو بآخر في الشبكة الإجرامية التي توفر الدعم المالي لـ”حزب الله”، وبشكل خاص الجزء الذي يمول إرهاب الجماعة وأنشطتها العسكرية، والتي أشار إليها القانون الأميركي بـ”فرع الشؤون التجارية” في “حزب الله”
(BAC)
. لقد تم الكشف عن
BAC
في أوائل العام 2016 من خلال عملية مشتركة شملت إدارة مكافحة المخدرات
(DEA)
، الجمارك وحماية الحدود، وزارة الخزانة، يوروبول، يوروجست، والسلطات الفرنسية والألمانية والإيطالية والبلجيكية. وقد شمل التحقيق سبعة بلدان وأدى إلى اعتقال عدد من أعضاء “حزب الله” والمتعاونين معه بتهمة الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال وحيازة الأسلحة لاستخدامها في سورية.
معظم الشخصيات المتنفذة الفاسدة متورطة بشكل أو بآخر في الشبكة الإجرامية التي توفر الدعم المالي لـ”حزب الله”
ولكن إلى جانب تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات وغسل الأموال، فإن بعض الشخصيات البارزة في حزب الله متورطة في مشاريع إجرامية شنيعة بما في ذلك الاتجار بالجنس والبشر.
لنأخذ على سبيل المثال علي حسين زعيتر، وهو مسؤول في شؤون المشتريات والتمويل الإجرامي لحزب الله. ففي العام 2014، صنفت وزارة الخزانة الأميركية زعيتر شخصا إرهابيا لاستخدام شركاته من أجل الحصول على مكونات للطائرات من دون طيار
(UAV)
التي يشغلها “حزب الله” فوق الأراضي السورية ولاستهداف إسرائيل. وفي العام التالي، أدرجت وزارة الخزانة شركات إضافية يديرها زعيتر في الصين ولبنان، لشرائها مكونات للطائرات من دون طيار لصالح “حزب الله”. بعد بضعة أشهر، وفي العام 2016، كشفت السلطات اللبنانية عن شبكة دعارة كبيرة، تشغل نساء سوريات بشكل رئيسي. زعم “حزب الله” أنه لعب دورا في كشف شبكة الاتجار بالبشر والجنس، لكن تقارير صحفية ربطت شبكة الدعارة بعلي حسين زعيتر، الذي وصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه “وكيل مشتريات حزب الله”.
ومؤخرا في أيار/مايو 2018، صنفت وزارة الخزانة الأميركية محمد إبراهيم بزي إرهابيا، ووصفته بأنه “ممول حزب الله” وله صلات وثيقة بالديكتاتور الغامبي السابق الفاسد يحيى جاميه وتاجر المخدرات المرتبط بحزب الله أيمن جمعة. وكشفت وازرة الخزانة أن بزي “هو ممول رئيسي لـ”حزب الله”، وزود الحزب بمساعدات مالية على مدى سنوات عديدة مقدما ملايين الدولارات التي جناها من أنشتطه التجارية”. تمويل بزي للإرهاب يتم بشكل رئيسي من خلال علاقات وثيقة مع الناشطين في فرع حزب الله التجاري أدهم طباجة وعلي يوسف شرارة.
ويبدو، على أية حال، أن بزي يدعم “حزب الله” من خلال الاتجار بالبشر كذلك. بعد شهر من تصنيفه إرهابيا لدعمه أنشطة “حزب الله” الإرهابية، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية تقريرا عن انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي كبار الشخصيات السياسية الأجنبية الفاسدة وميسريها الماليين. سلط التقرير الضوء على دور بزي ممولا لـ”حزب الله” وشريكا مقربا من يحيى جاميه. ومن بين انتهاكات جاميه العديدة لحقوق الإنسان التي أوردها التقرير، وردت تهمة الاتجار بالبشر. في الواقع، تصف وزارة الخارجية غامبيا في تقريرها الخاص بالاتجار بالبشر بأنها “بلد مصدّر ووجهة للنساء والأطفال الذين يتعرضون للعمل القسري والاتجار بالجنس”. ويضيف تقرير الخارجية عن غامبيا أن “النساء والفتيات ـ وبنسبة أقل ـ والفتيان هم عرضة للاتجار بالجنس، والعمل القسري في أسواق الشوارع، والعبودية المنزلية”. وقد أشارت التقارير منذ فترة طويلة إلى “علاقة لبنان” بعالم الاتجار بالجنس في غامبيا بالاشتراك مع مقربين من جاميه. ووفقا لوزارة الخارجية، فإن هذا لا يشمل فقط تهريب الأشخاص من لبنان إلى غامبيا، ولكن أيضا في الاتجاه المعاكس. وأشار التقرير إلى أن “المرأة الغامبية تتعرض للعمل القسري والاتجار بالجنس في الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان والكويت”.
في الوقت الذي يجند فيه حزب الله الفقراء، يستفيد أنصاره الأغنياء ماليا من الحرب
ووردت الإشارة، حسب تقارير، إلى دور بزي في بعض أنشطة الاتجار هذه بالشراكة مع جاميه، في النسخة الأصلية من البيان الصحفي لوزارة الخزانة عند إعلان تصنيف بزي شخصا إرهابيا وزارة الخزانة، لكنه حذف في النهاية. ووفقا لتقرير في الحرة، كشف مسؤول في وزارة الخزانة عن “تورط بزي في عملية استخدام الفتيات السوريات اللائي يتم جمعهن من مخيمات اللاجئين والمتاجرة بهن من أجل المال لمساعدة حزب الله”.
وبالفعل، تم اكتشاف دور بزي في الاتجار بالبشر كجزء من التحقيق الذي أجرته إدارة مكافحة المخدرات في عمليات “حزب الله” لغسل الأموال وتهريب المخدرات، والذي سمي مشروع كاساندرا. في أوائل عام 2014 عقد اجتماع في البيت الأبيض حول هذه القضية قبل زيارة جاميه لواشنطن في آب/أغسطس 2014. وخوفا من جر الاجتماع حول الاتجار بالبشر في غامبيا إلى نقاش حول دور حزب الله وبزي في هذه الأنشطة، تم استبعاد عملاء فرقة العمل الخاصة بمشروع كاسندرا من النقاشات.
حزب الله منفتح بشأن أزمة الفساد التي تواجه جميع الأطراف اللبنانية، بما في ذلك الحزب ذاته. لكنه يغلق صفوفه ويخفي غسيله القذر عندما يتعلق الأمر بمسؤولين كبار مثل زعيتر وبزي اللذين يمثلان عفنا في نواة الدائرة الضيقة لقيادة الحزب. يمتد فساد حزب الله إلى أبعد من سوء الإدارة المالية ويسمح لبارونات الحزب الأقوياء بكسب المال من اقتصاد الحرب في سورية في الوقت الذي يقوم فيه بتجنيد المشاة وقودا للحرب، من بين الفقراء. بالنسبة للمجموعة التي تصف نفسها بأنها حزب الله، فإن أمثال زعيتر وبزي يمثلون مشاكل مخزية.
فساد حزب الله يستشري أعمق بكثير مما يمكن لنصر الله الاعتراف به، وهو أعقد من أي شيء آخر قد يمكن للجنة مكافحة الفساد التابعة لحزب الله، أن تعالجه.
ماثيو ليفيت، باحث سابق في مؤسسة ويكسلير ومدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن. مؤلف كتاب “حزب الله”: البصمة العالمية الواضحة لـ”حزب الله” اللبناني (جورجتاون، 2013)

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.