المناورة التي ينفذها الجنرال ميشال عون في موضوع تشكيل الحكومة، لا هي في سياق تحصيل حقوق للمسيحيين كما يزعم، ولا هي نتاج حجمه السياسي الحقيقي في التركيبة اللبنانية. والحال إنها لا تنم عن ارتقاء في فن التفاوض والمناورة السياسيين. فحجم عون الحقيقي معروف تماماً، وتمثيله بالمقاعد أو بالاشخاص الذين يختارهم لتولي حقائب وزارية معروفة حدوده الحقيقية من الجميع، ولا سيما من راعيه الأساسي “حزب الله” الذي نعتقد أنه حقاً يناور عبر عون ويقاتل من أجل أن ينتزع فوق الحصة العائدة له كقوى 8 آذار، حقيبتي الاتصالات والطاقة.
ميشال عون تفصيل صغير في الموضوع. والمشكلة لا تكمن في أن يسترجع حقيبتي الطاقة والاتصالات بقدر ما تكمن في خطر أن تعود الحقيبتان الى “حزب الله” الأصيل. عون وكيل، فيما “حزب الله” أصيل، وهو المتحكم الفعلي في الطاقة والاتصالات. المهم أن يكون القرار الاستراتيجي في ما يتعلق بالثروة النفطية للبنان بيد “حزب الله” إما مباشرة أو عبر وكلاء. وفي هذه الحالة فإن عون هو الوكيل الذي لا يخطئ في الأمور الجدية. يتركون له القشور الإدارية والمالية والمنفعية، ويأخذون الأساس، أي مستقبل الأجيال اللبنانية.
في الاتصالات الأمر مشابه: فالمهم أن تواكب وزارة الاتصالات تمدد شبكة اتصالات الحزب في كل لبنان بدون أن تعرقلها، فضلاً عن مواكبة السنترالات الدولية المنتشرة في مناطق نفوذ الحزب التي تؤمن تمويلاً لمافيات تضم جماعات مرتبطة حزبياً أو عائلياً بالمتنفذين الكبار في الحزب. والأهم الأهم هو التجسس على اللبنانيين. ولا ننسى هنا الدور الكبير الذي أدته وزارة الاتصالات في عهد العونيين في منع داتا الاتصالات عن فرع المعلومات خلال الأشهر التي سبقت عودة الاغتيالات. من هنا أهمية هاتين الوزارتين للحزب أكثر منها لعون ولبطانته العائلية.
هذا في ما يتعلق بالمناورات التي يقولون أنها تعرقل قيام الحكومة. أما إذا ما نظرنا الى عمق الموضوع، فنقول بكل بساطة أن على الاستقلاليين وقف مسلسل التنازلات عند هذا الحد، وليفعل “حزب الله” ما يشاء.
لكن ما يهمنا هنا هو موقف كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة. فالكرة صارت في ملعب ميشال سليمان وتمام سلام. بات لزاماً عليهما أن يبادرا الى إعلان تشكيلة اليوم قبل غد (هذا واجبهما) وليتحمل كل فريق مسؤولياته. وليقدم “حزب الله” ومن يتبعونه على التمرد. أما أن نواصل هذه السياسة الانحدارية أمام مرتكبي كل الاغتيالات منذ 2005 من دون حدود فأمر يكاد يكون بمثابة الخيانة العظمى، للبنان وللأجيال المقبلة. نحن لا نريد أن نورث أولادنا وطنا يحكمه قتلة الكبار في لبنان، وقتلة الأطفال في سوريا.
والآن نحن في انتظار ميشال سليمان وتمام سلام لنرى…