آمال مدللي – الشرق الاوسط-
اختار الرئيس باراك أوباما رجلا عاهد نفسه على العمل طيلة حياته لوقف الحروب، لقيادة وزارة الدفاع الأميركية. السناتور تشاك هيغل وزير الدفاع المقبل، إذا تمت الموافقة عليه في الكونغرس، جُرح أثناء القتال وعاهد نفسه بينما كان مستلقيا على حافة الموت في فيتنام بأنه «طوال حياتي إذا ما فعلت شيئا فهو سيكون محاولة وقف الحروب»، حسب قول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
السناتور هيغل والرئيس الأميركي باراك أوباما يشتركان في مواقف متشابهه إزاء كثير من القضايا؛ أهمها مسائل الحرب والسلم، واختيار هيغل صديق الرئيس ليس صدفة.. فالرئيس أوباما يريد جمهوريا اختبر الحرب ويعرف ويلاتها ليقود سفينة الدفاع الأميركية من رمال أفغانستان المتحركة، ويخفض ميزانية الدفاع ويتجنب حربا جديدة في الشرق الأوسط إذا ما فشلت كل المحاولات لإقناع إيران بعدم عسكرة برنامجها النووي.
«ليس هناك جاه في الحرب» يقول وزير الدفاع المقبل، وهذا سوف يقربه من المؤسسة العسكرية الأميركية التي ترى في سجله ما يخوله لطلب تخفيضات في الميزانية، يكون من الصعب سياسيا على مدني لم يعرف الحرب طلبها.
ولكن وزير الدفاع المقبل يواجه حملة قوية ضد تعيينه بسبب مواقفه السياسية السابقة خصوصا تجاه إيران وإسرائيل، مما يؤشر إلى أن معركة اتجاه السياسة الأميركية في الولاية الثانية للرئيس أوباما هي بيت القصيد. والواقع أن جلسة الاستماع في الكونغرس للموافقة على تعيينه في 30 يناير (كانون الثاني) الحالي سوف تتحول إلى جلسة استجواب حول استراتيجية الرئيس الأميركي المقبلة نحو الشرق الأوسط ودور المؤسسة العسكرية الأميركية وحجمها في مستقبل أميركا.
والرئيس أوباما اختار وزيرا يقارب تفكيره في دور أميركا في العالم وحدود القوة الأميركية.. فبينما الرئيس أوباما من المعجبين بالرئيس الأميركي أبراهام لينكولن، فإن السناتور هيغل يعلق صورة كبيرة للرئيس الأميركي الأسبق دوايت آيزنهاور في مكتبه ويعتبره «أحد أفضل الرؤساء الأميركيين» وينصح أصدقاءه ومعارفه بقراءة خطاب آيزنهاور الوداعي بعد انتهاء ولايته الذي أصبح شهيرا بتحذيره من تعاظم نفوذ المؤسسة العسكرية – الصناعية ولكنه في الوقت نفسه اعتبر المؤسسة العسكرية «عنصرا حيويا في حفظ السلام».
والرئيس آيزنهاور هو الذي عارض العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وضغط حتى وقف العدوان وانسحاب إسرائيل لأن هذا العدوان كان يتعارض يومها مع المصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وليس للدفاع عن مصر. وهذه المصالح الأميركية هي ما يتقدم لدى وزير الدفاع الأميركي المقبل على أي مصلحة أخرى.
فالسناتور هيغل مثل الرئيس أوباما يؤمن بأن دور أميركا في العالم هو أن تقود. ولكنه يريد من أميركا أن تعمل مع الآخرين لا أن تمارس سياسة الانفراد. إنه يرى أميركا بصفتها قوة خير في العالم ويشير إلى سجلها خلال الستين سنة الماضية حول العالم وكيف أعادت بناء البنية الاقتصادية العالمية بعد الحرب العالمية الثانية. والسناتور معجب جدا بفقرة من خطاب الرئيس آيزنهاور يقول فيها إن قيادة أميركا ومركزها لا يعتمدان فقط على غناها أو قوتها العسكرية «وإنما على كيفية استخدامنا لقوتنا من أجل مصلحة السلام العالمي وتحسين وضع البشرية».
ولكن هيغل «المسالم» يؤمن بالقوة العسكرية عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الأميركية، فهو كان من الداعمين لحرب فيتنام التي حارب فيها وكان يعتبرها «قضية نبيلة لكنها تحولت إلى طريق خاطئ».. إنه يؤمن بالحرب حلا أخيرا، تماما مثل الرئيس الأميركي. وهو صوت، على عكس الرئيس أوباما، لصالح قرار الحرب على العراق في الكونغرس ولكنه تحول فيما بعد إلى معارضة الحرب ووقف ضد زيادة القوات الأميركية في العراق عندما رأى أن هذه الحرب اتخذت منحى خاطئا وكلفت الولايات المتحدة الكثير من الأرواح والثروة.
واليوم يدعم وزير الدفاع المقبل سياسة الرئيس أوباما تجاه سوريا ويعتبر أنه إذا حصل تدخل عسكري، فإنه يجب أن يأتي من المنطقة؛ من الجامعة العربية وليس من الناتو، كما قال في مقابلة أجرتها بربارة سلافين في المجلس الأطلسي الذي يرأسه.
ولكن الحملة على ترشيح السناتور هيغل تركز أيضا على آرائه التي جاهر بها على مدى السنوات الماضية حول إسرائيل، وفلسطين، وإيران. ولقد وجهت للسناتور هيغل اتهامات خطيرة، فبعض هذه المواقف ستجعل من جلسة الموافقة على تعيينه جلسة صعبة للغاية.
فالسناتور عندما عاد من زيارة إلى إسرائيل عام 1998 اتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها تعرقل تطبيق اتفاق أوسلو، وقال إن «الإنسان اليائس يقوم بأعمال يائسة عندما يفقد الأمل، وهذا هو وضع الفلسطيني اليوم». وعندما وصف في مقابلة مع المسؤول الأميركي السابق آرون ديفيد ميللير اللوبي الإسرائيلي في أميركا «باللوبي اليهودي» اتهم بمعاداة السامية.
ميللر وصف هذا الاتهام «بالمعيب». السناتور هيغل يدافع في كتابه عن العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة وعن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ودعم عملية السلام وحل الدولتين. وكشف في المقابلة نفسها في مارس (آذار) الماضي أن الرئيس أوباما سوف يكرس جهدا ووقتا في ولايته الثانية لعملية السلام في الشرق الأوسط؛ إذ «تحدثت إليه طويلا حول الموضوع وأعلم أنه يريد أن يفعل ذلك».
ولكن أشرس هجوم عليه يركز على موقفه من إيران ومن تأثير رأيه في قرار السلم أو الحرب إذا ما فشلت المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني.
فالسناتور هيغل هو ممن يوصفون هنا بالواقعية السياسية ويؤمن بالتفاوض المباشر مع إيران.. يقول إن «الدول العظمى تتواصل» وكشف أنه التقى على مدى السنوات الماضية مع سفراء إيران لدى الأمم المتحدة وتبادل معهم الآراء. إنه يؤمن أن الحرب يجب أن تكون آخر خيار بعد استنفاد جميع الخيارات، ووزير الدفاع المقبل يحذر من استسهال أي حرب مع إيران.. فهو يعتقد أنه إذا بدأت الحرب مع إيران فستحتاج إلى مائة ألف جندي. واعتبر أن حربا كهذه لا تكون حربا محدودة، بل ستطال المنطقة وتؤثر على حلفاء أميركا وتحصد ضحايا. ونبه السناتور في الماضي إلى مخاطر وضع إيران في الزاوية وطالب بتأمين مخرج يحفظ ماء الوجه للإيرانيين.
ففي مقابلة مع بربارة سلافين قال إنه لا يعتقد أن أميركا محكومة بخيارين فقط؛ «ضرب إيران أو العيش مع قنبلة إيران النووية».
البيت الأبيض يقول إن هيغل يؤيد هدف الرئيس في منع إيران من أن تحصل على أسلحة نووية.. إنه «مفتوح العينين حول نشاطات إيران لزعزعة المنطقة. لقد قال إن إيران دولة داعمة للإرهاب وتزود المجموعتين الإرهابيتين حزب الله وحماس بالمساعدات المادية».
وعدم ثقة هيغل بالإيرانيين بدت أيضا في مقابلته مع سلافين تعليقا على عرض الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حول تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%: «يجب أن نختبر كل هذا»، واستشهد بالأثر العربي القائل: «اعقلها (الناقة) وتوكل (على الله)».
آندرو براسيليتي مستشار السناتور هيغل قال حول موقف السناتور من إيران إنه يشارك الرئيس أوباما نظرته إلى موضوع إيران، وكلاهما «لا يريد أن تحصل إيران على القنبلة النووية، كما لا يريدان نزاعا في المنطقة». ولكنه حذر من «النظر إلى ترشيح هيغل على أنه تغيير أو مؤشر في السياسة تجاه إيران».
هناك قراءة مبسطة لمواقف الوزير المقبل في المنطقة عبر تصويره على أنه من الحمائم دون النظر إلى مجمل سياسته وآرائه السابقة. إيران رحبت بتعيينه، ولكنها تخطئ إذا استهانت بالسناتور هيغل، وربما سيكون ترحيبها بهذا التعيين في غير محله إذا فُهم على أنه ضوء أخضر لإيران لتستمر في برنامجها النووي مطمئنة بأن الخيار العسكري لم يعد على الطاولة. بربارة سلافين قالت لي: «هيغل ليس لينا تجاه إيران أو قاسيا تجاه إسرائيل. وإذا أصبح وزيرا للدفاع، فسيطبق سياسات الرئيس أوباما ولن يصنع السياسات بنفسه».
وتظهر ورقة وزعها البيت الأبيض مواقف هيغل المتشددة تجاه حزب الله وحماس حيث يعتبرهما «منظمتين إرهابيتين تشكلان خطرا على إسرائيل وعلى استقرار الشرق الوسط وعلى الولايات المتحدة».
ولكن منتقديه يشيرون إلى سجله في مجلس الشيوخ؛ حيث صوت ضد، أو امتنع عن التصويت على تشريعات تفرض عقوبات على إيران، ويعبرون عن قلقهم حول مستقبل السياسة الأميركية تجاه هذه المسألة.
ويشير هؤلاء إلى مواقف السناتور هيغل القديمة ويرون فيها ما يدعو إلى القلق لأنه يدعو إلى توجه شامل في التعامل مع إيران وليس فقط برنامجها النووي.. يقول هؤلاء، إن هذا هو ما تريده إيران بالضبط لأنها تسعى إلى جعل الملف النووي واحدا من جملة أوراق تستخدمها للحفاظ على نفوذها في المنطقة.
من غير المعروف ما إذا كان السناتور هيغل لا يزال يؤمن بذلك، خصوصا أنه في السنوات الأخيرة كان عضوا في مجلس الرئيس أوباما الاستشاري حول الاستخبارات، ومن المحتمل أن يكون قد شكل موقفا جديدا تجاه إيران. ولكن هذا التوجه القديم إذا أصبح سياسة أميركية وأصبحت الصفقة الكبرى مع إيران احتمالا حقيقيا وليس فقط مجرد خوف غير واقعي لدى خصومها في واشنطن والمنطقة، فسوف يثير هذا قلق العرب الذين لا يريدون أن يكونوا ضحايا البازار الإيراني.
إن المعارضين لتعيين السناتور هيغل يحاسبونه على نصيحته التي سوف يقدمها للرئيس أوباما يوم يأتي استحقاق اتخاذ قرار التعامل مع قنبلة إيران النووية إذا ما أصبحت حقيقة. ولكن يجب التذكر هنا أن الرئيس الأميركي هو من يتخذ قرار الحرب والسلم وليس وزراؤه. والسناتور هيغل لن يقفز إلى الحرب بسهولة؛ إذ علينا تذكر القسم الذي أقسمه، ولكن، وهذا هو الأهم، ملهم هيغل هو الجنرال آيزنهاور الذي قاد قوات التحالف في غزو النورماندي لتحرير أوروبا من خطر هتلر، وهو الرئيس آيزنهاور نفسه الذي هدد الثلاثي: بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لوقف العدوان الثلاثي على مصر، ويقال إنه هدد الصين باستخدام السلاح النووي ضدها لإنهاء الحرب الكورية. إن اعتبار هيغل من الحمائم سوء فهم لموقفه من حروب المصالح القومية الأميركية.
* مستشارة في الشؤون الدولية تعيش في واشنطن