أوباما من دون قيود

تشارلز كروثامر

 تفاجأت وسائل الإعلام عندما اكتشفت أن باراك أوباما ينتمي لليسار، فبعد 699 خطابا رئاسيا، كان المعلقون على ما يبدو ما زالوا يعانون من الغفلة والنسيان، وكان هذا هو الحال بالفعل حتى الخطاب الافتتاحي لأوباما الأسبوع الماضي بمناسبة تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة لفترة رئاسية ثانية.

 والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: أين كان الجميع طيلة هذه السنوات الأربع؟ في الحقيقة، تكمن المفاجأة الوحيدة في أن أوباما قد اختار خطاب ولايته الثانية لكشف النقاب عن برنامج يساري ليبرالي عنيد.

 ومع ذلك، لم يكن هناك أي مفاجأة في المضمون، حيث كان أوباما قد كشف عن برنامجه في أول خطاب له أمام الكونغرس، قبل أربع سنوات (وبالتحديد في 24 فبراير /شباط 2009). وكتبت في ذلك الوقت قائلا: «إنه أجرأ البرامج الديمقراطية الاشتراكية من قبل أي رئيس أميركي في التاريخ».

 ولم يكن هذا البرنامج مجرد نقاش أو كلام، حيث استمر أوباما في تطبيق نظام الرعاية الصحية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ليشكل 18 % من اقتصاد الولايات المتحدة – بعدما نجح في تمرير قرار بإنفاق 833 مليار دولار، وهو ما عجل بزيادة غير مسبوقة في الإنفاق الحكومي. وحسب تأكيدات البيت الأبيض نفسه، فإن واشنطن تنفق الآن على الرعاية الصحية 24 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 20 % بعد الحرب العالمية الثانية.

 وقد خرجت طموحات أوباما عن مسارها بعد الهزيمة الساحقة التي تعرض لها عام 2010 والتي كلفته مجلس النواب، ولكن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، فقد عادت الثورة مرة أخرى، بالشكل المعلن عنه في خطابه الافتتاحي يوم الاثنين في الاسبوع الماضي.

 لقد كان هذا الخطاب بمثابة أنشودة النصر للحكومة، والتي تعهد خلالها أوباما بـ(1) الدفاع عن دولة الرفاهية في القرن العشرين و(2) وتوسيع نطاق ذلك للقرن الحادي والعشرين.

 ويعد الجزء الأول من هذا البرنامج – التمسك بكل حماس بالبرامج القديمة للضمان الاجتماعي والرعاية الطبية والصحية – هو عنوان الليبرالية الرجعية. لقد تم اللجوء إلى الضمان الاجتماعي عندما كان متوسط العمر المتوقع هو 62 عاما، كما تم اللجوء إلى الرعاية الطبية عندما كانت التكنولوجيا الطبية الحديثة في بداياتها، أما الآن فإن التركيبة السكانية المختلفة تمام الاختلاف والتكنولوجيا قد جعلت هذه البرامج غير قابلة للاستمرار. ويعلم الجميع أنها سوف تلتهم ما تبقى من الميزانية، ما لم يتم إصلاحها بشكل جذري.

 أما بالنسبة للجزء الثاني – التوسيع – فقد بدأ أوباما ذلك بالفعل خلال فترة ولايته الأولى من خلال قانون حماية المريض وتوفير الرعاية الصحية أو ما يعرف باسم «أوباما كير». وقد أعاد خطاب أوباما الافتتاحي إلقاء الضوء على مشروع آخر من مشاريع أوباما الكبرى وهو «شفاء الكوكب»، حيث تعهد الخطاب بأن يكون قطاع الطاقة صديقا للبيئة وأن يحظى بقدر كبير من الدعم (حتى أجهزة الدولة الرقابية تخفض استخدامها من الوقود الأحفوري، وتتوقف عن استخدام الفحم اليوم والغاز الصخري في المستقبل).

 وكما قال الرئيس (والاقتصادي) التشيكي فاتسلاف كلاوس ذات مرة، فإن حماية البيئة دائما ما تكون هي الوريث لفشل الاشتراكية لتبرير الحكم المتغلغل من قبل المكتب السياسي للخبراء. والآن فقط، يتم العمل على حماية البيئة باسم الكوكب وليس باسم البروليتاريا العاملة.

 وقد وجه الخطاب الافتتاحي أيضا ضربة قوية لكل الخرافات التي تقول إن أوباما يعمل من أجل الإصلاح المالي أو تخفيض الديون، حيث كان هذا الخطاب يخلو من أي اعتراف بالتهديد الرئيسي الذي يحيق بديمقراطيات عصر ما بعد الصناعة (كما رأينا بالفعل في أوروبا) – وهي أزمة عدم قدرة الدول على الوفاء بسداد ديونها.

 وعلى العكس من ذلك، يعد أوباما رائد الدولة الآخذة في التوسع، وكان خطابه يركز بشكل كبير على الجماعية، ولكنه في الواقع كان يعني الحكومة فقط، وليس العدد الهائل للجمعيات التطوعية – الدينية والثقافية والخيرية والفنية – التي تعد موضع اعتزاز وفخر النظام الأميركي.وبالنسبة لأوباما، لا يوجد شيء بين المواطن والدولة، فالأمر يشبه الصحراء التي لا يجد فيها المواطن حماية إلا من الدولة. وبعبارة أخرى، يعد هذا الخطاب بمثابة النصيحة المثالية لجوليا، تلك المواطنة التي ركز أوباما على حياتها خلال حملته الانتخابية.

 وفي عين التاريخ، يعد الخطاب الافتتاحي الثاني لأوباما بمثابة استجابة مباشرة لخطاب رونالد ريغان الأول، ففي العشرين من يناير (كانون الثاني) عام 1981 قال ريغان: «الحكومة ليست هي الحل لمشكلتنا، ولكن الحكومة هي المشكلة». وبعد ذلك، نجح ريغان في الوصول لحالة من التوافق الوطني حول آيديولوجيته – كما تم التأكيد عليه بعد 15 عاما عندما أعلن الرئيس الديمقراطي التالي أن «عصر الحكومة الكبيرة قد انتهى»، ونفس الشيء قد قاله بيل كلينتون عندما شرع بعد ذلك في إلغاء نظام الرعاية الاجتماعية.

 في الحقيقة، أوباما ليس كلينتون، ولا يقوم بإلغاء الاستحقاقات، بل يحافظ على القديمة منها ويخلق أخرى جديدة في إطار السعي لتحقيق رؤية لنظام اجتماعي أكثر عدلا، تكون فيه مكافحة عدم المساواة وتسوية الخلافات الاجتماعية هي المهمة الأكبر للحكومة.

 وقال أوباما عام 2008 إن ريغان قد «غير مسار الولايات المتحدة» بطريقة لم يقم بها كلينتون نفسه، وكان يعني أن ريغان قد حول روح العصر السياسية، في حين قبل كلينتون، بل وأرسى، القواعد الجديدة التي وضعها ريغان.

 وتكمن مهمة أوباما في استرداد وبعث الصعود الليبرالي الذي استمر لمدة 50 عاما قبل مجيء ريغان. وبناء على ذلك، فإن خطاب تنصيبه الثاني، الذي يعد غير مبرر وعدوانيا من الناحية الفكرية، هو العلامة الأبرز في تاريخه، واعترافا ذاتيا بأنه «ريغان اليسار»، ولو نجح خلال السنوات الأربع المقبلة، فسيستحق حصوله على هذا اللقب.

 * خدمة «واشنطن بوست»

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.