هو ـ ككل رجال الأرض ـ متخوم برجولته، ومن التخمة ماقتل!

sultannsnakeاستشهدت صديقتي عليا ظهر هذا اليوم… قتلها داعشي لا يعرف الله…. لم أكن أدري أن جدي (أبو علي) داعشيّ إلى هذا الحد!
….
عليا جارتي الأفعى.. أعرفها منذ أكثر من سنتين… كلما كنت وماتشو أتجول في حقلنا، ينتصب شعره فجأة ويتأهب للقتال، فيمتلأ الوادي نباحا، وأعرف أن عليا قريبة جدا… بينها وبين ماتشو عداء كبير، وبيني وبينها قصة صداقة وجوار.. كلما التقينا يسترجل ماتشو لحمايتي، فأحاول قدر الإمكان أن أخفف من فورته، واطمئنه بأن عليا مجرد صديقة مسالمة..
…….
يسحرني ثوبها القشيب المزركش بأحلى ألوان الجمال، ويسحرني هدوءها ورصانتها وانوثتها المفرطة..
تنتصب مرفوعة الرأس وتحملق في ماتشو بلا خوف! سميتها عليا تيمنا بجارة اسمها عليا كانت تسكن حينا يوم كنت طفلة، وكانت ترعب كل رجال الحي، رغم أنها طيبة للغاية، فلقد أعطتني كعكعة ذات صباح مازال طعمها تحت لساني!
…..
عدت قبيل الظهر من مشواري مع ماتشو، وكان ينبح ويركض بطريقة هستريائية بعد أن لمح عليا
منتصبة تحت إحدى الأشجار… حاولت أن أسحبه بشدة من ربطة عنقه دون جدوى… شاهدنا أرتورو عامل الحديقة المكسيكي نتعارك فاقترب ونهر ماتشو بالاسبانية ووبخه.. أشرت بيدي إلى الأفعى وقلت بالانكليزي، هناك أفعى وهي مسالمة جدا، لكن ماتشو يكرهها..
….
مضى على وجود ارتورو معنا أكثر من ثلاث سنوات.. لم يتحدث أحدنا للآخر إلا بالإشارة… أحب في أرتورو عشقه للأرض وأرى فيه جدي (أبو علي) الذي افتقدته كثيرا… أرى فيه جدي علما بأنه قد لا يكبرني، ولكن رحلة تسلله من المكسيك عبر صحراء اريزونا وقساوة الحياة أكلت منه عشرين عاما!
….
كما يسترجل ماتشو لحمايتي، استرجل ارتورو.. وما هي إلا اقل من عشر دقائق، إلا وجاء يطرق الباب ويشير بيده إلى الجهة التي قابلنا بها عليا منذ دقائق… ركضت وقلبي يدق كطبل في يد هندي احمر، وأنا أبتهل إلى السماء السابعة عشر أن تخيب ظنوني… لحق بي ارتورو منتفخا كديك رومي.. وإذ بعليا مستلقية على الأرض جثة هامدة… خسرت صديقين عزيزين في أقل من اسبوع.. العصفور وعليا…
……
قتلها سوء الفهم، وعدم معرفة الواحد بالآخر… لو كان ارتورو يجيد لغة الجسد لما قتلها… لو كان أرتورو يستشف سحر الأنثى لعشق عليا.. لو كان ارتورو يفهم حقيقة “عدوه” لما عاداه… لو كان أرتورو يتحاور طاقويا مع الكون لما ارتكب جريمته… هكذا هي الحياة، لا يقتلنا فيها إلا الجهل وسوء الفهم… متى سنتعلم لغة “عدونا” في محاولة جادة لفهم حقيقته واستشفاف ألوان الجمال لديه؟؟ لقد صادقت عليا قرابة عامين….
استطعت خلالها أن اكبح جماح ماتشو.. لكنني فشلت في تعليم ارتورو لغة العيون! فهو ـ ككل رجال الأرض ـ متخوم برجولته، ومن التخمة ماقتل!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.