هنيئا لك ايها البجع الابيض

بعد انتظار طويل عاد البجع الابيض بصحبة ابو منجل الاسود وطائر الغراب القزمي ومالك الحزين الى وطنهم في اهوار ميسان.
دعوني اقف احتراما لوزارة البيئة ومديرية بيئة ميسان لما حققوه في عودة تلك الطيور الى اوطانها فيما لم تستطع كل الوزارات العراقية وبكل امكاناتها الضخمة من اقناع الكفاءات المغتربة في العودة الى وطنهم.
الاف الكفاءات يقدمون الان عصارة تجاربهم العلمية والثقافية والاقتصادية الى بلدانهم في المهجر بينما وزرائنا والرؤوساء الثلاث يقدمون “عصارة” افكارهم في كيفية سحق الاخرين وابتداع طرق جديدة للاثراء السريع.
ليكن،البجع الابيض لم ينس وطنه ولا العراقي المغترب ولكن بين الاثنين بون شاسع.
فبعد ان مهد المسؤولون في البيئة كل الطرق لعودة الحياة الطبيعية الى بيئة هذه الطيور وجد مجلس الوزراء نفسه في حيرة اذ كيف يقنع المغتربين في العودة الى الوطن وهو اصلا لايستطيع حماية نفسه.
ذكر احد اولاد الملحة الذي يعمل مع فريق بيئة ميسان ان احد الاختصاصيين بعث برسائل اطمئنان الى هذه الطيور للعودة الى وطنها.
ولم يتسن التاكد من هذه المعلومة ولكن يبدو ان الامر مقنع في عصر ثورة المعلوماتية والتقنية التي تقفز كل يوم بجديد.
ليس هذا هو المهم، المهم كم خسر العراق بهجرة الكفاءات وكم خسر ايضا بنزوح الاف العوائل من سكناهم.
في معظم سفارات بلاد الكفار يوجد فريق من المتخصصين مهمتهم مراقبة الكفاءات الوطنية وتقديم الاغراءات المختلفة لهم للعمل في بلدانهم،اما عوراقنا العظيم فالاشتراط الوحيد للاقامة في بلدك ان تكون غبيا.. لاتناقش،لاتتظاهر،وربما لاتتنفس لان الهواء حكر على منتسبي المنطقة الخضراء.
حسنا ايها البجع لابيض هاقد عدت الى وطنك اما المغتربين الذين فارقوك منذ نهاية الثمانينات فليس لهم الا اغنية “غريبة من بعد عينج يايما”.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.