منذ القرن 17 كانت لندن مدينة كبيره ومزدحمه ومليئه بالضوضاء . نهر التايمز الذي يمر خلالها يمتليء بالسفن والقوارب الذاهبه والقادمه . وقد ولد هنري بورسيل في أجواء لندن هذه عام 1659 بالقرب من كنيسة ويستمنستر الواقعه على الضفة الشماليه لنهر التايمز .
كان والد هنري يعمل قائداً لكورس الكنيسه , بينما الأب في نفس الوقت وبالمشاركه مع عم هنري ( توماس ) كانا يعملان كموسيقيين في البلاط الملكي . وكانا يعزفان ويغنيان في بلاط الملك جارلس الثاني , ومن خلال الوالد والعم تعرف هنري على عالم الموسيقى .
حين بلغ عمر هنري 5 سنوات مات والده , وبقيت أمه وحيده مع 6 أطفال , ولهذا بعثت هنري ليعيش في بيت عمه توماس الذي بدأ منذ وصول الطفل الى بيته بمتابعة تعليمه .
عام 1665 إجتاح وباء الطاعون مدينة لندن فقتل آلاف الناس في فترة قصيره , وبعد عام واحد شب حريق هائل في لندن أتى على أجزاء كبيره من المدينه وقتل الكثير من الناس .
كان هنري محظوظاً عند قبوله في مدرسة الكنيسه الملكيه , وفيها كورس من الرجال والفتيان , كان عليه أن يغني في هذا الكورس وأن يعزف على العود والكمان والبيانو , كما تم تعليمه القراءة والكتابه مثل بقية الصبيان في مثل سنه . وكان الروب الأحمر الطويل هو الزي الموحد الذي يرتديه الكورس في هذه المدرسه وهو ينشد للملك والبلاط الملكي .
حين أصبح عمر هنري 13 عاما ً وصل الى مرحلة البلوغ فأثرت الهورمونات على حنجرته ودمرت صوته الجميل , لكنه إستمر في أداء تمارينه الموسيقيه مع ( عرابه ) جون هينغستون الذي كان يعزف الأورغن في البلاط .
أصبح هنري مساعد جون هينغستون في تصليح ودوزنة الآلات الموسيقيه في البلاط الملكي . وفي هذه الفتره بدأ هنري بالتأليف الموسيقي .
خلال عام واحد برهن هنري على قابلية فذه في تصليح الأجهزة الموسيقيه وهكذا حصل على أول عمل رسمي له وهو بعمر 15 سنه حيث عينته كنيسة ويسمنستر مسؤولاً عن صيانة جميع أجهزتها الموسيقيه .
عند دخوله الى كنيسة ويسمنستر أصبح صديقاً ل ( جون بلو ) عازف الأورغن والمؤلف الموسيقى للكنيسه , علّمه جون بلو كيف يعزف الأورغن .
حين بلغ هنري 16 من العمر نشرت له نوتة إحدى مؤلفاته الموسيقيه في كتاب للموسيقى . كان مولعاً بجميع أشكال الموسيقى , وحين إستمع الى الأوبرا الإنكليزيه التي ألفها ( ماثيو لوك ) قام هنري بورسيل بتأليف أول أوبرا عنوانها ( ديدو وإنياس ) وهو دون سن 18 عام .
وفي نفس الفتره كتب أوبرا ثانيه بعنوان ( الملك آرثر ) .
حين أصبح عمره 18 عاماً كان مشهورا ً ومرحباً به بشده في البلاط , فقد تم تعيينه بوظيفة المؤلف الموسيقي للبلاط وبقي في وظيفته حتى وفاته عام 1695 هو بعمر 36 سنه . كان يؤلف الموسيقى بشكل دائم للإحتفالات الدينيه , والمناسبات الملكيه , وللمسرح والأوبرا في لندن مما جعله مشهوراً جداً في البلاد .
ألّف هنري بورسيل العديد من المقطوعات لكنيسة ويستمنستر , كان بعضها باللاتينيه لكن معظم الأعمال كانت تكتب للكورس باللغة الإنكليزيه وتسمى ( الأناشيد ) التي أما كانت تصدح بحمد الرب وإما تصور شقاء الإنسان حين يفقد شخصاً او شيئاً عزيزاً وتطلب العون من الرب للرحمة والمساعده .
حياة البلاط الملكي مليئة بالمناسبات الرسميه , وفي كل عام كان على بورسيل تأليف عمل مهم يدعى ( القصيده ) يؤديها صوت منفرد يصاحبه الكورس بالدعاء والثناء على الملك وكانت تقدم في عيد ميلاد الملك أو عند عودته الى لندن من رحلته الصيفيه , أو عند زفاف أحد أفراد العائلة المالكه .
من أجمل القصائد التي لحنها بورسيل كانت لمناسبة عيد ميلاد الملكه ماري التي كانت تحب الموسيقى وغالبا ً ما كانت تدعو بورسيل ليعزف لها .
كذلك لحن بورسيل قصيده لتحية القديسه سيسيليا , القديسه الحاميه للموسيقى , حيث أستعمل في تلحينها مختلف الأصوات والأجهزة الموسيقيه .
قدّم بورسيل الكثير من المؤلفات الموسيقيه لمسارح لندن من أعمال تراجيديه أو كوميديه , وكان أحيانا يلحن ويصمم الأغاني والرقصات لمشاهد محدده في هذه الأعمال . في أوبرا ( الملكه الجنيه ) التي تدور أحداثها في غابه يقدم لنا بورسيل موسيقى خلابه تشهد على براعته الموسيقيه .ميسون البياتي – مفكر حر؟