افضل نموذج لدولة يعيد التأريخ فيها نفسه هو العراق، أو على الأقل يجدد التأريخ نفسه من خلال توافد الشخصيات ذات الطابع السلبي على مراحله. ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة الفريدة من نوعها عبر استقراء أحوال العراق منذ تأريخ المختار الثقفي لغاية زمن مختار العصر المالكي، ستجد انها إعادة متواصلة ومراجعة مستمرة لأحداث عفى عنها الزمن، ولم تعفو عنها الذاكرة الجمعية العراقية. فقد تكررت الشخصيات المريبة ذات الولاء المشبوه التي أذلت الأمة وشتت الوطن وعبثت بمقدراته السياسية والإقتصادية والدينية.
رئيس وزراء المنطقة الخضراء نوري المالكي مثال حي على نيرون الجديد الذي أحرق العراق وهو يعزف على أوتار قيثارته الطائفية نغمة الخراب، والشعب مخدر ومستمتع بعزفه الدموي. فأكثرية الشعب العراقي يعانون من الأمية (7 مليون من مجموع 25 مليون) علاوة على التخلف الثقافي والإجتماعي وقلة الوعي والإدراك والإنسياق وراء المراجع الدينية بدون عقل او تعقل، لذا فإن العزف الطائفي له وزنه وحضوره عند غالبية الشعب. وبشعب كهذا لا يمكن ان تنهض الأمة من كبوتها.
أما النهضة العلمية التي شهدها العراق خلال الحكم الوطني السابق فقد كان مرجعها التخلص من الأمية وإحتضان العلماء، وفصل الدين عن السياسة، وتراكم الوعي الوطني، والإخلاص في إدارة البلد، وتجنب الطروحات الإقليمية والطائفية والعشائرية في أروقة الحكومة ووسائل الإعلام، وإتباع الإسلوب العلمي في إدارة مؤسسات الدولة، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والتخطيط العلمي المدروس للمشاريع العمرانية، والتشدد في القوانين سيما المتعلقة بالفساد الإداري والمالي، والقوانين الرادعة في مجال التجسس وتعاطي المخدرات وجرائم التزوير والدعارة والرشوة. هذا لا يعني أن الحكومات السابقة كانت مثالية أو بلا أخطاء أو مساويء، بل كانت هناك ممارسات خاطئة وخلل في العديد من مرافق الحكومة، لكنها هامشية ولا تقارن بالإيجابيات، وهذا حال معظم حكومات العالم
منذ العهد الملكي والجمهوي لم يشهد العراق حاكما متطرفا تشدق بمذهبه أو تحدث عنه في وسائل الإعلام بوقاحة. إنه واحد من المحرمات، فالدستور حاد في هذا الجانب والرادع الأخلاقي أكثر حدة. نتحدي أي كان بأن يأتِ بحديث متلفز أو صحفي وموثق لأحد الملوك أو الرؤساء السابقيين أشار إلى أنه من المذهب الفلاني ويتبع الإمام الفلاني، وميز أصحاب مذهبه على غيرهم. ربما البعض سيما الشباب لا يستذكرون العهد الملكي او القاسمي والعارفي، لكن عهد الرئيس الشهيد صدام حسين ليس ببعيد. فهل سمعه أحد تحدث يوما عن مذهبه أو عن الإمام الذي يتبعه كالحنفي أو الشافعي مثلا؟ هل كانت وسائل الإعلام العراقية تجرأ على طرح مواضيع بنفس طائفي لصالح المذهب السني مثلا؟ هل كان أي من الوزراء وكبار البعثيين يجرأ على طرح المواضيع الطائفية؟ الجواب معروف بالطبع! يكفي ان أسم أبيه حسين، وزوج أبنته حسين، وإبن عمه علي حسن! وخلال حكمه لم يزر مرقد أبو حنيفة إلا مرة واحدة خلال الغزو الغاشم، في حين زار العتبات المقدسة في كربلاء والنجف عشرات المرات.
ولا توجد أحصائيات سكانية في عهده تتضمن حقل الهوية المذهبية، ولا توجد إستمارات في كل التعيينات تتضمن المذهب، ولا يوجد تمييز طائفي في القبول في المدارس من الإبتدائية حتى الدكتوراة. فالتعليم والبطاقة التموينية والعلاج المجاني في المستشفيات، والأدوية المجانية لذوي الأمراض المزمنة، والتعيينات في دوائر الدولة كلها بعيدة عن الطابع المذهبي. صحيح كان هناك مميزات في الجانب القبلي والحزبي لا يمكن إنكارها، لكنها هامشية ولا علاقة لها بالجانب الطائفي. ولكن البعض ربط بقصد خبيث الجانب القبلي بالجانب الطائفي. فالعشائرية لا تعني الطائفية بأي حال من الأحوال، والحزبية كانت تمييزا للشيعة أكثر منه لأهل السنة، لأن اكثر القيادات والقواعد الحزبية كانت من الشيعة.
لكن بعد الغزو إنحرفت بوصلة القيادة من الجانب الوطني الى الجانب اللاوطني، فرئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني تحدث عدة مرت عن مظلومية الشيعة وبنفس طائفي مقزز، أما المالكي فكان بحق إبن ابليس الشاطر، بدأ حقبته السوداء قائلا بأنه يفتخر أن يكون شيعيا أولا ومسلما ثانية وعراقيا ثالثا، أي الاسبقية للمذهب والمواطنة بالطابور الأخير. من ثم إستمر في طروحاته الطائفية معتبر أهل السنة إرهابيين، وهي نفس الصفة التي أطلقها سيده بريمر على أهل السنة في العراق. من ثم زبد فمه وهدد ببحر من الدماء مع أهل السنة ونفذ وعده، وإنتهى بإعتبار نفسه مختار العصر، وقائد جحافل الحسين ضد جيش يزيد.
تسمية المالكي بمختار العصر، شاذة وغريبة، ويبدو إن الحمقى والجهلة الذين يرددونها لا يعرفون من هو الثقفي وكيف إنتهى؟
ولكن من الطريف حقا تشبية المالكي بالثقفي لأن هناك عدد من السمات المشتركة بينهما، وسنعتمد على الروايات الشيعية فقط، كي لا نثير الشطط عند البعض.
1. الكذب. فقد عرف عن المختار كثرة أكاذيبه، منها، ادعائه انه يوحى إليه والملائكة تحارب معه على هيئة حمامابت بيضاء. والف بعض الأسجاع الإلهية، وأنه يملك كرسي مزين بالأحجار الكريمة من ذخائر علي بن ابي طالب، ويقابل التابوت عند بني إسرائيل. وقد كذب الإمام الصادق أقوال الثقفي، حيث نقل عنه العلامة الكشي “كان المختار يكذب على علي بن الحسين”. (رجال الكشي/ 115). ونقل لنا لنا واحد من أهم مراجع الشيعة هذه الرواية” عن يونس بن يعقوب عن أبي جعفر (ع) قال: كتب المختار بن أبي عبيدة إلى علي بن الحسين (ع) وبعث إليه بهدايا من العراق، فلما وقفوا على باب علي بن الحسين، دخل الآذن يستأذن لهم، فخرج إليهم رسوله، فقال: أميطوا عن بابي، فإني لا أقبل هدايا الكذابين ولا أقرأ كتبهم (رجال الكشي 116). ويمكن العودة الى احاديث المالكي السابقة حول برامجه التطويرية والتصنيعية والاستثمارية والعمرانية والزراعية والأمنية التي لم تكن سوى حبر على ورق، وقد وصفه حليفه مقتدى الصدر بأنه” أكبر كذاب”.
2. التشدق بحب أهل البيت بدافع المنصب والجاه. فلم يكن الثقفي رغم ثأره من قتلة الحسين باعثه حب الحسين والثأر لمقتله فهو لا يمت له بصلة، وذرية الحسين أولى بطلب الثأر لقتيلهم، وهم لم يثأروا له. فقد إستخدم الثقفي مقتل الحسين كورقة رابحة لتحقيق رغبته في التملك والزعامة، وهذا ما عبر عنه الثقفي نفسه نقلا عن الدينوري بقوله” قد قيل للمختار يا أبا إسحاق لقد ظن الناس أن قيامك بهذا الأمر دينونة! فقال المختار لا لعمري ما كان إلا لطلب دنيا فإني رأيت عبد الملك بن مروان قد غلب على الشام، وعبد الله بن الزبير على الحجاز، ومصعباً على البصرة، ونجدة الحروري على العروض، وعبد الله بن خازم على خراسان، ولست بواحد منهم، ولكن ما كنت أقدر على ما أردت إلا بالدعاء إلى الطلب بثار الحسين”. (الأخبار الطوال/٣٠٧).
3. الإستقطاب الطائفي للشيعة. وذلك من خلال تأجيج مشاعر الناس السذج والجهلة بالثأر من قتلة الحسين وطرح الشعارات الطائفية، والتحرك على رؤساء العشائر لرصفهم إلى جانبه، ولا سيما بين الفرس. أن المختار جعل يختلف إلى شيعة بني هاشم وهم يختلفون إليه فيدعوهم إلى الخروج معه والطلب بدم الحسين فاستجاب له بشر كثير وأكثر من استجاب له أهل همدان وقوم كثير من أبناء العجم كانوا بالكوفة، وكان يجتمع بأصحابه سرا”.(المصدر السابق). لاحظ كثرة العجم في الكوقة!
4. الفجور. عرف المختار بفجوره وفسقه، حيث يذكر المسعودي” كتب المختار كتاباً إلى علي بن الحسين السجاد يريده على أن يبايع له ويقول بإمامته ويظهر دعوته وأنفذ إليه مالاً كثيراً فأبى علي بن الحسين أن يقبل ذلك منه أو يجيبه عن كتابه وسبٌه على رؤوس الملأ في مسجد النبي صلىاللهعليه وآله وسلم وأظهر كذبه وفجوره ودخوله على الناس بإظهار الميل إلى آل أبي طالب”. (مروج الذهب3/83) وكذلك خلفه الفاسد. فقد ذكر المؤرخ كمال الدين بن العديم عن جماعة المختار ” انخرط سكان جبل السماق في الآثام والفسوق وأسموا أنفسهم المتطهرين، واختلط الرجال والنساء في حفلات الشراب ولم يمتنع رجل عن أخته أو ابنته، وارتدت النساء ملابس الرجال، وأعلن أحدهم بأن سناناً هو ربه”. (زبدة الحلب من تأريخ حلب3/777). والكل يعرف عن الإتصالات بين المالكي وعشيقته الملحق الثقافي في السويد(بتول الموسوي) علاوة على الأفلام الداعرة التي تسربت لوسائل الإعلام عن إبن بالمالكي وفجور جماعته.
4. التمرد. على المرجعية الدينية. ممثلة بعلي بن الحسين الذي خشي بطش المختار، فقد ذكر المسعودي” لما يئس المختار من علي بن الحسين كتب إلى عمه محمد بن الحنفية يريده على مثل ذلك فأشار عليه علي بن الحسين أن لا يجيبه، لأن باطنه مخالف لظاهره في الميل إليهم، فهو في عداد أعدائهم لا أوليائهم، ولكن ابن الحنفية سكت عن المختار عملاً بنصحية ابن عباس وخوفاً من ابن الزبير”. (مروج الذهب3/83). ومن المعروف إن المالكي إنقلب عن مرجعية النجف، بل أن حزبه إتهم احد المراجع الأربعة ممن إنتقد الفساد الحكومي بالتجسس وطالب بتسفيره من العراق.
5. الغدر. فقد بايع المختار الثقفي الحسن بن علي بالخلافة بعد مقتل علي بن أبي طالب،. ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن، وبعد أن نفر الناس عن الحسن، وانقلبوا عليه ونهبوا سرادقه حتى نازعوه بساطًا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكان عم المختار سعد بن مسعود هو حاكم المدائن. ويروي الطبري بأن” المختار قال لعمه سعد:هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن، وتستأمن به إلى معاوية، فقال له سعد: “عليك لعنة الله، أثبٌ على ابن بنت رسول الله فأوثقه! بئس الرجل أنت!”. (تاريخ الرسل والملوك/5 بيعة الحسن). ويعلق الخوئي على هذه الرواية بعد ان حيرته، سيما ان الرواي محسوب على الشيعة” لو صحّت الرواية لأمكن أن يقال إنّ طلب المختار هذا لم يكن طلباً جدياً، وإنما أراد بذلك أن يستكشف رأي قومه، فإن علم أنّ قومه يريدون ذلك لقام باستخلاص الحسن عليه السلام، فكان قوله هذا شفقة منه على الحسن عليه السلام”! (معجم رجال الحديث1/8). يبدو إن الخوئي إستحضر روح الثقفي ليحكي لنا عما دار في فكره، فقد فسر ما في صدر المختار وفق عقيدة التقية، وهي الوصفة السحرية لمعالجة المآزق!
6. عدم إيفاء الوعود والعهود. بايع المختار عبد الله بن الزبير، وأصبح من كبار الأمراء عنده. ولما حاصره الحصين بن نمير مع أهل الشام، دافع المختار عن ابن الزبير بأشد القتال وأبلى أحسن بلاء، وكان أشد الناس على أهل الشام. وقد إجتمع أهل الكوفة على طاعة ابن الزبير، وكان المختار قد اشترط في بيعته لابن الزبير أن يوليه العراق، ولكنه ما لبث أن نكث بيعته لابن الزبير، وعاد إلى الكوفة. ومن المعروف ان المالكي متمرس في نكث العهود، ووعوده لأهل الأنبار أصدق دليل.
7. الغريزة الدموية وتمثيل قواته بجثث القتلى. سبق ان تحدثنا عن هذا الأمر في مقالنا السابق عن ثارات الحسين، وكيف قُتل من شارك في قتل الحسين أو ممن نهب بعض مما يملك، بطرق بشعة تقشعر منها الأبدان. علاوة على التمثيل بالجثث، وهو نفس الإسلوب الهمجي الذي تفعله قطعان المالكي من قتل وحرق الجثث والرقص حولها.
الذي لا يعرفه الكثير عن الثقفي بأنه كان متقلبا كالحرباء، كان أولا من الخوارج ثم زبيري وانتهى كسياني. وعندما سجن المختار بعد مقتل الحسين بن علي، ارسل رسالة شفاعة وتوسل الى عبد الله بن عمر الخطاب يسألة التشفع لدى يزيد بن معاوية لإطلاق سراحه. وفعلا شفع له عبد الله لأن زوجته صفية بنت ابي عبيد هي أخت المختار.
من جهة أخرى يوجد حديث شريف اخرجه مسلم يذكر “سيكون في ثقيف كذاب ومبير”. والمبير المسرف في إهلاك الناس، وقد أسرف المختار وتابعه المالكي في القتل والتمثيل بالقتلة.
يبقى أمران آخران أولهما: أعلن الثقفي نبوته وروي عنه لقاءات مع الملائكة وقد ذكرت أنيسة بنت زيد بن أرقم ان اباها دخل على المختار فقال له المختار يا أبا عامر لو سبقت رأيت جبريل وميكائيل فقال له زيد” حقرت وتعست أنت أهون على الله من ذلك كذاب مفتر على الله ورسوله”. (البداية والنهاية8/70). فمتى يعلن المالكي نبوته أسوة بالمختار؟
والأمر الثاني: هل سيلقى المالكي نفس مصير المختار؟ فقد تبرأ عنه أنصاره عند محاصرته في الكوفة في قصره، ورفضوا ان يقاتلوا معه، وخرج معه (19) رجلا فقط ولقوا حتفهم في الدنيا وسيلقوا جزائهم في الآخرة. ونسأل الله تعالى أن يلحق مختار العصر بمصير جده مختار القصر.
علي الكاش