يدعي شيوخ السلفيين والمغالين في عدائهم للمسيحية و الاديان الاخرى الغارقين في بحر التناقضات القرآنية الكثيرة ، ان النصارى ولا يسمونهم المسيحيين لغرض احتقارهم ، انهم يعبدون ثلاثة الهة ، استنادا لقول القرآن :
[ لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم] المائدة 73
لتوضيح عقيدة المسيحية الحقة التي لا يفهمها اولئك الشيوخ الغارقين في الجهل و عصر البداوة ولازالوا يعيشون في القرن السابع نقول لهم :
عقيدة المسيحية لا تجزأ الله الى ثلاثة اجزاء ، ولا تؤمن بثلاث الهة ، وليس هم من الكفرة او المشركين كما يصفهم غلاة السلفية والوهابية و الجهلة .
من يدقق في معاني كلمة الاية اعلاه سيجد كلمة ( لقد كفر الذين قالوا) ، وهذا يعني بعض الناس من الذين قالوا ، وليس كل الناس قالوا . فهذا الكلام لا ينطبق على كل اتباع السيد المسيح المنتشرين في كل بقاع العالم .
من هم المعنيون ب (الذين قالوا ) ، والذين يقصدهم القرآن بالذات ؟
كان في جزيرة العرب ايام الرسالة المحمدية ، طائفة صغيرة من هراطقة المسيحيين والذين اطلق عليهم القرآن اسم النصارى ، وهم لا يمثلون مسيحيي العالم ، كانوا هاربين من الشام بسبب محاربتهم لخروجهم عن المسيحية الحقة و هرطقتهم وشذوذهم عن العقيدة الصحيحة ، فلجئوا الى صحاري و وديان جزيرة العرب هربا من العقاب. وقد نشروا تعاليمهم الشاذة هناك ، وسمع بها محمد ، فاعتقد ان هذا هو الايمان المسيحي الصحيح لكل اتباع المسيح . كان اولئك القوم الهراطقة يؤمنون بمريم الاها مع الله ، ولهذا جاء النص القرآني ليدينهم قائلا :
[ واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله ؟] المائدة 116
جاءت تلك الاية تكفر اولئك القوم الضالين . وهذا لا ينطبق على كل مسيحيي العالم . فلا يوجد مسيحي واحد في العالم يؤمن ان مريم الاها .
الا ان الشيوخ الحاقدين يتمسكون بما جاء في ضرف القرن السابع ويعمموه على كل مسيحيي العالم الى نهاية الزمان رغم علمهم بالحقيقة ، وان تلك الفئة الضالة قد انقرضت ولم يبق احد يؤمن بعقيدتها الفاسدة اليوم .
اما التكفير الاخر لنصارى مكة والمدينة فقد جاء بصيغة انهم يعتبرون ان الله ثالث ثلاثة . وهذه فرية اخرى لا تنطبق على مسيحيي اليوم المنتشرين في ارجاء العالم من اتباع السيد المسيح .
العقيدة المسيحية لا تجزأ الله القدوس الى ثلاثة ، وهذا راجع لسوء الفهم لتعبير (الآب والأبن والروح القدس ) .
فاتحة صلاة المسيحيين تبدأ كالاتي : [ باسم الآب و الأبن والروح القدس ، اله واحد آمين ]
فهل من المعقول ان يؤمن المسيحيون بثلاثة الهة او يقسمون الله الواحد الى ثلاثة اجزاء ثم يقولون في صلاتهم اله واحد – آمين ؟
باي منطق يفهم البعض هذا التناقض ؟
المسيحية تؤمن بالوحدة الجامعة لله الواحد . فالله له ذات ، حي بروحه ، ناطق بكلمته . وهذه صفات ثلاثة وليست اجزاء ثلاثة . وسمى المسيحيون الذات الالهية بالآب وليست الأب . اي بالمدة وليست بالهمزة . وهناك فرق بالمعنى بين الأثنين . وسمي الكلمة الناطقة للآب بالأبن ، لأنك الكلمة تلد من الفكر ، ويقال الكلمة (بنت) الشفة او بنت العقل .
وسمي روح الله بالروح القدس ، فكل تلك الصفات هي لرب واحد هو الله الروح خالق السماء والارض ، وليس ثلاث الهة . [فالآب والأبن والروح القدس] صفات او اسماء الله الحسنى كما وضع المسلمون لله تسعا وتسعين اسما .
يؤمن المسيحيون بالوحدانية الجامعة لله ولا يثلثون الله الى ثلاثة . وما جاء بالقرآن ( كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة ) لا ينطبق على الايمان المسيحي .
جاء في سفر التثنية 4:6 من الكتاب المقدس الاية التالية : « اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ «
اين هم الالهة الثلاث اذن ؟
و في انجيل مرقس اصحاح 29:12 كرر السيد المسيح بنفسه قول هذه الاية من توراة موسى حيث اجاب احد السائلين :
يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. ” فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ: «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟
فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ .”
اين هم الالهة الثلاثة التي يكفّر القرآن بها النصارى ؟ انها قيلت بزمانها للهراطقة الضالين، ولا علاقة لها باتباع المسيح اليوم .
فما سبب التمسك بها الى اليوم واتهام شيوخ السلفيين والوهابية كل مسيحيي العالم بها غير الحقد الاسود و المغالاة في التطرف ؟
كما اوصى السيد المسيح تلاميذه قبل صعوده الى سماء المجد الذي كان به اولا قبل نزوله الى الارض :
[ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.]
لم يقل لهم عمدوهم (بأسماء) الأب و الأبن والروح القدس ] لأنهم ثلاثة ، بل (بأسم) مفرد وهذا يدل على الوحدانية في الثلاث .
فالله في العقيدة المسيحية ليس ثالث ثلاثة وانما اله واحد لا يتجزأ .
في انجيل يوحنا 44:5 قال السيد المسيح لتلاميذه : [كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ،
وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟ ]
الاله الواحد …. ولم يقل الالهة الثلاث !!!
يتسائل القرآن بقوله : ” بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ” الانعام 101
وهذا اتهام للمسيحية بانها تؤمن ان لله صاحبة وان المسيح ولد لله !!
هذا فهم خاطئ وتعدى على قدسية الله . بالتشكيك بأن له صاحبة حاشا لله من هذا .
الله لم يكن له ولد في يوم من الايام ولم تكن له صاحبة ، فهذا ليس من الايمان المسيحي بشئ .
الله قادر ان يتجلى باي صورة يشاء ، فقد تجلى لموسى بالنار المشتعلة بشجرة العليق على جبل سيناء ، ولا يعجزالقادر على كل شئ
ان يتجلى بهيئة بشر بالمسيح الأنسان الذي وصفه القرآن بانه آية للعالمين ، وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين .
فقد ارسل الله كلمته ببشرى الملاك جبرائيل لمريم العذراء القديسة وقال لها مبشرا بأدب و وقار : [ اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ،
وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. ] انجيل لوقا 35:1
نتسائل هنا للمشككين : هل هناك اتحاد مادي حدث بين الله وصاحبة ؟ وهل تمت عملية الحلول لروح الله بعملية نفخ في الفرج ؟
ام كلمة الله تجسد بارادته وصار انسانا و دعى ابن الله القدوس بحلول روح القدس على مريم
الطاهرة التي لم يمسسها بشر .
” قالت رب انى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ، قال كذلك الله يخلق ما يشاء اذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون “ال عمران 47
ما الحاجة الى النفخ في الفرج اذ يخلق الله ما يشاء بكلمة كن ؟
لقد اكد القرآن هذا الاتحاد الروحي للكلمة حين قال : [انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه ]
النساء 171
كلمة الله … و روح منه القاها الى مريم . فاين هي الصاحبة المزعومة ، والصاحبة حسب لغة العرب تعني الزوجة ؟
يتسائل القرآن باستغراب: [بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة] ؟ الانعام 101
المسيحية لا تقول ان المسيح ولد الله ، بل تقول ابن الله ، وهناك فرق في المعنى ، فالقرآن يقول ابن السبيل ،
فهل السبيل يتزوج وينجب اولادا ، ونقول العراقي هو ابن الرافدين ، والمصري ابن النيل ، فهل تزوج الرافدان والنيل من صاحبة
وانجبا ولدا ؟
كلمة (ابن) هنا مجازية تفسر الانتساب للاصل وليس الولادة بالجسد والناسوت واتحاد جنسي بين رجل بأمراة .
مدير المدرسة يخاطب الطلبة قائلا : ابنائي الطلبة .
فهل كل طلبة المدرسة هم اولاد المدير من زوجة وصاحبة ؟
ان عدم فهم حقيقة اللاهوت المسيحي اوقع كاتب القرآن في متناقضات كثيرة ، فقد اعطى للمسيح كل صفات وقدرات الله
المعجزية من خلق و شفاء الاكمه والاعمى واحياء الموتى وعلم الغيب وما يأكل الناس وما يدخرونه في بيوتهم ،
وهذه كلها من قدرات الله التي منحها الله للمسيح فقط ، واعترف بها القرآن . فمن يكون المسيح الذي سيأتي في آخر
الزمان ليكون ديانا للعالمين ، والدينونة لله وحده فقط .
ومن يكون المسيح الحامل اذن الله وقدراته معه اينما حل ورحل ، وارتفع بروحه وجسده الى السماء
وسيأتي في نهاية الزمان . لماذا المسيح وحده من دون كل الانبياء و البشر يمتلك كل صفات وقدرات الله ؟
لماذا المسيح وحده امتاز بهذا الشرف الرفيع والمجد الالهي ولم تمنح لغيره ؟
١: مصيبة معظم المسلمين أنهم لليوم إذا ما هذى شيخ وإنتهى قالو أمين ، دون بحث أو تحليل من صدق كلامه المبين ، وهؤلاء ينطبق عليهم القول {قال أبو دحية العاص ذلت مرة لتلاميذه إن الذئب الذي أكل يوسف كان إسمه (هملاج) فرد عَلَيْه نبيه ، ولكن الذئب لم يأكل يوسف ، فأجابه إذن الذئب الذي لم يأكل يوسف إسمه (هملاج) ؟
٢: ليعبد الناس مايشاؤون شجر حجر بقر ، أليس ألله هو الديان والهادي لمن يشاء ؟
٢: بالمنطق والعقل {كيف يستقيم الظل والعود أعوج ، وكيف لإله يناقض كلامه في ليلة وضحاها والملوك لا تفعلها ولو كان في الامر فناها، وكيف لإله أن يكون ديوساً لسفلة ومجرمين في جناته والمسلم الشريف لا يقبلها على نفسه ولو حدث كان القتل دواها} ؟
٤: واخيراً …؟
ليعبد كل إنسان ما يعتقده ، شجراً كان أم حجراً أم بقراً ، أليس هو الديان والمهدي لمن يشاء ، سلام ؟
شكرا استاذ س. السندي على تعليقاتك الهادفة و التي تضرب بالصميم