يبدو أن السياسة التي تتبناها إدارة الرئيس باراك أوباما حيال العراق ترتكز على فكرة مفادها أن تنظيم «الدولة الإسلامية» الإرهابي له تأثير سيئ للغاية لدرجة أنه سيحد من توسعاته من نفسه، وسينتهي به المطاف إلى هزيمة نفسه بنفسه. ولكن لم يؤيد كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركية وجهة النظر هذه؛ ففي مؤتمر صحافي عُقد بعد ظهر يوم الخميس الماضي، أوجز فريق مكون من خمسة مسؤولين بالمخابرات الأميركية تقييمهم لتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي أبدى قدرة ملحوظة على البقاء، نظرا لأنه «صبور» و«منظم تنظيما جيدا» و«انتهازي» و«مرن». وفي ظل قيادة أبو بكر البغدادي، استطاع التنظيم أن يضم أكثر من 10 آلاف مقاتل اليوم بعد أن كان يضم نحو 1500 مقاتل عام 2010، وأصبح يمثل منظمة جهادية عالمية لديها القدرة على التواصل بلغات عديدة.
وحسبما ذكر أحد المسؤولين: «إننا لا نقيم هذا التنظيم باعتباره سينهار من تلقاء نفسه». وأضاف: «ولكنه يمكن أن ينهار مع مرور الوقت جراء الضغوط التي يواجهها والبدائل المتاحة (التي قد تؤدي إلى تراجع التأييد الذي يحظى به من جانب بعض أهل السنة)». وفي السياق ذاته، حذر الخبراء في مجال الاستخبارات من أن وسائل مكافحة الإرهاب، مثل هجمات الطائرات دون طيار والهجمات الجوية الأخرى، لن تكون كافية «لإلحاق الهزيمة بالتنظيم، وربما تؤدي إلى تراجعه فحسب».
كان المسؤولون بالمؤتمر الصحافي متشككين في أنه من الممكن أن يرتدع البغدادي عن مهاجمة أميركا من خلال التهديد بشن هجمات مدمرة. وفي هذا السياق، قال أحد المسؤولين: «هذا التنظيم – بحسب تقييمنا – يعتبر الصراع مع الولايات المتحدة أمرا حتميا». ورغم أن التنظيم منشغل الآن بالمعارك التي يخوضها في العراق وسوريا، قال مسؤول آخر في تصريح مخيف له على الإنترنت منذ عدة أشهر خلت: «إننا لن نحول أنظارنا بعيدا عن أميركا».
كان هذا المؤتمر الصحافي مثالا نادرا لمعلومات يُدلي بها مسؤولو الاستخبارات حول أزمة ما زال صناع القرار يتباحثون بشأنها. وكان المسؤولون يتجنبون الأسئلة المباشرة حول السياسات، ولكن كانوا يقدمون إجابات في سياقها. فعلى سبيل المثال، عندما وُجه إليهم سؤال حول ما إذا كان من الممكن احتواء تنظيم «الدولة الإسلامية» في حال عدم قصف قواعده في سوريا، أفاد أحد المسؤولين، بأن مثل هذه الملاذات الآمنة عبر الحدود دائما ما كانت تشكل «تحديا» عند مواجهة المتمردين منذ عام 1945.
كانت الأبدان تقشعر من وصف البغدادي و«دولته الإسلامية»، وفي الفترة التي كان يطلق على التنظيم فيها اسم تنظيم القاعدة في العراق (الاسم الأصلي للتنظيم)، اشتبك التنظيم بشراسة مع القوات الأميركية، وزُج بمعظم المقاتلين البارزين في السجن على يد قوات الاحتلال الأميركي، ولكن كان هذا السجن بمثابة مدرسة لتعليم الجهاد؛ بحيث أصبحوا أكثر صرامة، ولديهم صلات أفضل، وأكثر إخلاصا.
بدأ المقاتلون التابعون للبغدادي يُطورون من التكتيكات الإرهابية التقليدية لتنظيم القاعدة إلى أن أحرزوا تقدما بالفعل، كما يتضح من الخلافة المزعومة في كل من العراق وسوريا. وظهرت إحدى بوادر ذلك في سوريا؛ حيث إنه بمقدور الانتحاريين التابعين للتنظيم الاستيلاء على المرافق الحكومية، والسيطرة عليها لبضع ساعات قبل تفجير السترات الخاصة بهم.
يلقب البغدادي نفسه بالخليفة الحقيقي لأسامة بن لادن، رغم أنه رفض تحذيرات بن لادن المعارضة لإعلان الخلافة بشكل سريع، ونظرا لمخالفته الأوامر، قام أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، بطرد جماعة البغدادي من تنظيم القاعدة في أبريل (نيسان)، وبدأت «الدولة الإسلامية» تستبعد بعض الجهاديين الذين يلجأون إلى العنف، من بينهم تسعة أفراد ينتمون إلى تنظيم القاعدة، وبعض الأعضاء بفرع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، وتنظيم القاعدة في المغرب، بينما لا تزال قيادة فرع تنظيم القاعدة القوي في اليمن (تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية) موالية للظواهري.
ويبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية أصغر وأكثر نشاطا وأكثر براعة في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بتنظيم القاعدة الكبير. وفي هذا الصدد أشار المسؤولون – على سبيل المثال – إلى الاستخدام المكثف لـ«تويتر» من خلال حسابات ليست فقط باللغتين العربية والإنجليزية، ولكن أيضا باللغات الألمانية والإندونيسية والروسية، جنبا إلى جنب لغات أخرى. وقد عزز من توسع التنظيم، انضمام عدة آلاف من المقاتلين الأجانب من أوروبا، وأميركا، وآسيا؛ حيث انتقل معظمهم إلى معسكرات التنظيم عبر الحدود التركية وصولا إلى سوريا.
وحذر مسؤول قائلا: «البعض منهم يعودون إلى بلادهم – سواء بناء على أوامر وجهت لهم أو دون أوامر – لبدء تشكيل خلايا جديدة».
كان ضعف تنظيم القاعدة في السابق يعود جزئيا إلى أنه أوجد أعداء له في الأماكن التي حاول أن يترسخ فيها، ولكن جماعة البغدادي – على حد قول أحد المسؤولين «تعلمت من دروس الماضي»، ولم تستعدِ المسلمين الآخرين. وفي السياق ذاته قال المسؤول: «إذا تمكنوا من السيطرة على مدينة ما، فإنهم يسمحون للسكان المحليين بإدارتها»، بدلا من ترويعهم دون داع.
وأوضح المسؤول أن «ضعف الدولة الإسلامية قد ينجم عن مبالغتها»، مشيرا إلى أن الجماعة «تقاتل في جبهات متعددة»، و«تزايد عددهم على نحو واضح»، ولكن إذا قامت القوات العراقية والإقليمية، التي تدعمها الولايات المتحدة بقصف القوات التابعة للجماعة، فقد يبدأ أنصارهم من السنيين في الابتعاد عنهم.
ما استنتجته من هذا المؤتمر غير المعتاد أن إدارة أوباما بحاجة إلى استراتيجية موسعة تحط من شأن هذه الجماعة بحيث تعود إلى حجمها الذي كانت عليه في السابق. ولم يتحقق هذا الأمر بشكل سريع ولن يكون سهلا؛ فقد استفاد البغدادي من كافة إخفاقات المنافسين الإسلاميين والثوار العلمانيين في الربيع العربي. لن ينهار تنظيم «الدولة الإسلامية» بسبب أخطائه، ولكن بمحاربته بشيء من الثبات وبمهارة.
* خدمة «واشنطن بوست»
نقلا عن الشرق الاوسط