هل فرض الصيام على الذين “يطيقونه” أم الذين “لا يطيقونه”؟

بقلم د. توفيق حميد
يعتبر شهر رمضان أهم شهر ديني في العالم الإسلامي، نظرا لأنه شهر الصيام كما جاء في الآية الكريمة:
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (سورة البقرة آية 185).
واهتمام المسلمين برمضان يتراوح ما بين الاحتفالات الاجتماعية الجميلة بالفوانيس والمسلسلات التلفزيونية، وما بين تدين قائمٍ على أحاديث تحث على الصيام مثل “لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك” ومثل “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”.
والعجيب في الحديث الأخير أنه جعل من كل العبادات الأخرى مثل الصلاة والزكاة وكأنها ليست لله في تناقض واضح مع القرآن الذي قال:
“قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (سورة الأنعام آية 162).
ويصل تقديس الصيام إلى درجة أن الكثيرين من فقهاء وشيوخ الإسلام في العديد من الدول الإسلامية افتروا على الله كذبا فابتدعوا عقوبة أو كما يسمونها “حدا” لمن يجاهر بالإفطار بالرغم من عدم وجود أي آية تدعم ما يفترون.
وعلى العكس تماما، فإن وجود هذه العقوبة المفترية لمن يجاهر بالإفطار ـ وهي عقوبة منسوبة إلى الإسلام ظلما وزورا ـ تتناقض مع صريح القرآن مثل “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” (سورة البقرة آية 256) ومثل “وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (سورة الكهف آية 29).
اقرأ للكاتب أيضا: ماذا لو كان اسم محمد صلاح “جرجس حنا”؟

ومن الملاحظ في الآية الأولى هنا أنها استخدمت التعبير “في الدين” وليس التعبير “على الدين” ولنا في هذا الأمر شرح آخر في وقت لاحق.
ولا يسعني هنا إلا أن أصف من افتروا هذه العقوبة وكذبوا على الله بتشريع لم ينزله، إلا أن أصفهم بقوله تعالى “وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ” (سورة الزمر آية 60) أو بالآية الكريمة “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا” (سورة الأنعام آية 93).
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هو موقف القرآن الحقيقي من صيام رمضان؟ وما معنى “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين” (سورة البقرة 184)؟ ولماذا استخدم القرآن تعبير “يُطِيقُونَهُ” وليس “لا يُطِيقُونَهُ”؟
يتعجب البعض من استخدام كلمة “يُطِيقُونَهُ” في هذه الآية لأنها تعنى في نظرهم “يتحملونه” (أي يتحملون الصيام)، فهل تعنى الآية أن على الذين يتحملونه أن يطعموا مسكينا كل يوم؟ بالقطع لا، لأن الآية ذكرت أن إطعام المسكين هو “فدية” للصيام أي بديلا عنه.


ورأى البعض خطأً أن كلمة “يُطِيقُونَهُ” تعنى “لا يطيقونه” بمعنى أن الذي لا يتحمل الصيام مطلقا (فيكون مستحيلا عليه أن يصوم) فعليه أن يفدي ذلك بإطعام مسكين.
وكان من السهل على القرآن استخدام تعبير “لا يطيقونه” إن كان يعني ذلك!
وفى الحقيقة، إن كلمة “يُطِيقُونَهُ” مشتقة من كلمة “الإطاقة”، وليس من كلمة “طاقة”، والأولى أي “الإطاقة” بها همزة في بداية الكلمة، وهي همزة سالبة للمعنى وتعنى عدم وجود طاقة كافية عند الإنسان للصيام أي أنه يستطيع أن يتحمله (يطيقه) ولكن بصعوبة. وهذا المفهوم هو ما اتجه إليه فضيلة الإمام الشيخ مخمد عبده في “تفسير المنار”.
أما الذي لا يطيق الصيام على الإطلاق ـ أي أن هناك استحالة لصيامه ـ فهو في الأغلب مريض بمرض ما قد يكون مؤقتا، وفي هذه الحالة ينطبق عليه قول الله عز وجل: “وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر”، أو أن يكون مريضا بمرض عضال طوال حياته وفي هذه الحالة رفع عنه الصيام تبعا للمبدأ العام الذي أقره القرآن “لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (سورة التوبة آية 91).
اقرأ للكاتب أيضا: من سيدخل الجنة: الشيخ الشعراوي أم ستيفن هوكينغ؟

وباختصار شديد فإن هناك أربعة احتمالات للصيام:
الاحتمال الأول أن يكون الإنسان قادرا وبسهولة على تحمل الجوع والعطش طوال مدة الصيام، وفي هذه الحالة فعليه أن يصوم.
الاحتمال الثاني أنه “يطيق” الصيام أي يتحمله ولكن بشيء من الصعوبة، وفي هذه الحالة فالقرآن وضح أن من حقه تماما إطعام مسكين بدلا من صيام اليوم، ولنا أن نتخيل كم عدد المساكين الذين سيتم إطعامهم إن طبق المسلمون هذه الآية!
الاحتمال الثالث وهو أن يكون الإنسان قادرا على الصيام ولكنه مريض لفترة محدودة (أو على سفر) فعليه تبعا للقرآن أن يصوم أياما أخرى بدلا من الأيام التي أفطرها.
الاحتمال الرابع أن يكون الإنسان مريضا بمرض مزمن يمنع صيامه تماما، وفي هذه الحالة فقد رفع الله عنه هذه الفريضة كما أشرنا.
وفي النهاية لا أجد أجمل من أن أختم كلماتي بقول الرحمن “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.