هل ستحجر اميركا على الشرق الاوسط؟

طلال عبدالله الخوري 2\1\2013

عادة يتم الحجر على المرضى المصابين بأوبئة معدية لكي لا تتنتقل العدوى الى الاخرين وتسبب بكارثة انسانية, او يتم الحجر على المرضى ذو العاهات العقلية والذين يمكن ان يشكلوا خطراُ على انفسهم وعلى الاخرين, والسؤال الذي سنطرحه في هذه المقالة: هل وصلت اميركا الى قناعة بأن الشرق الاوسط, والذي يضم جميع البلدان العربية مضاف اليها باكستان وافغانستان وايران, هو شرق مبتلي بأمراض خطيرة, وافضل طريقة للتعامل مع الشرق الاوسط لتلافي خطره هو الحجر عليه, على مبدأ الله يبعدك ويسعدك, فأنا اميركا (العظمى) لست بحاجة الى شرقكم الاوسطي, واستطيع ان اعيش بدونكم, وبدون مشاكلكم وأمراضكم, (ودرب السد ما يرد, كما يقول المثل الشامي), وإذا روسيا او ايران مهتمه فيكم وبمنطقتكم, فصحتين على روسيا وايران والله يجمع ويوفق وبالرفاه والبنين؟ وطبشوا بعضكم مع بعض ومع روسيا وإيران؟

أميركا واليابان واوروبا وبرنامج مارشال:

لقد استثمرت اميركا في أوروبا ومن أجل اوروبا دماء جنودها الاميركيين وساعدت الاوروبيين بالتحرر من النازية ومجنونها هتلر, وبعد ذلك قامت بتصميم برنامج مارشال, وضخت اميركا اموالها ونشلت اوروبا من الدمار الذي لحق بها بالحرب العالمية الثانية, ووضعتها على طريق التقدم والازدهار, وكذلك الامرفعلت اميركا مع اليابان ما فعلته مع اوروبا من استثمارات بالدم والمال, فماذا كانت نتيجة هذه الاستثمارات الاميركية في كل من اوروبا واليابان:

 اولاُ: حماية اوروبا واميركا واليابان وكثير من دول العالم من السقوط في شرك الشيوعية والعبودية الشيوعية.

ثانياُ: انتعاش الاقتصاد الاميركي والاوروبي والياباني والعالمي, وتم وضع العالم على الطريق الصحيح للوصول لهذا الازدهار الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي وهذا المستوى الحضاري التي وصلت له البشرية والذي نشهده الآن بأم أعيننا.

 من هنا نستنتج بأن كل قطرة دم استثمرتها اميركا من اجل حرية اوروبا واليابان, عادت عليها بأن وفرت ملايين الدماء الاميركية التي كان يمكن ان تخسرها بحرب غير باردة مع المعسكر الشيوعي في مختلف ارجاء العالم, وأن كل دولار استثمرته من اجل نهضة اوروبا واليابان عادت فوائدها ملايين الدولارات على اوروبا واليابان ولكن ايضاُ عادت على اميركا بفوائد بمليارات الدولارات, وهذا افضل استثمار استثمرته اي دولة بالتاريخ, وذلك من حيث أن: نقطة الدم وفرت ملايين الدماء.. والدولار الواحد عاد بفوائد  بمليارات الدولارات.

اميركا وافعانستان والعراق

 بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر, واسقاط برج التجارة العالمية بنيويورك, وقتل ما يقارب ال 50 الف اميركي, انبرت معاهد الابحاث السياسية الاميركية لدراسة هذه الظاهرة: لماذا يكرهنا هؤلاء المسلمون الشرق اوسطيون, لماذا فرحوا وزغردوا ووزعوا الحلوى لموت ابنائنا في احداث سبتمبر الارهابية؟

لحسن حظنا بأن نتائج الدراسة اتت كالتالي: هم يكرهوننا لانه لنا علاقات دبلوماسية مع زعمائهم المستبدين مثل صدام حسين, والاسد والقذافي وحكم طالبان وغيرهم من هذه الانظمة الاستبدادية التي تقمع شعوبهم, ونصحت الدراسات بأن الشرق الاوسط بحاجة ماسة الى برنامج يتضمن مساعدته للتحرر من العبودية, ثم الاستثمار في اقتصاده, بطريقة مماثلة لما فعلته اميركا في اوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية, فقررت اميركا بأستثمار اموالها ودماء ابنائها لتحرير الشرق الاوسط من صدام حسين وطالبان والقاعدة, والاستثمار ببناء اقتصاد الشرق الاوسط وكانت تنتظر مردود مماثل لمردود استثماراتها باوروبا واليابان؟

لقد استثمرت اميركا دماء عشرات الألوف من الجنود من ابنائها, وضخت مليارات الدولارات لتحرير كل من العراق وافعانستان وبناء اقتصادياتهم, لكي يكونوا مثالا يحتذى به لبقية دول الشرق الاوسط, فماذا كانت النتيجة لهذه الاستثمارات؟

كانت النتبيجة بأن ضاعت كل استثمارتها هباءا, وخرجت اميركا من كل من افغانستان والعراق خروجا ذليلاُ ولم يحققوا اي شئ, وسبب ذلك هو ان شعب العراق وافغانستان وشعوب الشرق الاوسط بشكل عام تختلف عن بقية البشر مثل شعوب اوروبا واليابان, واخر هموم الانسان الشرق اوسطي هو الحرية والديمقراطية وبناء الاقتصاد, لان اولى اولويات هذه الشعوب الوحيدة هو الذهاب الى الجنة والظفر بالحوريات والغلمان, واسهل طريقة للظفر بهذه الاولوية, حسب العقيدة الاسلامية, هو محاربة وقتل الجندي الاميركي ومعاداته حتى ولو جاء لهم بالخير.

من تجربة اميركا بالعراق وأفغانستان نستنتج بأن اميركا استثمرت الكثير من دماء ابنائها والمليارات من اموال مواطنيها, وخسرت كل شئ ولم تجلب لها هذه الاستثمارات الا مزيدا من الخسارة والازمات الاقتصادية, ومزيدا من الكره من قبل شعوب الشرق الاوسط.

 اميركا والصومال

الصومال بلد فقير ليس فيه اي موارد او اي مواد اولية لكي تطمع بها (الرأسمالية المتوحشة كما يقول المغيبون من اليساريين العرب), والشئ الوحيد الموجود في الصومال هو الارهابيون (المجاهدون) الى جانب المجاعة, والاطفال المرمية على الطرقات تنازع زفرات الموت الاخيرة, لذلك انتخت الامم المتحدة و أستنجدت بالدول الغربية الكريمة (وليس بالدول الاسلامية الجاحدة) لمساعدة اطفال الصومال وانقاذهم من المجاعة, فقام الارهابيون من المجاهدين بمصادرة هذه المساعدات وسرقتها, فقررت الامم المتحدة بتحرير المساعدات باستخدام البند السابع, فتطوع الجيش الاميركي العامل بالناتو لتننفيذ عملية التحرير هذه, فقام المجاهدون الارهابيون (والمدربون والعاملون مع تنظيم القاعدة الارهابي) بالاشتباك مع الجنود الاميركيين وقتلوا الكثير منهم واسقطوا لهم مروحيات بلاك هوك, (قامت هوليوود بتوثيق هذه الحرب بالتفصيل بفلم عنوانه بلاك هوك داون)

 من تجربة اميركا بالصومال نستنتج بأن اميركا استثمرت دماء أبنائها واستثمرت اموالها لكي تساعد الصوماليين المسلمين الشرق اوسطيين, فضاعت كل استثماراتها هباءاُ, والاكثر من هذا خرج الصوماليون الذين يعانون من المجاعة بمظاهرات تهتف بموت اميركا والكره لاميركا (انا لا اعرف كيف ان الجوعان لديه القدرة على شراء الاسلحة لاسقاط مروحيات البلاك هوك, ولديه القدرة على الهتاف ضد اميركا)؟

اميركا وليبيا

 لم تستسلم اميركا الى تجاربها الخاسرة في كل من الصومال والعراق وافغانستان وباكستان, فقررت ايضا مساعدة الشعب الليبي في التحرر من الطاغية معمر القذافي, والذي استعبد الشعب الليبي حوالي النصف قرن؟

ومرة ثانية تستثمر اميركا اموالها ودماء ابنائها, ولكن للاسف تتآمر الحكومة الليبية الجديدة مع تنظيم نصرة الاسلام, وتترك السفارة الاميركية بدون حماية كافية, وتترك اعضاء السلك الدبلوماسي الاميركي لقمة سائغة للأرهابيين لتتم مهاجمة السفارة من قبل الارهابيين الاسلاميين ولكي يتم قتل السفير الاميركي وطاقم السفارة الاميركية.

 ان الهجمات والاعتداءات المسلحة ضد السفارات الامريكية التي انطلقت من مصر وسرعان ما وصلت الى ليبيا واليمن والكثير من دول الشرق الاوسط بطريقة اكثر عنفا وهمجية ، قد شكلت في مجموعها ضربة قاسية للسياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط, ولسوء الحظ فقد جاءت عقب تبدل في وجهة السياسية الخارجية الامريكية وانفتاحها على النظم السياسية الجديدة لثورات الربيع العربي التي لقيت تأييدا سياسيا غير محدود ودعما لوجستيا غير مسبوق من جانب الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها الاوروبيين وغيرهم ، وبالتالي فإنها قد تشكل منعطفا خطيرا في توجهات السياسية الخارجية الامريكية المستقبلية ازاء هذه المنطقة, ونحن نعتقد بأن بعد التجربة الليبية الفاشلة قد تعلمت اميركا الدرس, وقد اخذت قرارها بالحجر على الشرق الاوسط, وسبب اعتقادنا هذا هو الدلائل التالية:

أولاُ: اميركا تعرفت على الفعلة الذين قاموا بالهجوم على السفارة وتركتهم طلقاء في كل من مصر وليبيا, حتى لم تطالب باستجوابهم او محاكمتهم وكشف المتورطين معهم من الحكومة الليبية, وهذا ليس من ادبيات الكاوبوي الاميركي, وهذا برأينا دليل على ان اميركا اتخت قرارها بالحجر على الشرق الاوسط.

 ثانياُ: لسوء حظ السوريين, لم تتدخل اميركا بتحرير سوريا من اسوء طاغية في الشرق الوسط وهو ابن عائلة الاسد بشار, إلا من بعيد, وبالحد الادنى او كما يقال من المقعد الخلفي, وهذا سبب اخر يجعلنا ان نظن بأن اميركا قد اتخذت قرارها بالحجر على الشرق الاوسط؟

ثالثاُ: لقد كانت مسألة الطاقة الرخيصة من اجل تحفيز الاقتصاد الاميركي, هي نقطة ضعف السياسات الاميركية في الشرق الوسط, ومن اجل هذه المسألة كانت اميركا تغض النظر عن الاستبداد وانتهاكات حقوق الانسان في الشرق الاوسط مما كان يسبب لاميركا الكثير من الحرج؟ ولكن الابحاث والتقارير الحديثة تشير الى أن اميركا ستكتفي ذاتيا من الطاقة, والاكثر من هذا ستصبح دولة مصدرة للطاقة, حيث قالت وكالة الطاقة الدولية إن الولايات المتحدة ستتخطى السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم في 2017، إذ تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي بفضل زيادة حادة في إنتاج الغاز والنفط الصخريين, وتوقعت الوكالة أن يستمر تراجع واردات الولايات المتحدة من النفط إلى أن تتجاوز صادراتها وراداتها بحلول 2030 تقريبا. وقال فاتح بيرول كبير اقتصاديي الوكالة في مؤتمر صحافي في لندن إن الولايات المتحدة ستتقدم على روسيا كأكبر منتج للغاز بفارق كبير بحلول عام 2015، وبعد ذلك بوقت قصير أي في عام 2017 ستصبح الولايات المتحدة أكبر دولة منتجة للنفط في العالم..

 من هنا نستنتج بأن اميركا لم تعد بحاجة الى الطاقة الرخيصة من الشرق الاوسط وهي كانت نقطة الضعف لديها, وهذا يعطينا سبب اخر لكي نعتقد بأن اميركا ستحجر على الشرق الاوسط؟

في ما سبق قمنا باستعراض الاسباب التي تجعلنا نظن بأن اميركا قد قررت الحجر على الشرق الوسط, وهذا اسوء سيناريو ممكن ان تتخذه اميركا تجاه الشرق الوسط, حيث سيزيد بؤس شعبوبنا بؤساُ وبؤساُ, من جهل وتخلف وفقر, وسنحرم من اكبر نافذة كنا نستنشق من خلالها ريح القوة وكسر حاجز الخوف من الانظمة الاستبدادية, الى جانب ريح الحرية وحقوق الانسان والعلم والتحضر والتطور التكنولوجي؟

 ولكن افضل سيناريو ممكن هو ان لا تكون اميركا قد اتخذت فعلاُ  قرارا إستراتيجياُ بالحجر على الشرق الاوسط, وان تكون هذه السياسة محدودة بالحزب الديمقراطي او محصورة بالرئيس باراك اوباما المهزوز والجبان في دعمه للثورة السورية, وما يدعم هذا الافتراض هو صدور مقالة عن زعماء الحزب الجمهوري: جون ماكين وجوزيف ليبرمان وليندسي أوغراهام, تطالب هذه المقالة  حكومة اوباما بتصحيح سياستها تجاه الشرق الاوسط والثورة السورية, والمقال بعنوان: سوريا تهوي إلى قاع سحيق

وهذا ما يجعلنا بان نتفآل مع عودة الحزب الجمهوري للحكم

 هوامش:

سوريا تهوي إلى قاع سحيق

About طلال عبدالله الخوري

كاتب سوري مهتم بالحقوق المدنية للاقليات جعل من العلمانية, وحقوق الانسان, وتبني الاقتصاد التنافسي الحر هدف له يريد تحقيقه بوطنه سوريا. مهتم أيضابالاقتصاد والسياسة والتاريخ. دكتوراة :الرياضيات والالغوريثمات للتعرف على المعلومات بالصور الطبية ماستر : بالبرمجيات وقواعد المعطيات باكلريوس : هندسة الكترونية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to هل ستحجر اميركا على الشرق الاوسط؟

  1. س . السندي says:

    أخر الكلام .. بعد التحية والسلام ؟

    ١: لقد أدركت أمريكا أخيرا خاصة بعد خيانة من في العراق اليوم ، وقبلهم من في إيران ، وأخير ماحدث لسفيرها في ليبيا ، من أن هؤلاء القوم لاينفع معهم إلا الكي وخاصة الكي ألإقتصادي ، على مثل ماتكتنزه العنزة مصيره بيد القصاب ؟

    ٢: أن ماسيؤل إليه ألأمر من جديد في العراق وغدا في إيران لن يكون بأي حال من ألأحوال بأفضل مما جرى ويجري في سورية وليبيا والسودان ؟

    ٣: إن مايهم روسيا دائما وأبدا هو إستعادة أموالها التي صرفتها سواء في سورية أو إيران ، ولما كان الغرب اليوم غير قادر على تعويضها كما حصل عند ألإطاحة بصدام ، لذا عليها السباحة وحدها في هذا اليم لتحصل على ماتبقى من فتات إن بقى فتات ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.