هل بدأ الاحتكاك الخشن بين عون و”حزب الله”؟

nasrallelebanonب22 ت2 عيد الإستقلال اللبناني ويصادف اليوم الثلثاء. وقبل يومين من هذا العيد الذي يشهد العرض العسكري الوحيد الذي يقيمه الجيش اللبناني كل عام، ولأن العرض مشروط بحضور رئيس البلاد، فإنه يقام هذا العام بعد انقطاعه لعامين بسبب الفراغ الرئاسي الذي استمر لنحو عامين ونصف العام، وانتهى أخيرا بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في نهاية ت1 الماضي.

وفي خطوة تحمل أبعادا ودلالات سياسية، قبل أن تكون أمنية وعسكرية، قام رئيس “تيار التوحيد اللبنـاني” الـوزير السـابق وئام وهاب في بلدته الجاهلية بإستعراض عسكري غير مسبوق نفذه مناصروه.

فـ”سرايا التوحيد” التي استعرضت قبل يومين عددا من مقاتليها، ومن بينهم عدد من السوريين، حرصت على أن يكون في منصة الاستعراض نائب رئيس المجلس السياسي لـ”حزب الله” محمود قماطي ، والقيادي في حزب “البعث السوري” الوزير السابق فايز شكر.

حضور ممثلين عن “حزب الله” و”البعث السوري”، هو الأهم في الرسالة، إذ لا أحد يعير اعتبارا لمثل هذه الخطوة إن كانت مقتصرة على تيار التوحيد وبلا مظلة “حزب الله”.

إذا هي رسالة تتجاوز الوزير وهاب إلى “حزب الله” بالدرجة الأولى، وهي موجهة إلى العهد والجيش أولا قبل أن تكون موجهة إلى جهة أخرى.

ليس من قبيل الصدفة أن يتم هذا الاستعراض العسكري بعد تسعة أيام من العرض العسكري الذي أقامه “حزب الله” في بلدة القصير السورية، ولا من باب الصدفة أيضا أن يتم قبل يومين من العرض العسكري الذي يقيمه الجيش اللبناني في عيد الاستقلال اليوم الثلثاء، بعد سنتين من الغياب بسبب الفراغ الرئاسي الذي حال دون قيامه.

وأن يكرر وئام وهاب مقولته بأن مقاتليه في تيار التوحيد هدفهم حماية الجيش، هي الرسالة الأهم التي يطلقها من هو خلف وهاب ومفادها: نحن من يحمي الجيش. وأنا أحميك يعني أنا أملك وصاية عليك، ولا أخضع لسلطتك. وهـو كلام لا معنى له إلا إهـانة الجيش الـذي يـرمز، وحده، إلى السيـادة الوطنية. ويشكـل العرض العسكري الذي يقيمه في عيد الاستقلال رمزية هذه السيادة. علما أن كلام وئام وهاب واستعراضه العسكري سبقه، قبل أيام، إطلاقه سهاما ضد شخص قائد الجيش العماد جان قهوجي متهما إياه بالفساد.

هذا العرض العسكري هو رسالة بالدرجة الأولى من “حزب الله” إلى الرئيس ميشال عون ، رغم وجود عمق سوري لمواقف وهاب، إلا أن النظام السوري قاصر على القيام بمثل هذه الخطوة في لبنان، بسبب ضعفه ولأن المنظومة الإيرانية التي يمثلها “حزب الله” باتت هي المتحكم والمسيطر ليس في لبنان فقط، بل حتى في العديد من المناطق السورية.

والمشهد اللافت الذي يؤكد هذه الحقيقة، هو العرض العسكري في القصير الذي استعرض فيه حزب الله للمرة الأولى دبابات وناقلات جند في إشارة إلى أنه أصبح جيشا.

فـ”حزب الله” برز كجيش يقوم بعرض عسكري في سوريا كما لو أنه جيش في قلب جيش. وهو بالطبع شكل من أشكال انتهاك السيادة السورية بمعزل عن طبيعة النظام الحاكم في سوريا. ويفتح باب التساؤل: هل أن منطقة القلمون والامتداد نحو الشمال السوري (وليس الجنوب) أصبحا جزءا من امتداد المنظومة الإيرانية (الحزب اللاهية) في سوريا؟

وماذا يريد “حزب الله” من العرض العسكري في القصير وفي الجاهلية عبر “سرايا التوحيد”؟ ولماذا يقوم بهذه الخطوة عشية عيد الإستقلال وغداة وصول حليفه ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى؟

أخذ الرئيس عون من حليفه ما أخذه وصار رئيسا للدولة. والرئيس عون في موقع رئاسة الجمهورية هو غير الجنرال عون بوصفه رئيس حزب أو زعيما مسيحيا. لا يعني ذلك أن الرئيس عون صار في مواجهة “حزب الله”، بل هو عون الذي وصل الرئاسة لينجز ما يطمح إليه، أي بناء الدولة وتعزيز السيادة.

عون في آخر الأمر يحظى بالتفاف ماروني ومسيحي حوله غير مسبوق. وهو يدرك أن المسيحيين، والموارنة تحديدا، يشكل الكيان وأفق الدولة، العمق السياسي بل الوجـودي لهم. وهم يتقدمون في هذه الناحية على بقية المكونات اللبنانية، لأسباب تتصل بنشأة الكيان وبخصوصية الوجود المسيحي في هذا البلد.

وكان الرئيس ميشال عون، في خطاب القسم، تحدث عن سيادة الدولة وتطبيق الدستور. حتى المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لم يتحدث عنها كأمر واقع، ولم يخصصها بعبارة يقصد فيها حزب الله، بل تحدث عن حق عام وطبيعي للبنانيين في مقاومة الاحتلال، وليس ميزة مخصصة لفئة محددة.

العرض العسكري في القصير، وإن كانت له أبعاد إقليمية، إلا أن رسالته اللبنانية استكملت مع عرض تيار “سرايا التوحيد” العسكري، وبدا واضحا أنها موجهة إلى الدولة وإلى الترتيب السياسي الجديد في لبنان بعد انتخاب ميشال عون ، وهو أن هناك وضعيات أمنية وعسكرية خارج سلطة الدولة يجب القبول بها، خصوصا أن استعراض وهاب لم يقل إنه يحضر مقاتليه من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير مزارع شبعا اللبنانية المحتلة مثلا، بل حدد وظيفة جديدة هي أصلا من وظائف الجيش والقوى الأمنية.

لذا فالعرض العسكري الممتد من القصير إلى الجاهلية غايته رسم ملعب العهد الجديد، والسقف الذي يجب أن يتحرك تحته ولا يتجـاوزه. فالمجموعات الأمنية والعسكرية التي يشرف عليها “حزب الله” يجب أن تتحرك بحرية على الأراضي اللبنانية، كما يحق لها الانتقال والعودة إلى سوريا، وعلى الرئيس ميشال عون أن يعيد تعريف السيادة بما يتناسب مع هذه الوقائع التي تجعل من وئام صاحب وظيفة حماية الجيش. ولـ”حزب الله” اليد الطولى في تحديد من هو الذي يجب أن يحمل السلاح، ومن هو الممنوع من حمله بين الأحزاب والمجموعات غير الرسمية في لبنان.

لا شك أن الانشغال الداخلي هو الأولوية التي تفرض نفسها على العهد الجديد، لكن حتى ما يطال عملية تشكيل الحكومة لم يعد مفصولا عن الاحتكاك الخشن بين السياسة الشيعية والسياسة المارونية. و”حزب الله” الذي كلف الرئيس نبيه بري بهذه المهمة، ليس بعيدا عن سجال السياسة الشيعية والسياسة المارونية. فالأخيرة تلتف حول الرئيس عون وتطمح إلى إعادة الاعتبار إلى الدولة والكيان، فيما السياسة الشيعية التي يشكل “حزب الله” بوصلتها وثقلها اليوم، لا الرئيس نبيه بري، تتركب وتتموضع في سياق اللادولة وامتداداتها الإقليمية، وهي تتعارض في بنيتها وإستراتيجيتها مع بنية الدولة.

“حزب الله” من خلال العرض العسكري يقوم بعملية التفاف ويقوم بخطوات استباقية ويفرض قواعده وحدوده. هو احتكاك خشن، لكن واضح التصادم المعنوي والرمزي بين ملامح مشروع يريد تعزيز الدولة والسيادة، وبين قوة أخرى عابرة للأوطان تريد أن تفرض أمرا واقعا وتعريفا استثنائيا للسيادة لا بد من قبوله.

المصدر: العرب اللندنية

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.