“هذا تعليقٌ رخيصٌ لا يليق بالصفحة. صفحتُنا ترفضُ الخوضَ في عرض أحد حتى خصومنا الفكريين. الخوضُ في الأعراض رِخَصُ روحٍ وفقرُ فكر.” هذا هو التعليق الذي كنا نكتبه ردًّا على أي تعليق يخوض في “شخص” الفنانة “حنان ترك”، على صفحتي الرسمية، على المقال الشهير الذي رددتُ فيه عليها حين قالت، بدون فهم للمصطلح: “المسيحيون في ذمتنا نحن المسلمين”!
فالحقُّ أنه “شخص” الفنانة، لم يكن هدفَ مقالي على أي نحو. إنما الهدفُ هو توضيحُ جُرم مصطلح، يسيء لأقباط مصر المواطنين الأصليين، حتى مع تداوله بحسن نيّة. “الذمية” مصطلحٌ أصبح خارج السياق الزمني الذي نعيشه. والأخطر أنه يضربُ مبدأ “المواطَنة” الذي يحكمنا جميعًا كمصريين متساويين أمام الدولة في الحقوق والواجبات. كما أنه يهدمُ أركانَ الدستور المدني الذي اجتمعنا حوله بعد 30 يونيو 2013، ثورتنا الشريفة ضد الفاشية الإخوانية.
وكعادتنا، المذمومة، في” شخصنة” الأمور؛ بدأ النَّيلُ المقيتُ من “شخص” حنان ترك، والخوض في حياتها الخاصة، بدلا من مناقشة الفكرة وتحليلها وتوضيحها ونقدها! لهذا قمتُ يومها بتجنيد أدمنز جدد في صفحتي، وظيفتهم صدّ سيل البذاءات العنيف في حق “شخص” الفنانة. الأمر الذي أحزنني وأغضبني إذ أكد لي إننا بعد لم نتعلم أصولَ الخلاف الفكري الناضج الذي ينأى عن الشخصنة الرخيصة والفُجر في الخصومة. وهنا يجبُ الاعتذاُر للسيدة “حنان ترك” نيابةً عن كلّ مُسيء لشخصها على صفحتي.
والمتابعُ للحلقة التي أجرتها الفنانة مع عمرو الليثي وقالت فيها ما قالت، سيقطع بحُسن نيتها، وهي تظن أن “الذمية” تعني الكفالة والرعاية والحماية. وكل ما سبق صحيحٌ ربما، لكنه يحمل كذلك معنى الدونية وانعدام الأهلية! فهي لم تنتبه إلى مناقضة كلّ ما سبق لمبدأ العدالة والمساواة والمواطنة، حال الكلام عن “أصحاب بلد أصلاء”، هم أقباط مصر. مصطلح “الذمية” كان مُطبّقًا وقت فتوحات المسلمين وغزواتهم لنشر الدعوة، بدعوى “كفالة” مَن يودّون البقاء على عقيدتهم، “المسيحية”، وعدم الدخول في الدين الجديد، “الإسلام”. وكان يصاحبه مصطلحٌ آخر هو “الجزية”. وهي المال الذي يدفعه أهلُ الذمة، مقابل عدم دخولهم الجيش، على أن يقوم المسلمون بالدفاع عن الوطن نيابةً عنهم! اختفت الجزيةُ من قاموس الدولة المدنية منذ قيام دولة مصر الحديثة في عهد محمد علي، واختفت معها “الذمية”، وأشرق دستورٌ يساوي بين المواطنين ويُلزم الجميعَ بالدفاع عن الوطن دون النظر إلى العقيدة. فلا المسيحي في ذمة المسلم، ولا المسلم في ذمة المسيحي. كلاهما في ذمة الدولة والقانون والدستور؛ لأن كليهما متساو في الحقوق والواجبات والأهلية أمام الدولة والقانون والدستور. “الذمّيُّ” مواطنٌ “ناقصُ الأهلية”، لذا يدخل في “ذمّة” المواطن “كامل الأهلية”، وهو المسلم! فهل ترى السيدة حنان، وكل من يردد تلك المفردة، بقصد أو بجهل، أن هذا ينطبق على أقباط مصر ذوي الأهلية الكاملة، وهم يُجنّدون في الجيش ويُستشهدون في سبيل تراب بلادنا؟ هل ننسى فضلَ نبيل مسيحي، هو اللواء أركان حرب “باقي زكي يوسف ياقوت”، الذي ابتكر فكرة هدم خط برليف الأسطوري، في حرب 73، وكان وقتها شابًّا برتبة “مقدم” في الجيش المصري، ولولاه ما عبرنا القناة؟!
في القرآن الكريم آياتٌ عن “ملكات اليمين”، لم يعد لها مكانٌ في ظل الدولة المدنية التي تُجرّم الرقّ، كذلك الأمر في الجزية والذمية اللتين يجب قراءتهما في سياقهما التاريخيّ الذي تجاوزناه في لحظتنا الحالية. لهذا قال د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر: “لا مجال لأن يُطلق على المسيحيين أهل ذمة، فهم مواطنون. ولا مجال للكلام عن الجزية. فتلك مصطلحات كان لها سياق تاريخي انتهى الآن، وتبدل نظام الدولة وتبدلت فلسفات الحكم”.
أوضح الأزهرُ الأمرَ بحسم لمن يهرفون بما يسيء لأصحاب بلد. ولا يعفيهم “الآن” من الجُرم أن يُقال بحُسن نيّة وبغير قصد إساءة. وعلى الأزهر كذلك أن يُحجّم السلفيين الأصوليين الذين يودّون تفتيت مصر بترداد مصطلح “الذمية” ليعودوا بنا إلى مذابح التسعينيات الماضية؛ حين أعدمت الجماعةُ الإسلامية أربعين مسيحيًّا مصريًّا في المنيا رفضوا دفع الجزية (مجلة روزاليوسف 24 فبراير 97)، بعدما صرّح مرشد الإخوان “مصطفى مشهور” بوجوب فرض الجزية على الأقباط وعدم السماح لهم بالخدمة في القوات المسلحة! وأهيبُ بالرئيس أن يأمر بإعادة ضبط “سيولة” المصطلحات التي يرددها العامةُ دون وعي، فتنغمدُ الخناجرُ في خِصر مصر، أكثر وأكثر.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية