هل القدس إسلامية؟

بقلم د. توفيق حميد/
كان إعلان الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها بمثابة صدمة، ولكن متوقعة لكثيرين في العالم العربي والإسلامي، وهي “صدمة” لهم لأنهم لم يروا رئيسا أميركيا من قبل يُوفي بتعهده فى هذا الموضوع على هذا النحو، وهي في نفس الوقت صدمة “متوقعة” لأن الإدارة الأميركية أعربت عن نيتها فى أخذ هذا القرار التاريخي منذ عدة أيام.
ويرى كثيرون من المسلمين أن القدس إسلامية لأن الرسول عليه السلام زارها في رؤيا الإسراء والمعراج فى المراحل الأولى من الإسلام، وأن فيها – كما يقولون دائما – “ثالث الحرمين” أو المسجد الأقصى، وذلك باعتبار أن الحرم الأول هو الحرم المكي والحرم الثاني هو مسجد الرسول عليه السلام.
وفى هذا الشأن على أصحاب العقول أن يضعوا عدة تساؤلات بخصوص شأن القدس وعلاقة العالم الإسلامي بها.
والسؤال الأول هو لماذا لم يتم ذكر القدس بالاسم ولو مرة واحدة فى القرآن الكريم إن كانت تعتبر من المقدسات الدينية؟ لقد ذُكر اسم مكة في القرآن:
“وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ”(سورة الفتح 24) و تم ذِكْر ما يُعرف اليوم بالمدينةِ المنورة (والاسم الأصلي لها في القرآن الكريم هو يثرب) لقوله تعالى: “وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ” (سورة الأحزاب آية 13).
ولذا فليس بمُستغرب أن يعتبرهما المسلمون مدنا مقدسة، ولكن كيف هو الحال مع القدس التي لم تُذكر ولا مرة واحدة فى كتاب الله؟ فهل يُعقل ألا يُذكر اسم مدينة مقدسة في الدين (أي القدس) ولو مرة واحدة فى القرآن؟
ويطرح السؤال الثاني نفسه هنا وهو من كان يعيش وقت حادثة الإسراء في القدس؟، فلا يمكن أن يكونوا هم المسلمون أنفسهم لأن الإسلام كما هو معروف اليوم لم يصل إلى هذه المنطقة إلا بعد أن فتحها عمر بن الخطاب وذلك بعد وفاة الرسول ببضع سنين.
فكما وصفت كتب التاريخ الإسلامي فإن غزو القدس أو ما يسمى “فتحها” في سنة 637 م الموافق لسنة 16 هجرية، بدأ عندما قام جيش المسلمين – تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح – بمحاصرتها في شوال الموافق نوفمبر تشرين الثاني سنة 636 م ، وبعد ستة أشهر، وافق البطريرك صفرونيوس على الاستسلام.
أي أنه وقت حادثة الإسراء وزيارة الرسول للمسجد الأقصى لم يكن هناك مسلمون أصلا يعيشون فى القدس وكان هناك أناس آخرون يعيشون فيها من مسيحيين و يهود، وقد يتعجب البعض كيف يسمى “المسجد الأقصى” مسجدا ولم يكن بالقدس مسلمون أصلا يتعبدون هناك؟
والتفسير يأتي من القرآن نفسه والذي استخدم تعبير مسجد لأي مكان يتم فيه التعبد والسجود لله تعالى، أي أن كلمة “مسجد” ليست مقصورة على الدين الإسلامي وحده كما يظن كثيرون، لكنها تعني المكان الذي يتم فيه السجود لله وحده في أي دين سماوي، ففي قصة أهل الكهف مثلا وهي منذ أكثر من ألفي عام أي قبل مولد الرسول عليه السلام بعدة قرون، استخدم القرآن تعبير “مسجد” ليصف مكانا للعبادة كان يريد الناس بناءه حول أهل الكهف “قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدا” (سورة الكهف آية 21).
أما السؤال الثالث فهو إذا كان ما يُطلق عليه “حق المسلمين” فى القدس مبنيا على أساس رؤية الرسول عليه السلام، أو انتقاله لها في حادثة الإسراء المعروفة “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى” (سورة الإسراء آية 1)، فهل يا ترى كيف سيكون الحال إن قال البهائيون للمسلمين أن نبيهم زار مكة في منامه؟
فهل سيكون ذلك مقنعا للمسلمين أن يتنازلوا عن مكة لهم لأن نبي البهائيين زار مكة مرة واحدة في منامه – كما هم يطالبون اليهود بالتنازل عن مدينتهم المقدسة (والتى تم ذكرها المئات من المرات فى كتابهم المقدس) لأن نبي الإسلام زارها فى المنام؟
والسؤال الرابع فى هذا المضمار هو ماذا سيفعل المسلمون بهذه الآيات القرآنية والتي تتحدث عن “الأرض المقدسة” أو كما تُعرف تاريخيا بأرض فلسطين:
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ (سورة المائدة آية 21)
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ (سورة طه آية 80) – و الأيمن أي الأكثر يُمنا أو بركة.
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ (سورة الأعراف آية 137)
كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (سورة الشعراء آية 52-59)
أما السؤال الخامس هنا هو كيف يتم استخدام تعبير “ثالث الحرمين” مع أنه لا يمكن وجود إلا أول أو ثاني للحرمين؟ أما التعبير المستخدم فهو خطأ فمن الممكن قول “ثالث الحُرُمْ” ولكن لا يمكن أن نُسمي شيئا “ثالث الحرمين”! فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن القرآن الكريم استخدم تعبير ثاني اثنين “إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ” (سورة التوبة آية 40) فلا يصح لغويا قول أن شيئا ما هو “ثالث اثنين” كما هو الحال في استخدام تعبير “ثالث الحرمين”.
فإذا كان التعبير الأكثر شُيوعا في العالم الإسلامي لوصف المسجد الأقصى هو تعبير خطأ ومستحيل الحدوث لغويا -أفلا يُشكك ذلك في مصداقية الأمر برُمته؟
و ما ذكرتُه فى هذه المقالة ما هو إلا تساؤلات حائرة تبحث عن إجابة.
و لتبدأ المناقشة!
 شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.