أحاول قدر المستطاع متابعة كتابات الشابه الواعدة نادين البدير.. بين سطورها أجد تحدي الشباب.. وصلابة الإرادة.. والخوف مما يجري في المنطقة العربية. خوفا على مستقبل الإنسان العربي فيها.. قرأت لها مؤخرا في صحيفة المصري اليوم مقالتها عن الوطن العربي تحت عنوان “” ودّعوه.. فهي آخر أيامه “”.. http://www.almasryalyoum.com/news/details/494682
تنهي مقالتها فيها بحرقة وضياع وإستسلام للأحداث.. وتتساءل “” ما مصير بقية الآخرين أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى.. وما مصير العروبيين والليبراليين والأحرار “”؟؟؟؟ ولكنها تستسلم ( وهو مالم أعهده منها )… حين تكتب “”” إن أرض الله واسعة. ستستوعبنا وتستوعب البقية القليلة من أوطاننا ولو مسحوها من الخريطة “”….
زميلتي في الحس الإنساني.. أتابع كتاباتك.. وأتفق معك في الكثير من آرائك.. ولكن إسمحي لي أن أقوم اليوم بتحليل ما جاء في مقالتك هذه….
سأبدأ من تعبيرك… “”من قال إننا كلنا مسلمون. أو كلنا أهل سنة. من قال إننا كلنا إقصائيون. أو كلنا إخوان أو سلف. أين المسيحى والشيعى والصوفى؟ أين العربى؟ أين السورى أو المغربى أو المصرى أو السعودى؟”
أوافقك.. بأننا مختلفون وعلينا قبول إختلافاتنا.. وأختصرها بأننا كلنا بشر… وكلنا بحاجه للإرتقاء بإنسانيتنا بدلآ من التناحر على جنسيات وأديان.. ومذاهب.. وطوائف تقف كلها في طريق آدميتنا.. ’تحجّر قلوبنا وتعمينا عن الروابط الإنسانية التي هي طريقنا للأمن والحياة… كما تقولين.. نعم تسلل الفكر الإسلامي المتطرف والكاره والرافض للآخر وهو ما تشبعت به الملايين من الأجيال الجديدة… ولكني أقول.. هذا هو الفكر الذي من واجبنا التصدي له.. لآ أريد أن يكون هناك وجود لمثل هذه المسميات.. لا أريد أن ’يكتب في أي من جوازات السفر.. الدين ولا المذهب.. أريد مواطنه وأريد سيادة لقانون واحد ’يطبق على الجميع بالتساوي وبالعدالة… لا ’يعقل أن تطبق كل طائفه قانونها الخاص في وطن واحد يجمعها مع طوائف أخرى.. الرابط الوحيد الذي سيروج لمواطنتنا وهو ما سيحمينا من التخلف هو رابط إنسانيتنا المشتركه.. فقه التخلف لن يجد طريقة لأجيالنا إلا حين يتم فصل تام بين الدين والدولة.. حينها سيشعر إبني وإبنك وإبن كل إمرأة بالمساواة وهي ما ستعمل على أمن كل أبناؤنا… ولن يكون هناك طريق لأي مذهب ليفرق بينهم… او ليفضّل أحدهم عن الآخر..
تقولين “” يرفض الإستعمار منحنا أوطانا لها حدود نافع عنها ونذود “” وتكملين “” ستتفتت الحدود بين الدول العربية.. وستجبرك العولمة الإسلامية على إضطهاد إبن بلدك لحساب فرد يعيش في أندونيسيا “”
أولا ليس هناك إستعمار.. لأنه إنتهى وبلا رجعه.. من يؤمن بالإستعمار.. إنما يؤمن بنظرية المؤامرة.. وهي غير موجودة على الإطلاق ما هو موجود هو مصالح مشتركة.. نحن ’مستعمرون بالفكر الظلامي.. نحن مفتتون بعاصفة ظلامية مدمّره.. ولأجل هذا على الليبراليون والمفكرين مسؤولية عدم الخوف والصدق.. وحماية تلك الأقليات من إنتشار هذا الفكر الظلامي ز. علينا التصدي لهم بالجدل والحوار الديني.. وفتح كتب التراث والتدقيق فيها.. وعدم الدفاع الأعمى عن كتاب إجتهدوا في عصرهم.. ولكن ما جاءوا به غير صالح لهذا العصر.. أرض الله الواسعه لن تستقبلنا لخشيتها من بقايا هذه الأفكار المسممه لعقولنا. علينا العمل من الداخل لمحاربة هذه العاصفة.. المتمثله بالفكر الظلامي.. الذي يضرب المنطقة.. ويعصف بالدولة.. تاركا خلفه دولة دينية لا تصلح للزمان.. علينا العمل معا لإيجاد أفضل وأسرع الطرق للتخلص من هذا الفكر المدمر..
لنكن صادقين مع انفسنا.. الحقيقة أنه لم يكن هناك وجود عربي في أي من الدول إلا بعد فتحها وعربنتها.. وذلك بفرض الإسلام أو الجزية أو القتل “”تماما كما يحدث الآن من داعش في الموصل “”..التعريب تم من خلال حفظ القرآن.. ومنه تعلمنا لغة قريش.. قليل هي الدول التي إعتنقت الإسلام ولكنها رفضت التعريب الكامل… مثل إيران مثلآ.. وعليه جاءت ثقافتها مزيجا من الثقافة الفارسية التي كانت أكثر حضارة آنذاك.. مخلوطة بالديانه التي فرضت أشكالا جديده مرتبطة بالتدين… ولكن علينا الإعتراف أيضا أن إسلام اليوم.. يفرقنا أيضا… وأن الصور الخارجه من مسلمي داعش تقززنا.. وتفضح تراثنا.. ونسارع للتبرؤ منها.. ولكن بصمت مخجل.. خوفا من ان تطالنا داعش وأخواتها.. أو يطالنا المجتمع الذي يرفض القبول بحقيقة أن الإسلام دين مثله مثل بقية الأديان الأخرى.. فيه الكثير من الإيجابيات.. ولكنه أيضا يحفل بالكثير من الأمور التي تخضع لتأويلات.. تفقد خلالها رحمة الله وعفوة… وداعش وأخواتها هو ما جنيناه من سكوتنا ومن صمتنا..
تقولين.. وبحرقه.. “”أما التغنى بأمجاد ما كان يجمعنا من وحدة تاريخ ولغة وعرق وأرض.. فكلها كلمات سيجهلها أبناؤنا “”
أنا أفضل أن يجهل أبنائي كل الأمجاد هذا إذا كانت هناك أمجاد.. على أن أضمن لهم الأمان الإقتصادي.. والحرية
أنا أفضل أن لا يعرف أبنائي من تاريخي وديني إلا أنه جامع لا ’مفرّق.. جامع بين كل البشر بغض النظر عن دينهم وعرقهم ولونهم. أن يعيش إبني وإبنتي في كنف دولة تحمي لهم مواطنتهم وتحترم حقوقهم أسوة بكل المواطنين الآخرين. أنا أفضل أن يعيش أبنائي في ظل سيادة قانون واحد ’يطبق بعدالة ومساواة على الجميع..
تقولين بحرقة.. “”بعد سنوات قليلة (إن لم تحصل معجزة) ستتغير الخارطة العربية كلياً. ستختفى حدود وتظهر بدائل جديدة. هذه المرة يرفض الاستعمار منحنا أوطانا لها حدود ندافع عنها ونذود”””
دعني أقولها وبكل صدق.. إنتهت خرافة الوطن المقدس.. المقدّس الوحيد في رأيي هو الإنسان.. هو الطفل.. وأيضا دعيني أفسر بأن.. فكرة الحدود هي فكرة مصطنعه.. قامت بها الحكومات وهي تعتقد أنها بذلك تحمي مواطنها من الغزو والإستيلاء على موارده.. إلى أن إستفاقت الولايات الأميركيه أولا ثم الأوروبية بعد الحربين العالميتين.. إلى أن حماية المواطن وحماية إستمرارية وجودها لا تتحقق إلا بالتأمين الغذائي.. والتنمية الإقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على فكرة التبادل الإقتصادي وحرية التنقل.. أوروبا أعطت الحق لمواطنيها في الإنتقال من دولة لأخرى لتحسين مستوى المعيشه وتحسين وضعه الإقتصادي.. حماية لأمن كل دولة في الإتحاد… الولايات المتحدة الأميركية حافظت على أمن ولاياتها حين أعطت الحق لولاية أيوا الفقيرة في ثروة ولاية تكساس النفطية…
نعم يجب أن تتغير الخارطة العربية.. ولكن ليس إلى دول معزوله وإنما دول تتفهم المعنى الحضاري للإنسانيه وتتكامل إقتصاديا وتسمح لمواطنيها بالإنتقال الحر من دولة إلى أخرى بدون حدود تحرسها ميليشيات.. وجيوش تكدس الأسلحة لإستعمالها على الحدود ضد أخيها الإنسان… أن تتقاسم لقمة العيش كما تقاسمتها تكساس مع أيوا… كان مخجلآ جدا أن أسمع من صديقة فرنسية تعمل في تأجير اليخوت.. عن رفضها لطلب تاجير يخت من شاب سعودي لا يتعدى 22 عاما.. يريد دعوة 4 من أصدقائه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في سان تروبيز.. ورضي بأن يدفع مبلغ التأجير لأسبوع كامل بدل يومين وهو ما يفوق 250 ألف يورو.. في ذات الوقت الذي أسمع فيه عن أم (سوريه أو فلسطينية ) تقول أن أكثر ما يوجعها حين يصحو أبناؤها في منتصف الليل يسألونها عن طعام بعد أن ناموا بدون عشاء……
لا أريد حدود لا حقيقية ولا مصطنعه.. أريد أن لا ينام طفل بدون عشاء.. أن لا ’تفجع إمرأة على إبنها.. أن يجد كل معاق عناية تؤهله للعيش كباقي الأفراد الطبيعيين.. أن لا ’يحرم إنسان من علاج ويموت بألمه.. نعم المنطقة العربية تمتلك كل المؤهلات الطبيعية والإنسانية لتكون في مصاف الدول المتحضرة.. في خدمة مواطنها.. كم من الزمن سنحتاج لمثل هذا التغيير… كم من الأرواح ستزهق في سبيل هذا التغيير..
إنها معركتنا لإسقاط هذا الفكر الظلامي المتخلف.. صوتي وصوتك بلا خوف ولا تردد.. ومن خلال كتاباتنا.. نحاول قدر المستطاع التأثير بالعقل وبالمنطق وبما يفيد المصلحة العامة.. لنعيد بناء قيمنا الإنسانية بناء على المواثيق العالمية للحقوق وبالذات حقوق المرأة.. لأن إنعدام العداله بين المواطنين. سواء المرأة او الرجل.. المسلمة والمسيحية. المتعلمة والأمية لا يمكن أن يساهم في بناء قيم الديمقراطية.. ولتسريع هذه العملية علينا العمل المستمر والمتواصل من داخل المنطقة العربية على فصل الدين عن الدولة..بقضاء جديد عادل. ورادع لكل من تسول له نفسه أن يخرق القانون ليقتل إمرأة تحت أي تبرير ديني أو ثقافي.. وبمناهج تعليميه تستند إلى القوانين العالمية في حقوق الإنسان وبالذات في حقوق المرأة… لأن العالم الخارجي لن يستطيع إستيعاب كل المهاجرين ومن حق الجميع أن ينعم بالأمن والحياة في وطن ’يكرّم كل مواطنية بالتساوي…..
ولك مني أطيب التحيات..
منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية
المصدر ايلاف