هل التقى الأميركيون بمستشار الأسد؟

بقلم جويس كرم/
ضج الوسط السياسي والإعلامي هذا الأسبوع بتقارير منسوبة “لمسؤول من التحالف الإقليمي الداعم للأسد”، تفيد بأن وفدا أميركيا توجه إلى دمشق واجتمع بمستشار الرئيس السوري بشار الأسد للأمن القومي، علي المملوك، الذي بدوره رفض التعاون مع الولايات المتحدة قبل البت بملفات مصيرية مثل التطبيع مع النظام، حصة النفط، والانسحاب الأميركي من سورية.
قبل الولوج بصحة التقرير ومضمونه، يجب التنويه أن هذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها تسريبات شبه مطابقة عن هكذا اجتماعات. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أفادت تقارير مصدرها إيران بلقاءات لوفود أميركية وصلت سورية عبر لبنان للاجتماع أيضا مع المملوك.
يخطئ من يعتقد أن الأميركيين بصدد الانسحاب من سورية أو على الأقل أن نظام الأسد سيحدد جدول أعمال الأميركيين
وفي الخريف الماضي أفادت تقارير أخرى بأن مستشارين للأسد أطلعوا الأوروبيين أن أي تعاون في قضايا الإرهاب يشترط عودة العلاقات الرسمية مع دمشق، وباستخدام العبارات نفسها التي شاءت الصدف أن يكون استخدمها المملوك مع الأميركيين.
هذا التطابق يفترض درجة عالية من التشكيك بمصدر هذه التقارير وبمصداقيتها ومطابخ كتابتها، كونها تتكرر على الورق من دون أن تنعكس واقعيا لا على العلاقة الأميركية مع النظام أو على الاستراتيجية المحيطة بسورية.
إنما وبالعودة إلى الاجتماع المزعوم بين المملوك والأميركيين في حزيران/يونيو الفائت، نفت الإدارة الأميركية بشقيها الاستخباراتي والديبلوماسي مضمون تقرير وكالة “رويترز”. فالخارجية الأميركية على لسان الناطقة هيثر نوارت اعتبرت أنه “لا يعكس الواقع” وليس هناك علم به في الوزارة.


وبالنسبة للجانب الاستخباراتي، فقال لي مسؤول استخباراتي إن لا صحة لما نقلته الوكالة. هذا النفي لا يعني أن لقاء ما لم يتم، إنما هو لدحض المضمون المسرب للقاء والذي يحمل من السذاجة ما يكفي ليجعله ضعيفا وغير قابلا للتصديق حتى من باب الدعاية السياسية.
أولا، من المعروف أن القناة الاستخباراتية موجودة بين واشنطن والنظام السوري منذ سنوات للتنسيق بملفات السلاح الكيماوي واختفاء الصحافي الأميركي أوستن تايس. هذه القناة لا تحتاج إلى مواكب سيارات ووساطات دولية ولقاءات في المكتب الجديد للمملوك في المزة.
مصادر تتابع الملف السوري، قالت إن الاجتماعات حول مصير تايس تكثفت في المرحلة الأخيرة بين الأميركيين والنظام، وإنه كان هناك لقاء أول الصيف إنما لم يتطرق لا لملف الانسحاب الأميركي ولا لموضوع النفط أو تطبيع العلاقة. أما سبب ذلك، فهو أن هذه اللقاءات يحضرها مسؤولون من درجة متوسطة من سفارات أميركية محيطة بسورية، وليس أصحاب المواكب في واشنطن.
ثانيا، يخطئ من يعتقد أن الأميركيين بصدد الانسحاب من سورية أو على الأقل أن نظام الأسد سيحدد جدول أعمال الأميركيين. فها هو المسؤول من البيت الأبيض ويليام روباك يجول في دير الزور قبل أيام.
قناة الاتصال تركز على ملف الصحافي الأميركي تايس وليست حول تطبيع أو تعاون قريب
وها هو جيمس جيفري، أحد أبرز المدافعين عن استمرار الوجود الأميركي في سورية، يتولى منصب المبعوث إلى سورية ويستعد للتوجه الى جنيف. أما النفط، فتوزيعه وحصصه ترتبط بحلفاء واشنطن في سورية أي قوات سورية الديموقراطية ومناطق تواجدها والمفاوضات التي تجريها مع الأفرقاء المختلفة.
أي لقاء بين المملوك والأميركيين، وفي حال كان قد حدث، لم يكن بالمستوى الذي نقلته المصادر المقربة من النظام، وقناة الاتصال تركز على ملف الصحافي الأميركي تايس وليست حول تطبيع أو تعاون قريب.
فسورية لم تكن أولوية لواشنطن قبل الحرب، ولم تصبح أولوية خلالها ومن المستبعد أن تكون بعدها طبقا للمحاصصات الجارية.
أما التسريبات وتوقيتها، فهي لا تستهدف أميركا وصانعي القرار فيها، بقدر ما هي رسائل موجهة للاعبين المتصارعين في الداخل السوري، والتصورات لموقع النظام من حلفاء يحللون ويطبخون التقارير في العواصم القريبة.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.