هكذا هي الحياة

wheatfieldهكذا هي الحياة, ضحكنا فيها كثيرا وبكينا فيها كثيرا, أحيانا كنا نمسح فيها دموعنا بأكمام قمصان نومنا وأحيانا كان بعض الناس يمسحون فيها دموعنا وفي أغلب الأيام نمنا من دون أن نعثر فيها على أي أحدٍ يمسح فيها دموعنا, بكينا فيها على أرصفة الطرقات وبكينا فيها على أسرّة نومنا, واندهش فيها الناس من قدرتنا على تحملِ ما فيها من عذاب, وأحيانا مسح الناسُ فينا الأرضَ وأحيانا مسحنا ببعض الناس الأرض من تحت أقدامنا, جلسنا فيها على أرصفة الطرقات وأبحرنا في شوارع القرية والمدينة ليلا ونهارا, خبأنا فيها أسرارنا تحت جنح الظلام وروت الناس عنا الكثير من الحكايات, كنا في أغلبها محلا للسخرية وأحيانا ظهرنا في روايات الناس كأبطال رومنسيين عشقوا وذابوا في العشق, وصرنا على ألسنة الناس حكاية ليس لها بداية وليس لها نهاية, وتصادمنا فيها مع الكثير من الناس الذين أُصبنا منهم بخيبة أمل كبيرة, وورثنا عن أسلافنا الهمومَ والأحزان وشربنا فيها مُرَ الدواء, وعلقنا بين أنسجتها العنكبوتية وكُنا فيها الضحية وكنا فيها المساكين والدراويش الذين لا يطلبون أكثر من الستيرة, هكذا هي الحياة تلقينا فيها الكثير من الدروس وتعلمنا فيها المزيد من الأخطاء وحين كتبنا للناس عن خبرتنا في هذه الحياة اكتشفنا بأننا لا نكتب عن خبرتنا وإنما نكتب للناس ونكشف لهم عن أخطائنا الكثيرة لكي يقرؤوها ويتعلموا منها منا, ولكن للأسف لم يتعلم أحدٌ من أخطائنا مطلقا تماما كالأخطاء التي عرفناها في السير والتراجم لكثيرٍ من الناس, وفي النهاية نتعلم من بعض ونستفيد من أخطاء بعضنا ولكن ليس في كل المرات والدليل أننا لم نتعلم من الذين سبقونا وكذلك لن يتعلم اللاحقون بنا من خبرتنا وأخطائنا.

هذه الحياة مارسنا فيها ملذاتنا وأحببنا فيها منذ نعومة إظفارنا الكثير من الأشياء وكرهنا فيها الكثير من الأشياء وبعد مرور السنين الطوال صارت حياتنا عكسية حيث مع الأيام أحببنا ما كرهناه وكرهنا الذي عشقناه, وأخيرا جاء اليوم الذي ننقلبُ فيه على أنفسنا حيث أحببنا ما كنا نكرهه وكرهنا ما كنا نعشقه, حتى أصناف الطعام جاء اليوم الذي بدلنا فيه رأينا فيها..هكذا هي الحياة تكون في بداياتها مغرية جدا وتغرينا بحب الحياة ولكن مع مرور الزمن نبدأ شيئا فشيئا بالتنازل فيها عن الكثير من طموحاتنا وأحلامنا وكما قيل: كل الأشياء تبدأ صغيرة ثم تكبر ما عدى الأحلام تبدأ كبيرة ثم تصغر مع مرور الزمن, ونحن في هذه الحياة كما ترون, فكم كنا متحمسين جدا للحياة وكم كننا نتمتع فيها بالكثير من النشاط والحيوية ولكن ها نحن اليوم نجلس في بيوتنا كُسالى جدا مصابون بخيبة الأمل والإحباط ونحن ما زلنا في عز الشباب, حياتنا فيها الكثير من الصخب والكثير من الرجاء, شاهدنا فيها حياة بعض الناس تماما وكأننا نشاهد فيها فيلما من الرُعب, إن هذه الحياة مخيفة جدا حين نكتشفُ حقيقتها ومرعبةٌ جدا وتافهة جدا وتنقصها الأشياء التي تجعلني سعداء جدا, إننا جربنا الحياة وجربنا فيها كل الأشياء التي من الممكن أن تسعدنا وتفرحنا ولكننا في كل مرة كنا نعود منها ونحن فارغي الأيدي ليس في أيدينا أي شيء, في هذه الحياة ومنذ بدايتها كنا نحمل فيها الكثير من الآمال والكثيرَ من الطموحات وكانت حيويتنا كشباب تمدنا بالكثير من الطاقة, وكنا فيها نضحك على أسلافنا, كنت أنا مثلا أضحك على جدتي التي كانت دوما تحمل معها كيس الدواء أينما ذهبت, والمضحك أنني بدأت أشعر بأنني قريبا جدا سأصبح مثل جدتي أحمل أينما ذهبتُ كيس الدواء في يدي وتحت أبطي, وأخرج من كل جيبة وجيبة نوعا جديدا من الدواء أو المضاد الحيوي.

هكذا هي الحياة وبرغم قسوتها لا نشبعُ منها مطلقا ولا نملُ منها مطلقا, نتمسك فيها بالحياة بكلتا يدينا ونتمسك بها بيدنا وبأسناننا ونتمنى فيها كل يوم أن تزداد أعمارنا وأن يمدنا الله منه بالقوة لكي نعيش أكثر ونتعذب أكثر, رأينا في هذه الحياة كثيرا وسمعنا كثيرا وأحسسنا فيها كثيرا وكانت مشاعرنا في كل لحظة تفضحنا وتكشف عن دواخلنا بكل ما في دواخلنا من ألم وحزن وعذاب .

هذه الحياة , حرمنا فيها أنفسنا من أشياء كثيرة وحرمنا فيها الله من أشياء حرمها علينا, وحرّم فيها علينا الأطباء أشياء كثيرة من أنواع الشراب والطعام من أجل صحتنا رغم أن الله حللها لنا, وأينما ذهبنا نصادف الحرمان في حياتنا, فمرة نحن من نُحرِمُ فيها أنفسنا ومرة الله يحرمنا فيها من أشياء كثيرة نحبها, ومرة الأطباء يحرموننا مما نحبه, ومرة تتدخل فيها الحكومة فتحرّم فيها علينا أشياء كثيرة حللها لنا اللهُ والأطباءُ, إن هذه الحياة بجد متعبة جدا وأحيانا مملة جدا فمن أين سنبدأ فيها برواية قصتنا؟.

هكذا هي الحياة, أحيانا كنا نشعرُ فيها بالجوع الشديد وبالعطش الشديد, وأحيانا شربنا فيها الكثير من الشراب وأكلنا فيها الكثير من الطعام وتنزهنا وتمشينا وتعاركنا وتقاتلنا, ورضينا وغضبنا, وصحبنا الحيوانات الأليفة والحيوانات غير الأليفة, ورأينا فيها بعض الناس مثل الحيوانات الأليفة ورأينا فيها بعض الناس كالحيوانات غير الأليفة , جرحَنا فيها من نحبهم وأصابونا في القلب ولملمنا جراحنا وسافرنا بعيدا عن الذين نحبهم, هكذا هي الحياة أيضا يومٌ تكون فيه معك وعشرة أيام ضدك , يوم نفرح فيها ويوم نبكي فيها ونندم على كل دقيقة عشنا فيها.. نفرحُ فيها يوما ونحزنُ فيها عشرة, وأخيرا حين رأينا أن الحياة رحلة قصيرة تصارحنا مع أنفسنا وسامحنا الذين أساءوا إلينا ورضينا بنصيبنا من هذه الحياة لأننا مهما تعبنا ومهما مشينا ومهما ركضنا لن ننال منها إلا نصيبنا , صحبنا كثيرا من الناس وتركنا صحبتهم وصحبنا أيضا الكثير من الناس وتركوا صحبتنا, وعاتبنا الكثير من الناس على زلاّت لسانهم وعاتبنا فيها الكثير من الناس على زلاّت ألسنتنا, مشينا فيها على أقدامنا آلاف الكيلو مترات وكنا نبحث فيها عمن يعشقنا ونعشقه وعمن يحبنا ونحبه ووجدنا الكثير من الذين أحبونا ولكن بعد فوات الأوان, بعد أن كبر أبناءنا ودخلوا المدارس , هذه الحياة اختبرناها كثيرا واختبرتنا كثيرا, أضحكتنا وأبكتنا, هكذا هي الحياة أعطتنا ما لا نحبه وأعطيناها ما نحبه, قضينا فيها الكثير من أوقات الفراغ وأغلقنا الأبواب فيها على أنفسنا لكي لا تسمع الناس نجوانا وصراخنا وأسرارنا المخفية خلف الأبواب المغلقة.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.