بقلم حازم الأمين/
تقول النكتة التي يتداولها لبنانيون هذه الأيام: “إيطاليا خارج المونديال، وهولندا أيضاً، والوليد بن طلال محتجز، وعناصر من حزب الله يعلقون صوراً لسعد الحريري في بيروت… من لَعِب بالـ
setting”.
وهذه واحدة من مئات النكات التي لم يجد اللبنانيون طريقاً لتصريف حيرتهم غيرها، ذاك أن ما يعيشونه اليوم لم يسبق لهم أن اختبروه، على رغم أن ما اختبروه ليس قليلاً، لا سيما في العقدين الأخيرين من عمر جمهوريتهم، وكانت الذروة الأربعاء، عندما أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون أن رئيس الحكومة سعد الحريري محتجز هو وعائلته في الرياض، وأن ذلك يعتبر عملاً عدائياً تجاه لبنان. وعند ذلك، لم يعد الاحتجاز قصة، إنما صار موثقاً بتصريح لرئيس الجمهورية. وها هو وزير الداخلية نهاد المشنوق وزير الحريري في الحكومة يثني على إدارة واحتضان عون لقضية الحريري، على رغم أن الأخير أعلن أنه سيتوجه إلى باريس.
أنت في بيروت اليوم ستشعر أنك فاقد بوصلة التوتر تماماً. لا تعرف مَن ضد مَن، ومن إلى جانب من! صورة الحريري علقها أناس لم يسبق أن أحبوه، لكنك تشعر اليوم أنهم فعلاً يحبونه. أقنعوا أنفسهم بأنه مخطوفـ”هم”، وأنه غائبـ”هم”، وهم لشدة ما اقتنعوا بذلك صاروا يحبونه. جرى ذلك بوقت قصير. أيام وساعات قليلة. محبوه غير الجدد نائمون في منازلهم جراء فقدانهم القدرة على تفسير ما يجري مع رئيسهم.
لكن لبنان أيضاً دخل نفق المواجهة الإقليمية والدولية قبل غيره. الساحة اللبنانية كانت سباقة في تظهير مستوى الاحتقان في الإقليم. فاستقالة الحريري، ومن ثم إقامته “غير الإرادية” في الرياض، وترجيح انتقاله إلى فرنسا، هذه الوقائع ليست أكثر من مؤشرات إلى مرحلة قاتمة لا يبدو أن لبنان محصن منها، لا سيما وأننا أصبحنا أمام حال من الانكشاف لا يرغب فيها أي طرف في إخفاء نواياه. طهران قالت علناً إن لبنان جزء من منظومتها التي انتصرت، وها هي الرياض تقول إن في لبنان رئيس حكومة يحمل جواز سفر سعوديا، يأتي إليها ويعلن منها استقالته. جرى ذلك في وقت تستعد فيه واشنطن لتنفيذ برنامج عقوبات ضد حزب الله يبدو أن الاقتصاد اللبناني لن يكون بمنأى عنها.
أمام هذه الحقائق، يستحضر اللبنانيون انقساماتهم بصفتها أقداراً. يسألون بعضهم بعضاً عما إذا كانت الرياض سترسل لهم أبناءهم الذين يعملون فيها، ويسألون عما إذا كانت إيران تخطط لحرب في لبنان. لا أثر لقناعة بإرادة لبنانية، وبقدرة أي جهة محلية على التأثير بمصائرهم. عندما تقول لهم طهران إن رئيس حكومتهم محتجز في الرياض يصدقون، وحين تقول لهم الأخيرة إن تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون هي جزء من الحملة الإيرانية على السعودية يصدقون ذلك. وهم يفعلون ذلك لأن كلا القولين صحيح، ولأنهم يدركون أن رجال السياسة في بلدهم منزوعو الإرادة، وأضعف من أن يكون لهم تأثير في مستقبل بلدهم.
في هذه اللحظة تظهر الهشاشة بصفتها قدراً صنعه اللبنانيون أنفسهم. فبلدهم ليس أثقل من ريشة في عاصفة عنيفة تنتظر الإقليم. انقساماتهم في هذه اللحظة تبقى مستمرة لكن وظيفتها هذه المرة تكف عن أن تكون احتقاناً. تتحول إلى نوع من الخوف ومن التضرع. يقبل أنصار الحريري أن رئيسهم محتجز في الرياض، ويقبل أنصار حزب الله أن تصريحات عون هي امتداد لموقعه إلى جانب طهران، لكن هذين القبولين لا يدفعان إلى أي مراجعة، إنما إلى نوع من التسليم بهذه الحقائق بصفتها أقداراً.
اليوم تحديداً يمكن للبنانيين أن يختبروا ما جنت أيديهم، وأن بلدهم هو المرشح قبل غيره أن يكون مسرحاً للمواجهة. فما جرى في الأيام الفائتة أزال ورقة توتٍ أخيرة كانت تستر الحياة العامة فيه. ما جرى مثل منتهى العراء، وحقيقة الحياد الذي كانت تدعيه حكومتهم صار فجأة منتهى الانحياز. طهران تقول إن بيروت لها، والرياض تقول إن بإمكانها تعطيل الحياة العامة فيها، واللبنانيون يشعرون أن طهران والرياض على حق.
على نحو مفاجىء اكتشفنا كم أن لبنان كان مرهوناً لدول تملك جماعات لبنانية بأكملها. نفوذ الرياض كان أقل وطأة لأسباب كثيرة، ونفوذ طهران كان مباشراً وهو ورث نفوذاً كان سبقه إلى بيروت هو نفوذ النظام السوري. اليوم حانت ساعة الحقيقة. مصالح الدول الأكبر تقتضي حرباً وتقتضي عقاباً، وما علينا سوى أن ننتظر مصائرنا ونحن فاقدو القدرة على التأثير فيها.
هذا ما جنت أيدينا طوال العقود الثلاثة الفائتة.
ــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمحرب #اسرائيل مع #حماس دينية ام سياسية ؟
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
١: بالمنطق والعقل ، هل يعقل ميليشيات عميلة تأسر دولة وشعب بقوة السلاح ، ومن يقول عكس هذا منافق بدرجة دكتوراه ، بدليل ماحدث في بيروت قبل أعوام ؟
٢: فعلاً هذا ماجناه اللبنانيين جميعاً على أنفسهم ، لأنهم سكتوا على باطل بحجم البطل ، فصار البطل برميل ؟
٣: وأخيراً …؟
نصيحة للبنانيين وخاصة الشيعة البحث عن ملاذ أمن في قم وطهران وليس حتى في العراق ، لأنه لا حدائق خلفية أمنة بعد الان لملالي إيران ، سلام ؟