ايليا الطائي
يؤمن المسلمون أن هاروت وماروت ملكان من السماء نزلا في أرض بابل ، وأنزل عليهما السحر ، امتحانًا وابتلاءً للناس ، حيث ورد ذكرهم في سورة البقرة الاية 102 :
((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْـزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) .
قصة هذين الملكين اوقعت المفسرين في حيرة في اصل هذه القصة وما سبب نزولها ، الا ان تفسير الطبري هو اكثر منطقية وقرباً لاساطير الشرق القديم من باقي المفسرين ، حيث ان قصته تقرب الى كون اشارته الى الثالوث البابلي القديم وهو (الشمس والقمر والزهرة) ، فجاء في تفسيره :
((1682 – حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حجاج ، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا : لما كثر بنو آدم وعصوا ، دعت الملائكة عليهم والأرض والسماء والجبال : ربنا ألا تهلكهم! فأوحى الله إلى الملائكة : إني لو أنزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ونزلتم لفعلتم أيضا! قال : فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا اعتصموا ، فأوحى الله إليهم : أن اختاروا ملكين من أفضلكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس ، وكان أهل فارس يسمونها ” بيذخت ” . قال : فوقعا بالخطيئة ، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا . ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا ) . فلما وقعا بالخطيئة ، استغفروا لمن في الأرض ، ألا إن الله هو الغفور الرحيم . فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا . [ ص: 429 ]
1683 – حدثني المثنى قال : حدثني الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن خالد الحذاء ، عن عمير بن سعيد قال ، سمعت عليا يقول : كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس ، وأنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت ، فراوداها عن نفسها ، فأبت إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء . فعلماها ، فتكلمت به ، فعرجت إلى السماء ، فمسخت كوكبا )) .
ويمكن تلخيص ما جاء به الطبري عن تلك القصة ومقارنته بنصوص الشرق القديم :
(ماروت والزهرة ، مرودخ وعشتار)
1- أننا نستطيع ان نشتق اسم ماروت من اسم الالهة البابلي مردوخ ( مار – دوكو ) او ( مار – اوتو ) ، فكلمة مار تعني ( سيد ) وكلمة ( اوتو ) تعني الشمس بالسومرية وهذا بالتالي يعني ان اسم ماروت يعني ( سيد الشمس ) ، اضافة الى ذلك فاسم ماروتو هو احد القاب الاله مردوك الخمسون .
2- القصة حدثت في بابل
3- هاروت ماروت ملكين مرسلين من الله ليعلما الناس السحر ابتلاء من الله
4- هناك امرأة ارضية تدعى الزهرة ( عشتار ) تغريهما ، فيراودانها عن نفسها ، مع العلم ان عشتار هي نفسها كوكب الزهرة عند البابلين .
5- هذه المرأة ( عشتار ، الزهرة ) اشترطت على هاروت وماروت ان يعبدوا الاصنام وشرب الخمر من أجل المتعة .
6- قرر الله ان يوقع بهم العذاب والمرأة سوف تمسخ الى كوكب الزهرة ( الالهة عشتار ) .
7- اصبح لدينا الان ( الشمس والزهرة ) وبقي ما ينقصهم هو القمر !! أين القمر؟؟
القمر هنا هو يفترض ان يكون ( هاروت )
8- وبذلك اكتمل الثالوث الديني الاهم في ديانة بابل
9 – وكذلك هو الثالوث الاهم عند العرب قبل الاسلام ( القمر والشمس وكوكب الزهرة ) والذي تمثل بـ( اللات والعزى والمناة ) .
كذلك يظهر مارتو في النصوص السومرية كاله للاموريين ، وله قصة جميلة ، تبدأ الاسطورة الاله مارتو عندما يرى انه يأخذ نفس حصة المتزوجين من الحصص الغذائية على الرغم من انه كان اعزب ، فكان الاعزب ياخذ حصة واحدة والذي له زوجة يأخذ حصتين والمتزوج وله طفل يأخذ ثلاثة حصص ، فذهب مارتو الى أمه يطلب منها ان تزوجه ، فقال لها : :
((انتخبي لي زوجة يا امي ، وسوف اجلب لكِ حصصي من الخبز!))
نص جواب والدته له مهشم من اللوح الا انه يبدو انها قامت بتقديم بعض النصائح له وربما نصحته بالذهاب الى مكان ما سكانه يبنون بيوت لهم .
لكننا نجد ان مارتو ذهب بعد ذلك الى مهرجان مدينة نيناب (في بابل) في يوم عيد المدينة ، وكان من بين فعاليات المهرجان هو اقامة مباريات الملاكمة والمصارعة ، فتوجه مارتو الى الساحة الكبرى وبحث عن خصوم اقوياء يصارعهم ، وصارع بعض الاشخاص الاقوياء وانتصر عليهم ، وهذا ما جعل اله مدينة نيناب (نوموشدا) يعجب بمارتو وقام بتقديم مكافأة له من الفضة ، ولكن مارتو رفضها ، فاعطاه احجار كريمة ولكن مارتو رفضها ايضا ، وقال لاله المدينة :
(( فضتك واحجارك الكريمة الى اين يمكنها ايصالي؟؟
كلا ان ما اريده هو الزواج من (ادينجكيدو) ابنتك ))
فوافق اله المدينة على ذلك ، ومنحه ابنته (ادينجكيدو) ، وقبل ان يعقد الزواج قامت احدى رفيقات (ادينجكيدو ) ابنة الاله بمحاولة ثنيها عن الزواج من مارتو وقالت لها :
(( انه يسكن الخيام
ويأكل الطعام النيئ
وليس لديه بيت يقيم فيه في حياته
وحين يموت لا يدفن دفناً مناسباً ولا حسب الطقوس))
لكن ادينجكيدو ابنة الاله ردت على رفيقتها ووقالت :
(( على الرغم من كل شيء ساتزوج مارتو
اسمعي اسمعي ….)).
اما هذه القصة في باقي الديِانات فقد وردت هذه القصة في كتاب التفسير اليهودي المدراش ، وكذلك وردت في اسطورة ارمينية باسم هاروت وموروت ، وهما اليهن كان الارمن يعبدونها قبل ان يصبحوا مسيحيين في الفترة مابين القرن الثالث والرابع الميلادي ، ووردت هذه القصة كذلك في نص زرادشتي متأخر في الافستا المتأخرة بوصفهما (هاورفاتات وأمرتات) وهما الصفتان الخامسة والسادية للاله اهورامازدا ، اللتان تشخصنهما الافستا المتأخرة على انهما رئيسا الرسل او رئيسا الملائكة .