مبروك للشعب التركي حسمه معركة المستقبل في سبيل المدنية والديموقراطية والحداثة …
إن نجاح حزب العدالة والتنمية وبنسبة تصويتية عالية فاقت التوقعات ،وبعد اثني عشر عاما، يؤكد أن تجربة الديموقراطية تمكنت في تركيا ثقافيا وفكريا وليس سياسيا فحسب، وأنها غادرت نهائيا عالم الاستبداد الشرقي بدون عودة …حيث سيكون للتجربة التركية فضلها على المسلمين في العالم قاطبة، من خلال برهانهم الواقعي على الأرض بممكنات تعايش الديموقراطية مع الإسلام ..
أي أن نخب رعيل القيادة الإسلامية الشابة في حزب العدالة والتنمية تمثلت التجربة الديموقراطية بوصفها خيارا نهائيا استراتيجيا، وليست مناسباتية ،ظرفية عرضية سياسوية،شعبوية من أجل صندوق الاقتراع ،للاستخدام (النفعي البيرغماتي) الانتخابي ولو لمرة واحدة وإلى الأبد ..
لقد توطنت الديموقراطية في أرض الأناضول بتوطن الحداثة المدنية خلال قرن، ولم تعد جسما غريبا في أرض المسلمين …الأرض التي فيها مسلمون، ولكن ليس فيها إسلام!!!
على عكس الغرب الذي ليس فيه أغلبية إسلامية، بل فيه إسلام أكثر من بلاد المسلمين، وفق ملاحظة الإمام محمد عبده منذ قرن ونيف …
مع الأسف أن مشروع الإمام محمد عبده التنويري (الليبرالي الإسلامي) فشل في بلده مصر ،لكنه نجح في تركيا التي كان الإمام يناصب نظامها العثماني الانكشاري الاستبدادي العداء، والذي نجح تلميذه النجيب (علي عبد الرازق ) أن يدمر فكرتها ورمزيتها في مصر من خلال كتابه الشهير (الإسلام وأصول الحكم)، عندما قرر الملك فؤاد أن يرث الخلافة بعد سقوطها في استانتبول 1924… والتي يأسف عليها الإسلام السياسي العربي حتى اليوم بل وينتظرون -بشكل مضمر- من أردوغان إعادة إعلان الخلافة ….
حيث يعتبرون تعايشه مع المدنية الدستورية العلمانية نوعا من التكتيك والمناورة والشطارة !!!
هل سيقطع الإسلاميون العرب مع النموذج (الآيتي والولايتي الطائفي الشيعي الإيراني) الذي يذبح مع حلفه الطائفي الأسدي (الشعب السوري)..
وذلك لكي يتعلموا في مدرسة الإسلام التركي التنويري: القراءة والفهم الحداثي النهضوي للإسلام، الذي يعترف بالآخر وبحقوقه الفردية والشخصية (بمأكله وملبسه ومشربه)، دون إقصاء أو ابعاد وتفرد، أي الإسلام التنويري بوصفه قادرا على التكيف مع العصر حسب الإمام محمد عبده، وليس العكس كما يفهم الإسلام السياسي (الأخواني العربي خاصة) أن على العصر أن يتكيف مع إسلامهم …!!!