نهاية قصة حب عبر الفيسبوك !؟

قصة قصيرة … تأليف طلعت ميشو .
منذُ أول أيام تعرفِه عليها من خلال الفيسبوك، عَرفَ وأحسَ بأنها تختلف بصورة من الصور عن بقية النساء،
جميلة، ذات جسد رائع، ذكية جداً، ومن النوع الذي يتمناها أي رجل واعِ مثقف لا يبحث عن النساء الغبيات كي يُهيمن ويُسيطر عليهن .
أكثر ما أحب فيها هو شخصيتها اللطيفة المتفتحة للحياة وثقافتها الواسعة ومرحها وطيبة قلبها وتواضعها، كانت تحمل تقريباً كل الصفات التي طالما بحثَ عنها في رحلة حياته في نساء كثيرات، لكنه فشل في إيجادهاجميعاً في إمرأة واحدة. وجدها نقية الكيان كَلَيلِ الصحراء الذي لم يُفسدهُ هِباب المداخن .
ومنذ الأسبوع الأول كان هناك تجاذب وتقارب وإنسجام سريع جداً بينهما وكأنهما يعرفان بعضهما منذ أيام المراهقة في بغداد، أحس أنها قريبة لعقله وقلبه ووجوده حتى رغم عدم إلتقائهما وجهاً لوجه، فكلٌ منهما يعيش في قارةٍ بعيدة عن الأخرى. ومنذ الأسبوع الأول أشعل لها وللحب شمعة دائمية في غرفة مكتبته، وكان حريصاً جداً على تجديدها كلما إحترقت وأوشكت على الإنتهاء .
خلال أربعة أشهر من الحب العنيف والعشق الساخن والرغبات المحمومة الصادقة وعشرات الساعات على الفيسبوك بين كلام وصور وفديوات ولقائات مُلتهبة عذبة شبه كاملة إستطاعوا أن يعرفوا بعضهما وكأنهما حبيبين في روحٍ واحدة ومنذ زمنٍ طويل.


وبسبب تضارب الوقت بين بلديهما فقد كان يتعين عليه أحياناً أن يسهر معها إلى ساعة متأخرة من الليل وحتى إنبلاج الصباح. لقد أعاده حبها ألى مراهق يتصرف بنزق وعفوية من أحَبَ لأول مرة في حياته !.
كان يعشق -ولدرجة الفرح الأبيض- كل ما يخصها ويتعلق بها من أمور وتفاصيل مهما كانت صغيرة !، وكيف لا بعد أن وجدها خلال بحثه الطويل عن “الأنثى الحلم” خلال سنوات التسكع على أبواب النساء الأخريات.
لِِذا أصبحت عشقه ونديمه وإلهه وهوايته وشغله الشاغل وسبباً كبيراً من سعادته الجديدة حتى رغم البعد الجغرافي الكبير بينهما. وكان يتسائل دائماً وهو يضحك مازحاً معها: من هو الغبي الذي زعم أنه ليس هناك حب حقيقي عبر الفيسبوك !!.
حين كان يزور صديقه المريض في المستشفى يروح يحكي له عنها وعن جمالها وشخصيتها وأناقتها ودلعها وشغبها المحبب وكل ما يتعلق بها من أمور بَحثَ عنها طويلاً خلال سنوات من علاقاته العديدة مع نساء قبلها ترك من تبقى منهن من أجل عينيها ولكونه ما عاد يشعر بوجود أنثى غيرها في حياته وفكره .
وكان صديقه في المستشفى يبتسم بسرور حين يُحدثه عنها كطفل صغير وجد لعبته المفضلة، ويقول له: “تمتع بما تحب ويهوى قلبك فالحياة قصيرة ومن العبث والغباء أن نرفض الحب حتى في عمر المائة عام، لا بل هي الخطيئة الكبرى أن نبتعد عمن نحبه ولإعتبارات إجتماعية ودينية عقيمة ومحنطة لا تسعد قلب الإنسان ” .
كان صديقه في المستشفى يعيش أيامه الأخيرة بسبب مرض خطير الَمَ به وأقعده وجعله نزيل المستشفى ويعيش بواسطة المكائن المربوطة عبر جسده النحيل الذي كان ينفصل ببطيء مؤلم عن الحياة في كل يوم جديد !.
بعد أشهر فاجأتهُ حبيبته بطلبها منه قطع علاقتهم نهائياً كمحبين وعشاق .. وأن تقتصر على الصداقة فقط !!!!!!!.
في البداية تصور انها تمزح معه كعادتها أحياناً …….. لكنه إصطدم بحقيقة انها تعني ما تقول وتصر على ما تعني !!، وعبثاً حاول أن يثنيها عن قرارها المُبهم الغريب !، لكنه وجد أنها كانت مصرة وجادَّة كالموت .
خلال شهرين طويلين لم ينقطع عن نقاشها ومحاولة إثنائها عن قرارها أو حتى معرفة الأسباب الحقيقية التي دعتها لإتخاذ مثل ذلك القرار المؤلم بالنسبة له على الأقل، حيث لم يكن يعرف بالضبط إن كان قرارها يؤلمها أو لا وكسلاح ذو حدين !، لكنه لم يستطع أن يعرف منها أو يستشف حتى أسباب ذلك القرار الذي صعقه ودمره لدرجة أنه كان عاجزاً عن أن يُسامحها كما طلبت منه بكل لطف وهدوء وهي تعتذر ولعدة مرات !!. لكن الإعتذار أحياناً يعجز عن شفاء الجروح العميقة للأسف !.
مرة واحدة في حياته أحب بكل صدق وجدية ورغبة عارمة مجنونة ملتهبة .. لكن الأنثى خذلته لا يعرف لماذا !!؟، ربما أحبت غي!، ربما ملَت منه لإنه كان متواضعاً وصادقاً معها ولم يقم بدور الرجل الشرقي المهيمن على أنثاه بكل عجرفة وغطرسة وتناذل !، ربما لإنها إنجرفت معه في علاقة حب عنيفة ومن ثم أحست بدورها كأم وزوجة وأحبت أن يتوقف كل شيء حتى رغم حبها له !، ربما تصورَت أنها أعطته أكثر مما يُفترض بها عبر الفيسبوك !، وربما وربما وربما .. ولكن ما كان يُدمرهُ هو السبب الحقيقي الذي يجهله والذي حَرَمَته من معرفته !!.
حاول المستحيل لإقناعها بأن حبهم شيء مقدس ومثالي ونموذج لا يحدث بين إثنين إلا نادراً، وأنه أكبر حتى من كل إرتباطاتهم العائلية لإنه حب حقيقي لن يتكرر ابداً في حياة أي منهما، لكنها كانت تُناقش معه كل شيء حياتي إلا أسباب قرارها المؤلم !، كانت تتهرب من إعطائه السبب وتؤكد له دائماً بأنه ليس بسببه هو بل بسببها !.
خلال شهرين من الإحباطات قَبلَ في فكره أحياناً فكرة أن يكونوا أصدقاء كما ترجته أن يفعلوا ولكن .. كيف سيكون صديقاً وهو مُغرم بكل دقيقة يقضيها معها ويغازلها ويهبها حبه وعشقه الذي لم يبذله لإحد بهذا الصدق والسخاء طوال حياته !؟، كيف سيكون صديقاً فقط وهو يعرف ويعشق كل تفاصيل حياتها وأمورها الخاصة وكل إنجٍ وإنحناءة وتدور وعمق خلابٍ ساحر ولذيذ في جسدها المتناسق الجميل ، لا بل حتى الوان ملابسها الداخلية قطعة قطعة وأصغر الأمور الشخصية في حياتها !؟.
كيف سيكون صديقاً .. وماذا ستكون المواضيع التي سيتحدثان بها من الآن فصاعداً !!؟. هل سيتكلمان عن الجو مثلاً أو الفيسبوك أو عن حديقته أو الأفلام السينمائية أم ماذا ؟.
قالت له مرة بأن علاقتهم “خطأ في خطأ ويجب أن تتوقف” … وكان رأيه أن الخطا لا بل الخطيئة هو حين يمنع الناس أنفسهم عن ما يحبون ويعشقون في هذه الحياة القصيرة المتصحرة !.
بعدها راحت تتجاهل رسائله وشوقه لها ولا تُجيبه على ما يُرسل لها إلا بعد أيام من إنتظاره وشوقه لزخةِ مطر منها !، أحس بأنها تبتعد عنه بسرعة نيزك هارب في سماءٍ مجنونة !. وكان دائماً يُتمتم وبحزن وأسى وحرقة مقطع الأغنية الخالدة : (( علمني كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق )) !.
تعب معها وأسقمه لحد المرض تهميشها له … وإحتار وتاه في دوامة رهيبة بسبب قرارها الغامض وبسبب تردي حالة صديقهِ الذي كان يعالج سكرات الموت كل يوم ولحد أنه لم يعد يعرفه حين يزوره في المستشفى!!. لم يكن هيناً عليه أبداً أن يفقد -وبنفس الوقت- شخصين من أحب وأقرب الناس على فكره وقلبه ووجودهِ !.
بعد أيام قررت عائلة صديقهِ أن يوقفوا المكائن التي تضخ الحياة لصديقه المريض، كان القرار مؤلماً للجميع، ولكن إتخذتهُ العائلة بعد أن أخبرهم الأطباء بأن مريضهم ميت على قيد الحياة، يتنفس ويعيش بلا حضور، ولكن بفضل المكائن المربوطة عبر جسده ووجوده الصامت الحزين !، لِذا أوقفوا المكائن اللعينة …. ومعها توقف تنفس صديقه إلى الأبد …..
تلك الليلة لم يستطع أن ينام !، كان حزيناً كمن فقد ذاكرته ومعنى وجوده، كان يُدرك في أعماقه أنه سيفتقد صديقه الراحل، كانت غرفة مكتبته تضيق به وعليه لأول مرة في حياته، أحس بأنه مخذول ووحيد وبائس وتائه كطفلٍ صغير وليس هناك من يشكو له ما يجول في قلبه وعقله وكيانه في تلك اللحظات. أحس بأن كل العوالم تتساقط في داخله وتتكسر فتجرح وجوده في الف موضع حساس .
كان واعياً لكل ما يحدث له، كان يعرف يقيناً بأن القرارات التي يتخذها الإنسان وهو موجوع الكرامة صائبة مهما كان عمق سيفها في القلب !، لِذا قرر شيئاً في داخله ….. وكما أوقفوا ضخ الحياة عبرَ المكائن لصديقه المريض، كذلك فعل هو حين راحت أصابعه تُطفيء الشمعة العزيزة في غرفة مكتبته !.
توجعَ وهو يُطفأها…. كانت رائحتها زكية وعطرة وطيبة، عَبَ صدره من رائحتها للمرة الأخيرة، وعِبرَ فضاء مكتبته كانت هناك صورة كبيرة وجميلة لإمرأة فاتنة أنيقة مغرية تعلو وجهها إبتسامة عذبة … قام بتمزيق الصورة الوهمية عبر فضاء الغرفة، وقرر أن يعيش بلا صور !.
وعبثاً كان يُحاول حبس دمعة كبيرة حارة سالت على وجنته ………
همس بهدوء وحزن مُر : أسامحك لإني أحبك .
المجدُ لكل من أحب بصدق وتجرد .
طلعت ميشو . Jul – 16 – 2018

This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.