محاضرات في النصرانية ( الادوار التي مرت عليها عقائد النصارى) . كتاب من تأليف الشيخ محمد ابو زهرة .
الشيخ أبو زهرة كان عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية سنة 1962م، وهو المجمع الذي أُنشِئ بديلاً عن هيئة كبار العلماء في مصر، وإلى جانب هذا كان الشيخ الجليل من مؤسِّسي معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة، وكان يُلقي فيه محاضراته في الشريعة الإسلامية .
يتضمن هذا الكتاب محاضرات عن العقائد التي يؤمن بها المسيحيون وشرح للاناجيل الرسمية والمنحولة ونبذة عن تلاميذ ورسل السيد المسيح ، كان الشيخ ابو زهرة يلقيها على طلبة معهد الدراسات الاسلامية وجمعها في كتابه هذا لتكون مرجعا لهم .
يدعي الشيخ ابو زهرة في مقدمة كتابه انه يكتب في النصرانية من غير تهجم ولا مضايقة لغير مسلم لأن البحث العلمي الذي يتبع فيه المنهاج العلمي السليم ، لا يصح ان تضيق به الصدور، ولا ان تنزوي عنه العقول ، وانه يعالج البحث العلمي القويم من غير عوج في القول ولا التواء في القصد .
القارئ المحايد لهذا الكتاب يجد فيه عكس ما يدعي مؤلفه وانه يحيد عن المنهج السليم بدوافع من الدين الذي يؤمن هو به وليس بمنطق النقد المحايد .
الكاتب المحايد والشارح لعقائد المسيحية ، عليه ان يكتب ما تؤمن به المسيحية من عقائد مهما كانت مخالفة لما يؤمن هو به ، لا ان يقيس تلك العقائد بمقياس الاسلام وما جاء به القرآن ، لأن المؤلف يكتب في موضوع عقيدة مغايرة لعقيدته وليس في موضوع مقارنة الاديان او نقدها، وليس من حقه ان يقارن العقائد المسيحية بالاسلام وما جاء بالقرآن بتجريح وانتقاص ان كان يبغي الحق والصدق في شرح العقائد المسيحية (النصرانية) كما هي .
لكن الشيخ ابو زهرة بحكم ايمانه وعمله في التدريس الاسلامي لايستطيع الخروج عما يؤمن به ، فيقيس المسيحية وعقائدها وتاريخ رجالها بمنظار اسلامي بحت، وهذا عين الخطأ في هذا الكتاب .
سنقدم امثلة قليلة على بعض ما كتبه الشيخ محمد ابو زهرة في كتابه ونبين الاختلافات فيها.
النصرانية
عنوان الكتاب ( محاضرات في النصرانية ) هو اول انحراف نحو الاتجاه الاسلامي في كتابه ، المعروف ان النصارى فئة من المنشقين عن الكنيسة الكاثوليكية الام ، انحرفت عن المبادئ المسيحية التي يؤمن بها كل مسيحيي العالم الان . كان قسم من النصارى يعيشون في الجزيرة العربية وجزء من الشرق الاوسط في ايام الدعوة الاسلامية بعدد محدود ومنهم ورقة بن نوفل والراهب بحيرا والراهب عداس المعاصرين لنبي الاسلام محمد بن عبد المطلب. وكانوا يؤمنون بهرطقات رفضتها الكنيسة وطردتهم منها ، وبمرور الزمن انقرضت هذه الفئة من المجتمع المسيحي منذ زمن بعيد ولم يتبق منها اي فرد حاليا .
فلن تجد اليوم في العالم ما يدعى بالنصرانية او النصارى ، بل المسيحيين والمسيحية . ما عدا شيوخ الاسلام المتعصبون والسلفيون يتمسكون بهذه التسمية المنقرضة لحد الان ولا يغيرونها في خطاباتهم الا ماندر.
وعندما يكتب الشيخ ابو زهرة عن عقائد المسيحية والمسيحيين في الزمن الحالي ، عليه ان يسمي الاسماء بمسياتها المستعملة حاليا ، لا ان يطلق على المسيحية اسم انقرض منذ 1400 سنة ولا تتطابق عقائدها مع المسيحية الصحيحة وتعاليم الكنائس العالمية.
ايمان بطرس ومرقس بالمسيح
في صفحة 74 من الكتاب يقول المؤلف ابو زهرة : ” علمتُ ان صاحب مروج الاخبارفي تراجم الابرار يُخبر: [ ان بطرس وتلميذه مرقس صاحب الانجيل الذي كان يعبّر عنه بأبنه كلاهما يُنكر الوهية المسيح .]
التعليق
الاناجيل الاربعة كلها تخبرنا عن شخصية المسيح واعماله واقواله ومعجزاته ، ومرقس احد الاربعة الذين كتبوا الاناجيل وسمي باسمه (انجيل مرقس) ، اما بطرس فهو رئيس تلاميذ المسيح الاثنا عشر والذي كلفه السيد المسيح شخصيا ان يرعى خرافه، اي ان يدير شؤون رعيته من اتباع المسيح والمؤمنين برسالته على الارض من بعد غيابه جسديا عنهم .
الانجيل بنسخه الاربعة كلها تبشر بالمسيح الذي هو كلمة الله المتجسد الذي حل فيه روح الله القدوس وكان الاله وابن الانسان . وهذا احد اركان الايمان المسيحي الذي ضحى بطرس ومرقس بحياتهم من اجل التبشير به وقتلا من قبل الوثنيين بسبب الايمان بالمسيح ربا والها دون ان ينكراه ، فهل يُعقل يا شيخ محمد ابو زهرة ما تدعيه وتعلم طلابك به انهما انكرا الوهية السيد المسيح دون الرجوع للاناجيل الصحيحة ؟
انجيل برنابا
يقول د. خليل سعادة مترجم كتاب انجيل برنابا الى العربية في مقدمته عن هذا الانجيل المزيف الذي يدافع عنه الشيخ محمد ابو زهرة بقوة ما يلي :
” وسواء كان كاتب الانجيل يهودي الاصل او نصرانّيه ، فمما لا شبه فيه أنه كان مسلماً “
” ان الثقات مجمعون على ان انجيل برنابا كُتب في القرون الوسطى .”
وهذا يدحض قول الشيخ ابو زهرة من ان تلميذ المسيح المدعو برنابا هو من كتبه في القرن الاول الميلادي .
جاء في صفحة 68 من كتاب ابو زهرة ما يلي :
” ان انجيل برنابا هذا يمتاز بقوة التصوير ، وسمو التفكير، والحكمة الواسعة ، والدقة البارعة ، والعبارة المحكمة ، والمعنى المنسجم ، حتى انه لو لم يكن كتاب دين لكان في الادب والحكمة من الدرجة الاولى ، لسمو العبارة وبراعة التصوير ” .
التعليق :
الشيخ محمد ابو زهرة يكتب وكأنه يصف القرآن وليس الانجيل المزيف المنحول المسمى ( انجيل برنابا ).
انه مفتون بسحر اللغة والحكمة الواسعة وبلاغة التعبير والعبارة المحكمة وكلها من تاثيرات لغة القرآن عليه، لكنه لم يتطرق في وصفه الى صحة مضمون ما جاء به هذا الكتاب المزيف ، ولم يذكر الاخطاء التاريخية والجغرافية والعقائدية التي وقع فيها مؤلف هذا الانجيل المزيف. ولم يقل كلمة حق في صدق حقيقة شخصية برنابا مؤلف هذا الانجيل المزعوم . المعروف ان الكذب حلال في الاسلام في بعض الحالات ، وهذا ما استخدمه الشيخ ابو زهرة في تحليله الكذب على طلابه وعلى قراء كتابه ، لم يوضح ابو زهرة لماذا احتوى هذا الانجيل على نصوص اسلامية بحتة مطابقة تماما للقرآن مثل ( ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) ولماذا تكرر اسم (محمد رسول الله ) عدة مرات في هذا الانجيل ، على فرض ان كاتبه من تلاميذ المسيح الاوائل الذي عاش في القرن الاول الميلادي ، فكيف عرف برنابا اسم محمد ، وذكر ايضا في كتابه ان آدم عندما ُطرِدَ من الفردوس راى على باب الجنة مسطورا باحرف من نور( لا اله الا الله محمد رسول الله ) ؟
شخصية برنابا
يؤكد الشيخ محمد ابو زهرة بكتابه ان كاتب انجيل برنابا هو قديس من قديسي المسيحيين، ورسول من رسلهم ، وركن من الاركان التي قامت عليها الدعاية للمسيحية الاولى . ويستنتج ابو زهرة ان وجود انجيل يحمل اسم برنابا لدليل على ان كاتبه هو تلميذ المسيح برنابا المقرب والملازم له في السراء والضراء . ويعتبر ابو زهرة برنابا هذا حجة عند المسيحيين وهو من الملهمين .
التعليق
المدقق النبيه لا يصدق الامور ببساطة دون تدقيق ، ولا يأخذها على علاتها دون دراسة و تمحيص ، ولا يعلّم طلابه ويكتب لقراءه عن الاخرين بما يستهويه هو ويلائم مشاعره ويطابق معتقداته. فما دام محتوى انجيل برنابا يؤيد ما في القرآن من نفي الوهية المسيح وانكار صلبه وانه شبّهَ بيهوذا الخائن وصُلب بدله ، وان كتاب برنابا ذُكرَ فيه ما بشّر به عيسى عن نبي جديد اسمه محمد، فهذا يكفي الشيخ ابو زهرة لتاييد برنابا وانجيله المزيف برغم الاخطاء الكثيرة الموجودة فيه ، واختلاف النصوص مع عقائد المسيحية . فقد انتشى الشيخ المسلم ابو زهرة فرحا وتهليلا بما كان المسلمون يبحثون عنه في الاناجيل بما يوافق القرآن عن انجيل يُذكر فيه بشارة عيسى بمحمد ، وها قد وجد ضالته في انجيل برنابا وتحقق صدق القرآن حتى ولو كان كتابا مزيفا ومخالفا للقرآن في جزء منه وانه سيدافع عنه بلباقته بلغة عربية بليغة ليقنع القارئ بصحة هذا الكتاب الذي رفضته الكنيسة جملة وتفصيلا.
لم يخطر ببال الشيخ ابو زهرة ان كاتب هذا الانجيل الذي يدافع بقوة عن صحته قد يكون انتحل اسم احد تلاميذ السيد المسيح المدعو برنابا ، وانه كُتبَ في العصور الوسطى رغم اعتراف المترجم بذلك ، وان مغالطات كثيره اكتشفت فيه واظهرت زيف هذا الكتاب .
ان مجرد ذكر الكاتب اسم محمد رسول الله مع عبارات اسلامية مأخوذة من القرآن في نصوص هذا الانجيل تكشف زيفه وان مؤلفه مسلم وضليع في العقائد والاديان المسيحية واليهودية والاسلام ويتقن اللغات العربية والايطالية والاسبانية . وانه من سكان الاندلس في القرون الوسطى. وقد اثبت تحليل الورق المكتوب عليه هذا الانجيل انه من القرن الخامس عشر .
اصل بولس وجنسيته
يطعن الشيخ ابو زهرة في صفحة 77 من كتابه في شخصية رسول المسيح بولس الطرسوسي (شاول) مدعيا عليه انه مارس الكذب والحيلة في اثبات نسبه وجنسه مستغلا قولين لبولس يعتبرهما الشيخ ابو زهرة متناقضين في اثبات نسبه وجنسيته . فيقول : ادعى بولس انه يهودي ليضع الفرقة بين الفريسيين اليهود وبين الصدوقيين . وادعى مرة اخرى امام الجنود الرومان انه روماني الجنسية بالولادة ليتخلص بالحيلة والكذب من عقوبة الجلد .
التعليق :
هذا افتراء من قبل الشيخ ابو زهرة متعمدا وليس بسبب عدم الفهم .
لقد فات او تجاهل الشيخ ان الامبراطورية الرومانية انذاك كانت تمتد سلطتها العسكرية والسياسية على امم وشعوب من ايطاليا وحتى الشرق الاوسط مرورا بآسيا الوسطى واليونان . وكانت فلسطين وسوريا ولبنان وشرق الاردن تحت سيطرتها وادارتها. وان شعوب المدن الواقعة تحت الاحتلال يمكنها اكتساب الجنسية الرومانية بالولادة بغض النظرعن ديانة تلك الشعوب ومعتقداتها استنادا للدستور والقانون الروماني، كما اكتسبها اليهودي الفريسي شاول (بولس) قانونا. وعندما قال لليهود انه يهودي وللرومان انه روماني الجنسية لم يكذب يا فضيلة الشيخ لأنها الحقيقة ، انه يهودي الديانة روماني الجنسية. كم انسان يدين بالاسلام اليوم ويحمل الجنسية البريطانية والامريكية والهولندية ؟ فهل هم يكذبون ام يتحايلون حسب مقياسك؟
صفات بولس
يتعجب الشيخ محمد ابو زهرة مؤلف كتاب عقائد النصرانية في الصفحة 79-80 من كتابه من سرعة تغيير بولس وانتقاله من الديانة اليهودية – المذهب الفريسي المتعصب – الى المسيحية والايمان المطلق بالمسيح والجهاد والمغامرة بحياته في العديد من دول العالم للتبشير بالمسيح ونشر تعاليمه بين شعوب الارض .
ويقول ابو زهرة في نقده لبولس : ” العجب كل العجب ان ينتقل شخص من الكفر المطلق الى الرسالة في الدين الذي كفر به ، وناوأه وعاداه . فإن ذلك ليس له نظير وليس له مشابه !”
التعليق
لماذا العجب يا شيخ ابو زهرة ؟ الم يحدث ذلك في ايام دعوة النبي محمد لدينه الجديد ؟ الم يكن العباس عم النبي رافضا لدين محمد ثم انقلب واصبح من المجاهدين في سبيله بعد عدة سنوات ؟
هل نسيت الخليفة الاموي الكبير معاوية ابن ابي سفيان وكرهه للاسلام قبل ان يسلم ويصبح اميرا للمؤمنين .
الخاتمة
الشيخ محمد ابو زهرة وهو يكتب عن عقائد النصرانية كما هي ويشرحها لطلابه في معهد الدراسات الاسلامية في الازهر، لم يستطع ان يخلع عبائته الاسلامية ويخلص لمبادئ الحق في الشرح بل لابد ان يميل بحكم عقيدته الاسلامية لأن يشرح الانجيل بالقرآن ، وهو يعلم ان هناك اختلافا جوهريا في العقائد بين الاسلام والمسيحية بالرغم من توافقهما في الكثير من الامور كالتوحيد والخلق والملائكة والعقاب والثواب الابدي والدعوة الى الفضيلة والتسامح واكرام الوالدين والاقرباء ورعاية اليتيم وابن السبيل والغريب والمحتاج .
يعلم القارئ الكريم ان البشر كلهم اخوة ابناء آدم وحواء ولانسمح للدين ان يفرقنا فنحن نعبد الها واحدا لا شريك له . ولندرك ان العبادة هي بين العبد وربه ولا شأن للاخرين بما نعتقد، فالدين لله وحده .
سامحك الله ياشيخ محمد ابو زهرة وغفر لك ما تقدم من ذنبك ، واسكنك فسيح جنانه .
30 آب 2013