نظرة إلى المال الصالح والطالح والمالح

mohamedbarziالدكتور محمد برازي
يحاول الأخ الدكتور محمد حبش في برنامجه اليومي عن المال الصالح ، أن يبيّن محاولات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في استثمار الموارد الطبيعية ، التي ( كرّس لها حياته ) من أجل إعمار الأرض ، وبناء محطات لتوليد الطاقة ، وحفر الآ بار ، وإنارة المدينة وبناء المؤسسات والجامعات اللازمة لدعم ورفد هذا المشروع ، وتوظيف طاقات الشباب واستثمارها في هذا العمل الرائع ، الذي سيصب في النهاية في صالح الإنسان ، والذي هو سيد هذا الكون ، وقد استنفر الرسول لذلك كل وقته وجهده واهتمامه لنجاح هذا المشروع البنّاء ، وقد أشار إلى أن سورة ( يس ) قد وجهّت المسلمين لإنشاء جامعة من ( 6 ) كليات لإسناد هذا المشروع ، ومنها ( كلية الحيوان ) وأعتقد بأن الأخ محمد كان يقصد بذلك ( كلية البيطرة )
ثمّ يلتفت بعد ذلك إلى مناقشة موضوع المرأة في الاسلام ، والإشادة بهذا الدور الذي أعطى صورة مغايرة لما في الأذهان ، وذلك من خلال سورة ( المجادِلة )
ومما يقوله في هذه الحلقة :
– كان للسيدة عائشة ( 110 ) تلاميذ من كبار الصحابة ؟
– المرأة المجادلة تحولت أمام النبي إلى ( نمر ) ووقفت تجادل الرسول .
– هذه المرأة تحوّلت إلى ( محامي عظيم ) وأصرّت على تعديل دستوري .
– لا أحد ( يخفّف الكلمة ) لا أحد يقول ( كانت عم تناقش .. عم تحاور ) .
– نزل القرآن بالإنتصار لهذه المرأة وتمّ ( تعديل الشرائع ) .
– ذكرت هذه المرأة في موقفها الذي أصرّت فيه عن الدفاع عن ( كلمة الحق ) .
– نحن نحاول أن نقترب من ذلك المجتمع( المليء بالمجد) الذي كانت نساؤه تؤتى من الحجّة والبرهان ( وتقف أمام الأنبياء وتقدم حجّتها وبرهانها ) .
———
وهنا استميح أخي الفاضل الدكتور محمد حبش عذراً في أن أحاوره فيما أفنيت فيه أكثر عمري تعلّماً وتعليماً ، والهدف من ذلك هو إخلاء المسؤولية أمام الله عز وجل عن كتمان هذا العلم .
– لم يذكر الأخ محمد أسماء هؤلاء الصحابة الذين كانوا ( تلاميذ ) عند السيدة عائشة رضي الله عنها ، ولم يبيّن إن كان ذلك في حياة الرسول ، أم بعد مماته ؟ وما هو حال صغار الصحابة ، وحال متوسطي الصحابة ، ناهيك عن بقية الناس ، وعليه ألا يحق لنا أن نتساءل : لماذا لم تأت هذه المرأة وتجادل السيدة عائشة ( استاذة الصحابة ) بمشكلتها ، بينما كان الرسول غارقاً بمشاكل الحياة وتنظيهما واستثمار مواردها ؟
– الظهار كان طلاقاً في الجاهلية ، وكان الرجل يقول لزوجته ( أنت عليّ كظهر أمي )
وكانت هذه الكلمة من أسوأ الكلمات عند العرب ، بل كانت من أشنع أنواع الطلاق ، وهذا عرف جاهلي ( وليس من الإسلام ) ومن المعروف بأن ظهر الأم هو محرم أكثر من الطلاق ، وكان من أشد أنواع التفرقة بين الزوجين لاعتبارات تحريم الأم ، لأن الأم لها المرتبة الأولى بين المحرمات ، والله سبحانه وتعالى يجلّ الأم من أن تكون موطء لولدها ، وما كفّارة الظهار إلّا صيانة لعقد النكاح من العبث به ، فالتغريب والتباعد مطلوب في الزواج ، يقول الشاعر :
تجاوزت بنت العم وهي حبيبة ….. مخافة أن يضوى عليّ سليلها
– ويقول الدكتور محمد ( لا أحد يخفّف الكلمة – تجادلك – ويقول : عم تناقش ، عم تحاور )
ما رأيك أخي محمد إذا لم يخفّف لك أي أحد تلك الكلمة ، بل الله سبحانه وتعالى خفّف هذه الكلمة وبصريح العبارة وليس بالكناية بل بالتصريح وذلك في قوله ( والله يسمع – تحاوركما – ) وهل هذا برأيك تخفيف للكلمة أم ماذا ؟ أنت تقول لا أحد يقول ( تحاور ) والله عز وجل يقول ( تحاوركما ) وأنت ماذا تقول ؟ والجدال في العرف ( أخذ وردّ ) أليس الأخذ والرد هو النقاش والحوار ؟ فلماذا هذا التزمّت والتضييق على اللغة ، لتوظيفها بما لاتستيطع الدلالة عليه بالطبع ؟
– إن هذه المرأة ، لم تتحوّل أمام النبي عليه السلام حسب وصفك لها إلى ( نمر ) ؟ ولم تتحوّل إلى ( محامي عظيم ) بل ولم تطالب ولم ( تصرّ ) على أي ( تعديل دستوري ) فمن أين أتيت بذلك ؟ ولا يوجد أي كلمة في النص تؤيدك بما ذهبت إليه ؟
– إن المشكلة كانت ( تجادل الرسول في زوجها ) وفي مشكلتها مع زوجها ، ولم تكن نمراً ولم تكن محامي ؟ لأن قولها ( إن ضممتهم إليّ جاعوا ، وإن ضممتهم إليه ضاعوا ) هذه شكوى ، وليست مخاصمة ولا محاججة وليست طلباً لتعديل دستوري ؟ ولا شيء يدل على ماذهبت إليه من دلالات ، وكل مافي الأمر كما يقول الله سبحانه وتعالى ( تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله) ( والله يسمع تحاوركما ) وليس السمع بالأذن كما ذهبت إليه ؟ واستشهدت على ذلك بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصاحبه ، إن الله قد سمع قولها من فوق سبع سموات ، وذلك مانفته السيدة عائشة رضي الله عنها عندما قالت ( لقد كانت المرأة التي كانت تجادل بشأن زوجها في جانب البيت ، يخاطبها رسول الله وتجادله ، وأنا في البيت ، فوالله ماسمعت شيئاً ولكن الله سمع ماتقول ) وسمع الله هنا هو الاستجابة لهذه المرأة ، ونزول الحكم مباشرة وذلك هو قولنا في الرفع من الركوع ( سمع الله لمن حمده ) أي استجاب ، وكقول بعضنا ( سمع كلامه ) بمعنى استجاب له ، وكذلك مثل قولنا اسمع كلام أبيك .
وسماع الله عز وجل ليس كسماعنا نحن ، لأن الله سبحانه وتعالى ( ليس كمثله شيء )
فعندما يسمع أحدنا في منامه ويأكل ويشرب ويشاهد ، هل يكون ذلك بواسطة حواسه التي يعتمد عليها في اليقظة ؟ أم أنه يشعر بذلك بواسطة أدوات أخرى ؟ فما بالك بالله العظيم ( الذي ليس كمثله شيء)
وإن نزول الآيات التي أعقبت الحادثة ، كانت لإبطال عادة الظهار الجاهلية ، ولبيان حكم من يظاهر زوجته وأراد أن يراجعها ، وما يترتب عليه من اجراءات لابد من أن يقوم بها قبل ذلك ، ولم تشر كل هذه الآيات إلى ماذهبت إليه من ( وقوف هذه المرأة كالنمر ) ولم تذكر كتب السير والتاريخ قول المرأة الذي ذكرته في قولك ( والله ، الله أعدل من هذا …لازم يكون في حل ) ؟ ولم ينزل شيئاً تم بموجبه كما قلت ( تعديل الشرائع ) ولم تشر الحادثة إلى ان المرأة كانت تدافع عن ( كلمة حق ) بل كانت تجادل في أمر يخصّها وزوجها ؟ وتسأل عن حلّ لتلك المعضلة ؟
فأين ماذهبت إليه من أحداث ونتائج في هذه الفضية ؟
– وليس من المهم معرفة اسم المرأة المجادلة ، وقد اختلف العلماء فيها إلى أقوال ، وانتهت الأغلبية في ذلك إلى أنها ( خولة بنت ثعلبة ) وهي زوجة أوس بن الصامت شقيق عبادة بن الصامت .
فلا يهم اسم المرأة هنا بقدر مايهم المرأة ، فتحديد اسم المرأة يقيد الحكم بها ، وكلما حدثت مشكلة مشابهة احتاجت كل امرأة إلى حكم ، والله يريده حكماً عاماً لكي يشيع الخير في الزمان والمكان ، والقاعدة الفقهية تقول ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)
ولذلك لم يذكر الله عز وجل اسم زوجة الرسول التي لم تؤمن بما أرسل به زوجها ، وكذلك لم يذكر اسم زوجة من أدّعى الألوهية ، والذي لم يستطع أن يجعل زوجته تؤمن بألوهيته ، ومثل ذلك أسماء أهل الكهف وزمانهم ومكانهم ، والعبد الصالح ، لأن العبرة ليست بالأسماء .
أمّا في قصّة مريم فالأمر مختلف ، فلم يذكر اسمها فقط ، بل واسم ابيها ( مريم بنت عمران ) لأن الحكم هنا هو خاص بها ذاتها دون نساء العالمين ، ولا يتكرر لغيرها في كل زمان ومكان .
وبذلك يمكن أن نفهم الفرق الكبير بين التعبير ( بالوصف ) والتعبير ( بالاسم ) بين العموم وبين الخصوص .
ولذلك أتمنّى عليك أيها الأخ الكريم الدكتور محمد أن تتريّث في أقوالك وأحكامك ، وتتق الله في كلامه وأحكامه وقرآنه ، وأذكر نفسي وأذكرك برباعية عمر الخيام
هب الدنيا كما تهواه كانت …… وكنت قرات أسفار الحياة
وهب بلّغتها مئتين حولاً …….. فماذا بعد ذاك سوى الممات


About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.