«نصر» روسيا ومهمة بوتين المستحيلة في سورية

مصطفى كركوتي – الحياة | الأحد 03 كانون الأول 2017
ربما حقق فلاديمير بوتين انتصاراً عسكرياً وديبلوماسياً في حرب سورية المتوحشة، ولكن السؤال الأهم: هل هو قادر على كسب السلم وتحقيق تسوية قابلة للحياة؟ كيف يمكن موسكو تحقيق ذلك وهي تقدم للعالم بشار الأسد، المسؤول الأول عن الجرائم، كطرف رابح في الحرب؟
«انتصار» بوتين يضمن لنظام دمشق البقاء وإن كان يعزز أيضاً وجود موسكو العسكري، ولكن لهذا الانتصار تبعاته السياسية أيضاً.
روسـيا تقود الآن تحالفاً مهماً (على رغم التناقضات الحادة بين أطرافه) مع إيران وتركيا، في مسعى لرسم تشكيل جديــــد لسورية. السعودية، كلاعب رئيسي في الإقليم، وجدت فــــي التحالف الجديد ما يثير اهتماماً عبرت عنه جيداً من خلال زيــــارة الملك سلمان بن عبدالعزيز موسكو منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، وهي الأولى لعاهل سعودي إلى روسيا. آفاق التعاون بين البلدين واسعة النطاق باعتبارهما أكبر منتجـــين للطاقة في العالم، كما عكسها التوقيع على 15 اتفاقية بقيمة قدرت بثلاثة بلايين دولار بينها نظام دفاعي روسي إس-400. وزير الخارجية سيرغي لافروف وصف العلاقات بعد زيارة الملك سلمان بأنها «وصلت إلى مستوى نوعي جديد».
لا شك في أن لتدخل روسيا في سورية أسبابه وهي بطبيعة الحال مختلفة عن دوافع إيران وتركيا. وهنا تجد السعودية إمكاناً عملياً لمناقشة الملف السوري مع روسيا باعتبارها الطرف الأقوى في التحالف الثلاثي والجهة التي تمثل عملياً شريان الحياة لنظام الأسد. فاستقبال بوتين المفاجئ والسريع لهذا الأخير في سوتشي أكد على شكل العلاقة بين دمشق وموسكو.
فعدا أن أحد أهداف موسكو الرئيسية تأسيس موقع قدم لها في مياه المتوسط، وهو الوجود الوحيد لها خارج حدودها باستثناء شبه جزيرة القرم، يستهدف تدخلها منذ اليوم الأول حماية النظام والحيلولة دون تأثير «الربيع العربي» في شكل الحكم في المناطق القريبة من حدودها. وهذا ما حدث بالفعل إذ ساهم دخول موسكو بقوتها الجوية الضاربة منذ 2015 إلى جانب قوات «الحرس الثوري» الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني، في انتشال قوات النظام من هزيمة كادت تكون محدقة بفعل الثورة الشعبية التي كانت في معظمها عفوية في شمال البلاد وجنوبها وشرقها، وقبل زمن طويل من ظهور «داعش».
لولا هـــذا الدعم المباشر من موسكو وتزويدها قوات النظام بكـــل ما فقدته في المواجهة مع المعارضة الشعبية المتصاعدة وتوفير الغطاء الجوي وتقديم المساعدات اللوجيستـــية الأساسية لها، لَما تمكن نظام الأسد من البقاء طوال هذه المـــدة ومن لجم تقدم الانتفاضة الشعبية ضده. صحيح أنه لم يتـــم القضاء نهائياً على المعارضة، ولكن العملية الروسية ومعها تدخل إيران و «حزب الله» وخذلان العالم لها، أثّرت في معنويات الانتفاضة وأحبطت الكثير من آمالها.
طبعاً لا تزال ثمة قوى معارضة تنشط في بعض المناطق، لا سيما تلك الممتدة في الشمال على الحدود مع تركيا. ولا شك في أن هذه القوى ستستمر في المحافظة على مواقعها ولن يتمكن الأسد من دحرها ما دام دعم تركيا لها مستمراً. إلا أن هذا الدعم قد يتغير إذا ما دخل الرئيس الماكر رجب طيب اردوغان في صفقة شاملة مع إيران وروسيا والإدارة الأميركية لكبح جماح النشاط الكردي المعارض في سورية الذي تقوده «وحدات حماية الشعب الكردي»، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني. هذه الوحدات أكدت لنفسها ولمحيطها الإقليمي وجوداً عسكرياً مميزاً لها منتصف عام 2015، بانتصارها على ميليشيات «داعش» في بلدة عين العرب (كوباني) بدعم أميركي مباشر. في تشرين الأول (أكتوبر)، تم تشكيل تحالف قوات سورية الديموقراطية (قسد) من قوى مختلفة تشكل الوحدات الكردية عصبها الأساسي وبيدها وحدها مسؤولية وضع الخطط العسكرية.
بعد نجاحها في كوباني، استعدت الوحدات الكردية لخوض معركة تحرير بلدة عفرين الواقعة مباشرة عند الحدود التركية، التي يعتبرها أردوغان شأناً تركياً خالصاً لا يسمح لأي طرف آخر بالتدخل فيه. وكان الرئيس التركي قد رفض اقتراحاً بتوجيه الدعوة إلى «قسد» للانضمام إلى مفاوضات سوتشي المرتقبة، وأجرى اتصالاً مع الرئيس الأميركي في هذا الخصوص الذي لم يستجب لطلبه فحسب، بل أبلغه (وفق الرواية التركية) أنه قرر وقف الدعم العسكري وأمر بإيقاف توريد الأسلحة إلى «قسد» التي تقودها الوحدات الكردية. تركيا في النهاية حليف استراتيجي عضوي للولايات المتحدة وركن أساسي في منظومة الناتو، وباتت واشنطن تدرك جيداً أن لا شيء عنده أكبر من الهاجس الكردي الذي يدفعه لتغيير تحالفاته بسرعة ومن دون إنذار مسبق.
إذاً، الانتصار الروسي في سورية كما ترغب موسكو في أن تنظر إليه، هو بالنسبة لبوتين تمرين في الواقعية السياسية لا يأخذ في الاعتبار على الإطلاق انتقادات المجتمع الدولي لسلوك روسيا في سورية. فموسكو تقف إلى جانب نظام حكم لا يوجه أسلحته الفتاكة ضد شعبه فحسب، بل يرتكب جرائم حرب أيضاً. فهي حمت حكومة بشار الأسد أمام الضغط الدولي احتجاجاً على استخدامه غاز السارين وأسلحة كيماوية أخرى ضد أهداف مدنية عدة في السابق.
هذه من المسائل التي قد تعرض موسكو لمشاكل ديبلوماسية مقبلة. فالتحالف الذي يجمع موسكو مع دمشق وطهران وأنقرة راهناً قد لا يصمد نتيجة تغير أو اختلاف الأهداف الاستراتيجية لكل منها في المدى المتوسط. أضف إلى ذلك مسألة مهمة تتعلق برغبة إسرائيل في كبح النفوذ الإيراني في دمشق، وواضح أن موسكو تتفهم قلق إسرائيل الأمني، إذ بات هذا الأمر بنداً ثابتاً على جدول أعمال لقاءات بنيامين نتانياهو الثمانية التي أجراها مع بوتين في السنوات الخمس الماضية وكان آخرها في آب (أغسطس) الفائت. ففي الوقت الذي تتفهم فيه إسرائيل طبيعة تحالف موسكو مع دمشق، فهي تؤكد دائماً ضرورة أن تضع روسيا خطاً أحمر يجدر بالأسد ألا يتجاوزه في علاقاته مع طهران.
يبقى السؤال الأهم: في غياب واشنطن عن التفاصيل، هل تستطيع موسكو وحدها الجمع بين مصالحها الاستراتيجية وكبح جماح طهران وتهدئة نتانياهو وإرضاء أردوغان وتفهم مطالب قوى التحالف العربي في الإقليم وإقناع السوريين بجدوى الأسد؟

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.