تركت العربية آثارها في معظم لغات العالم، كبيرة وصغيرة. إما من خلال القرآن أو عبر الفتح. بل حتى الاستعمار الذي جاء، عاد ومعه كلمات ومصطلحات عربية. ويدوّن مؤرخ فرنسي يوميات قرية فرنسية صغيرة ومعزولة في القرن الرابع عشر، ويقول إن كل ما عرفته من غروس مغذية جاءها من الشرق مع الحملات الصليبية.
تفاوتت نسب انتقال الكلمات العربية إلى اللغات الأخرى وتضاربت الدروس، لكن المتفق عليه هو أن الإسبانية هي الشريكة الكبرى بين اللغات الحيّة. وسوف نجد الأوردية في المرتبة التالية وربما في مرتبة موازية. ويقول الدكتور عبد الله المدني إن هناك آلاف الكلمات العربية في «السواحيلي» لغة شرق أفريقيا، ونحو 3300 كلمة في لغة الملايو المستخدمة في ماليزيا وبروناي وسنغافورة وإندونيسيا وجنوب تايلاند المسلم، تقابلها 7500 في الأوردية.
الطريف في دراسة الدكتور المدني، أو ما هو غير معروف على نطاق واسع، قوله إن 82 في المائة من اللغة المالطية عربي الجذور. لست أدري مدى دقّة النسبة لكن أي زائر لمالطا يفاجأ، منذ اللحظة الأولى، بأن محدثه يتكلم لغة عربية غير مفهومة. والمالطية، في أي حال، مجموعة لغات ولهجات، منها المغاربية ومنها الشامية، وإن كان الجرس الأوضح إيطاليا.
منقول عن الشرق الاوسط
ويتبادل المالطيون تحيات الصباح والمساء بالإيطالية حتى إذا حل موعد النوم قالوا «إيل ليلة طيبة». ويقولون «إنريد نقصّر اللحية» أو «نشتاق نرى إيل مدينا» أو «إيل مرا تاعتي قالتلي» أو «إندي أخبار تعجبك» أو «كيفك انتَ ايسا» و«تفل مهبوب» أي طفل محبوب… إلخ.
كانت الإمبراطورية العثمانية ترسل منفييها إلى مالطا التي لا تبعد عن تونس وليبيا أكثر من 250 كيلومترا، وهي ربع المسافة ما بين طرابلس وبنغازي. وخطر لعبد الحميد البكوش الإفادة من الجارة المالطية وانفتاحها الثقافي من دون المساس بكرامتها أو استقلالها، لكن ما أن جاء الأخ القائد حتى حوّلها إلى موطئ مخابرات، أبرز ما تم فيه عملية لوكربي. ووفق الزميلة «الحياة» قضى بعض الناشطين الفلسطينيين، الذين لم يكن أحد يعرف بوجودهم في مالطا سوى مخابرات العقيد.
تبدو مالطا في المغرب العربي مثل قبرص في المشرق: جزءا من الجغرافيا، وحضارة مختلفة وعادات وتقاليد مختلفة متباعدة. وحاول البعض في الماضي القول إنها «هونغ كونغ» ليبيا، لكن المقارنة لا تصح. فهناك فوارق العرق واللغة، برغم وجود 82 في المائة من الأثر العربي فيها، على ذمة الدكتور المدني، الذي هو أحد الباحثين القلائل في شؤون آسيا.