يحدد أغلب الباحثين بداية نشأة الحركات القوميه بوقوع الثوره الفرنسيه وكأن هذه الثوره وقعت من العدم ولم تكن لها أسباب موضوعيه قاهره يمكن التعرف عليها من خلال دراسة علاقات فرنسا بدول العالم المختلفه , فلا الجوع ولا نظام الطبقات داخل المجتمع الفرنسي هما اللذان أججا الثوره ولكن علاقات فرنسا الخارجيه كانت هي السبب المباشر والوحيد لوقوع هذه الثوره
المعروف أن العلاقه التاريخيه بين فرنسا وبريطانيا تخللتها الكثير من المشاكل والكراهيه العميقه المتبادله ولهذا السبب فحين وقعت ثورة الإستقلال الأمريكيه عن التاج البريطاني كان الفرنسيون يساندون الأمريكان مساندة قويه أدت الى تطبيع علاقات ( فرنسيه _ أمريكيه ) تغلغل الأمريكان من خلالها الى جميع مفاصل الحياة الفرنسيه . بإستقلال الولايات المتحده الأمريكيه عن التاج البريطاني كانت تطمح الى دك ممالك أوربا العتيده والإستيلاء على مستعمراتها حول العالم ولهذا إستخدم الأمريكان شعار ( تصدير الثوره الأمريكيه الى العالم ) ولم يجدوا أرضاً خصبه يصدرون لها ثورتهم غير فرنسا التي يتغلغلون في جميع مفاصلها , وهكذا وصل لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت الى المقصله , ولازالت تتداول الى حد اليوم قصص غير حقيقيه عما جرى في فرنسا التي تحولت منذ ذلك التاريخ الى مستعمره أمريكيه ينفذ الأمريكان من خلالها كل ما يرغبون تطبيقه في اوربا _ ومن خلال أوربا في جميع أنحاء العالم . فرنسا حتى اليوم خاضعه الى النفوذ الأمريكي والدليل على ذلك هو نجاح المخابرات الأمريكيه في تنصيب ساركوزي حاكما ًعلى فرنسا , للمزيد من التفاصيل أرجو العوده الى موضوعي ( العمليه ساركوزي ) المنشور على الموقع
حين غزا ( نابليون بونابرت الأول ) ايطاليا عام 1796 قام بالعديد من الإصلاحات فيها لكنه تحول بسرعه الى طاغية مستبد , الحمله الفرنسيه الفاشله على روسيا 1812 أطاحت بنابليون بونابرت الأول وأدت في محصلتها الى نفيه الى جزيرة سانت هيلانه البريطانيه التي مات فيها . بهزيمة نابليون وخروجه من ايطاليا عادت البلاد مرة ثانيه الى مستعمره نمساويه مما أجج فيها الشعور القومي لتحريرها وتوحيدها وتحويلها من مجرد دوله ( مسيحيه ) يحكمها من يشاء الى دوله ( قوميه ) لا تقبل بغير حكم أبنائها لها
ﻏﺯﺍ ﻨﺎﺒﻠﻴﻭﻥ ﺒﻭﻨﺎﺒﺭﺕ الأول ﺃﻟﻤﺎﻨﻴﺎ عام 1805 ووحد ولاياتها وعند هزيمته ونفيه الى جزيرة سانت هيلانه قرر زعماء اوربا في مؤتمر فيينا إلغاء وحدة ألمانيا وإعادتها ولايات تحمل إسم ( دايت ) يكون مقره في فرانكفورت وترأسه النمسا
إستمرت حروب الوحده القوميه في كل من إيطاليا وألمانيا حتى عام 1848 وهو العام الذي إشتعل فيه ( ربيع الثورات الأوربيه ) . كيف أشعلت الولايات المتحده الأمريكيه ربيع الثورات الأوربيه ؟ آيرلندا هي سلة البطاطا التي تطعم كل أوربا , في العام 1845 قامت الولايات المتحده الأمريكيه بإرسال باخرتين الى آيرلندا محملتين بدرنات بطاطا مريضه , حين زرعها الآيرلنديون أنتجت محصولاً تالفاً فعمت المجاعه في آيرلندا ومنها الى كل دول أوربا , الفقراء هم أول من يتضرر عند حصول مجاعه ولهذا ثاروا منذ بداية عام 1846 وحتى عام 1864 قتل في معاركها من قتل وتفككت ممالك وتنامى الشعور القومي في كل دوله بشكل غير مسبوق من قبل
في نفس الوقت الذي عمّ فيه ربيع الثورات الأوربيه عمت نفس هذه الثورة في أميركا اللاتينية , من أجل أن تطرد الولايات المتحده الإسبان من كولومبيا … اندلعت ثورة 1848 في نيوغرينادا قام بها الليبراليون والمثقفون والطلاب وإنتخبوا الجنرال ( خوسيه هيلاريو لوبيز ) فتسلم السلطة عام 1849 ومنذ العام 1851 وحتى عام 1885 أي لمدة 34 سنه أوقع الأمريكان في هذا البلد 4 حروب أهليه و50 إنقلاب عسكري لغرض السيطره على مقدراته , ومن أجل أن تطرد البرتغاليين من البرازيل وقعت فيها ( ثورة برايارا ) 1848 وهي حركه ثوريه شنت أعمال عنف مسلحه في مدينة ( برنامبوكو ) استمرت من تشرين الثاني 1848 وحتى 1852 لطرد الوصايه البرتغالية عليها . ( نفس كليشة ) هذه الحرب وقعت في الصين بين عامي 1851 – 1864 قتل فيها ما لا يقل عن عشرين مليون إنسان , وكل هذا أدى الى تنامي المشاعر القوميه في كل مكان , تلك المشاعر التي ستسخدمها الولايات المتحده الأمريكيه للسيطره على العالم
فرق الإستعمار الأمريكي للعالم وهو شكل حديث من أشكال الإستعمار أن الولايات المتحده تضع على البلد الذي تستعمره حكومه عميله من أهل البلد وتربطهم بعدد من الإتفاقيات السريه التي تحلب خيرات البلد , ولا تترك لنفسها أي نوع من التواجد العسكري , على العكس من أشكال الإستعمار القديم الذي يستقدم حامية عسكريه وحاكماً عاماً يجثمون على صدر البلد المحتل بمظاهر إحتلال تثير حفيظة سكان البلد المحتل . بسبب هذه الحاميات العسكريه في البلدان المحتله تأسست ما تعرف ب ( منظومة الضباط الأحرار العالميه ) حيث قام الأمريكان بالإتصال بشكل ما مع مجموعة من العسكر في أي بلد والتنسيق معهم للقيام بإنقلاب عسكري يطيح بالتواجد الأجنبي في بلادهم بقوة السلاح , ولهذا نجد العالم خلال القرن الماضي يعج بالإنقلابات العسكريه في أمريكا الجنوبيه وآسيا وافريقيا
لم تكن إثارة الصراع القومي العربي من الأمور السهله , فالعرب ومنذ أيام الجاهليه هم قبائل من البدو الرحل الذين لا تربطهم بالأرض ولا ببقية القبائل تلك الأواصر المتينه التي تعزز قوميتهم , الإسلام وحده هو الذي وحد أطماع العرب فخرجوا الى العالم على شكل غزاة بإسم نشر الدين وإعلاء كلمة الله وما هم في الحقيقه غير جماعات من السلاّبه خرجوا من أجل المغانم والعبيد وكانت قسوتهم ووحشيتهم هي السبب المباشر في ردات الفعل الحاده التي واجهها الإسلام في العديد من بلدان العالم مثل فارس وإسبانيا وقبرص والقسطنطينيه
يقسم الشرق العربي الى قسمين .. شرقي وغربي , بحكم أن القسم الشرقي ( العراق وسوريا بالتحديد ) لهما إحتكاك مباشر بأقوام مثل الترك والفرس والهنود وهي أقوام مسلمة في أغلبها ولهذا نجد سهولة إثارة الصراع القومي العربي في العراق وسوريا مع الأقوام جاراتهما من غير العرب , وعلى إعتبار أن الإسلام عامل توحيد لكن عامل القوميه هو المفرّق
في غير العراق وسوريا الأمر مختلف . على سبيل المثال قامت الولايات المتحده الأمريكيه في بدايات القرن الماضي بتأسيس الأخوانيه في نجد والحجاز لمواجهة النفوذ البريطاني الذي بدأ يتعاظم في نجد والحجاز خصوصاً بعد مراسلات حسين _ ماكماهون 1914 . خطورة إحياء العامل الديني لتوحيد العرب هو لأن الخلاف الديني مع المحتل الإجنبي سلاح ذو حدين سيبقى قائماً بغض النظر عن جنسية المحتل سواء كانت بريطانيه أو فرنسيه أو أمريكيه . ولهذا بوصولنا الى عام 1928 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بكل ما أفرزته من مخلفات , سنلاحظ أن الملك عبد العزيز حارب الأخوان وحرم عليهم الجهاد الذي كان مسموحاً به ضد البريطانيين , للحيلوله دون تصادمهم مع الأمريكان , وفي العام 1932 تم توحيد سلطنة نجد مع مملكة الحجاز وإعلان اسم جديد للبلاد هو المملكه العربيه السعوديه ثم تأسيس شركة أرامكو ( الشركه العربيه _ الأمريكيه ) للنفط , أما أخوان نجد والحجاز فقد تم دفعهم في نفس العام 1928 الى مصر لتأسيس الإخوانية فيها لمقاومة الإنكليز
مثال آخر لمحاولة تأسيس ( نضال قومي ) في الجزائر بين عامي 1918 _ 1954 الذي واجه فشلاً تاما ً لأن القسم الغربي من الوطن العربي ليست لديه ( مشاكل قوميه ) مع المحتلين الأجانب ويتعامل مع هؤلاء المحتلين على الدوام بإعتبارهم ( من دين مخالف ) . تعثر الولايات المتحده الأمريكيه بالحصول لنفسها على موطيء قدم في شمال إفريقيا جعلها تصدر الإخوانيه الى الجزائر حيث قام الجزائري ( الفضيل الورتلاني ) وكان قد تتلمذ على يد حسن البنا في مصر بإدخال الإخوانيه الى الجزائر منذ بداية أربعينات القرن الماضي . عندما نجح الإنقلاب الأمريكي في مصر عام 1952 قامت مصر ( نيابة عن الولايات المتحده ) بتسليح الجزائريين وتحشيدهم تحت شعارات العروبه والوحده لقتال الفرنسيين , ورغم كل ما قيل من تمجيد في الإعلام عن الثوره في الجزائر إلا أنها كانت دون مستوى تحقيق غاياتها , ولولا خطة فرنسا بين عامي 1945 _ 1980 الإنسحاب من مستعمراتها حول العالم لتتحول الى مستعمرات أمريكيه .. فلربما كانت فرنسا باقيه في الجزائر حتى اليوم
مع الأسف , المجتمع الإنساني بأجمعه يساق سوق القطيع لتحقيق غايات ظاهرها شيء وباطنها هو خدمة أغراض راعي القطيع ولولا هذا الواقع لما تمكن أحد من إعلان شيء إسمه : العولمه