وفاء سلطان
لقد برمج الإسلام أتباعه بطريقة قتلت لديهم القدرة على الإبداع، وذلك باحتكاره للحقيقة المطلقة تحت حدّ السيف وتحريمه للسؤال.
لم يُبدع إنسان في تاريخ البشرية إلاّ في سياق بحثه عن الحقيقة.
الألغاز هي التي تمنح حياتنا متعتها، وهي التي تجلعنا في رحلة بحث دائم عن أسرارها.
الله هو أكبر الألغاز، وكل إبداع بشري قد تمّ ـ بشكل مباشر أو غير مباشرـ في سياق البحث عن سرّ ذلك اللغز.
عندما تكشف سرّ أي لغز يفقد ذلك اللغز عظمته، ولذلك يجب أن يبقى الله لغزا فعظمته تكمن في كونه لغزا.
قد تبحث عن سرّ للغز ما، وفي سياق البحث تكتشف أسرار ألغاز أخرى لم يكن الكشف عنها على جدول بحثك. أو ربّما تكتشف سرّ اللغز الذي تبحث عنه ولكن قد يقودك اكتشاف سرّه إلى ألغاز أخرى، وهكذا دوالييك.
كلّ لغز يقودك إلى لغز آخر، ويجب أن يبقى الله آخر الألغاز كي نظل في رحلة بحث عن الأسرار، وكي نظل قادرين على الإبداع في سياق تلك الرحلة!
كل إبداع هو خطوة نقترب بها من الله، ومتى وصلنا اليه سنخسر قدرتنا على الإبداع إذ لم يعد هناك ألغاز كي نبحث عنها وكي نبدع في سياق البحث عنها.
الأديان عموما أساءت إلى الإبداع، لأنها زعمت بأنها توصلت إلى الحقيقة المطلقة، ودرجة إساءتها تزداد كلّما ازداد احتكارها لتلك الحقيقة!
زعمت بأنها كشفت لغز الله، وبذلك جرّدت ذلك اللغز من عظمته. عندما تكتشف الله تكون قد حددته، وعندما تحدده تكون قد جرّدته من عظمته المطلقة.
كل شيء تستطيع أن تحدده هناك شيء غير محدد أعظم منه، ولذلك يجب أن يبقى الله لغزا كي يظل أعظم الأشياء!
الإيمان هو أن تعترف بوجود شيء دون أن تكون قادرا على أن تحدده، ومتى حددته لا تستطيع أن تسمي علاقتك به إيمانا، بل علاقة شيء محدد بشيء محدد آخر.
يجب أن يبقى الإنسان في رحلة بحث دائم عن الحقيقة، وأي دين يدّعي بأنه وصل اليها يفقد روحانيّته ويقتل لدى أتباعه قدرتهم على الإبداع.
نحتاج إلى دين يبحث عن الحقيقة المطلقة دون أن يدّعي بأنها توصل إليها.
البحث عن الحقيقة المطلقة في أي مجال هو في حقيقة الأمر بحث عن الله، فالله آخر الحقائق بل هو مطلقها!
نحن، وبحواسنا الخمس، أصعب من أن نتوصل الى الله. ولذلك عندما ندّعي بأننا توصلنا إليه نفقد خواصنا البشرية التي تميزنا عنه، ونجرّده من خاصته المطلقة التي تميّزه عنّا.
عندما يرفض الملحدون وجود الله يعترفون بعجزهم عن إدراكه، ويعترفون أيضا بعظمته غير القابلة للإدراك. الإلحاد أصدق من أي عقيدة تدعي أنها توصلت إلى الله، بل واحتكرته دون غيرها من العقائد.
من يدّعي أنه يحتكر الحقيقة المطلقة يُسيء إليها، ولذلك أساءت الأديان إلى مفهوم االله أكثر مما أحسنت!
أطلقت البوذية على الله اسم الكون، وبذلك تكون قد أعطته حقه أكثر من أي دين آخر، فالكون تعبير مطلق لا يستطيع إنسان أن يُدرك حدوده. واعتبرت البوذية الإنسان جزءا من الكون وعليه أن يسعى دوما ليبقى جزءا غير متجزء من ذلك الكون. عندما تقع ذرة ماء في المحيط تتوحد فيه لكنه تبقى عاجزة على أن تُدرك حدوده. علاقة الإنسان بالكون لا تختلف عن علاقة ذرة الماء بالمحيط، وعجزه عن إدراك الكون لا ينفي وجود ذلك الكون بل يؤكد على أنه الحقيقة المطلقة التي لا نستطيع كبشر أن نُدركها.
لا يختلف مخلوق في قيمته عن مخلوق آخر باعتبارهما ينتميان إلى نفس الكون ويشكلان معا أجزاء من ذلك الكون.
في إحدى قصص الكاتب والمفكر الأمريكي :Ralph waldo Emerson
يقول السنجاب للجبل:
لماذا أنت مغرور أيها الجبل? صحيح أنك أضخم مني ولكنك لا تستطيع أن تكسر حبّة البندق!
في كلّ مخلوق مسحة من عظمة الكون، فهل حصّة السنجاب من تلك العظمة أقلّ من حصّة الجبل وهو القادر على فعل ما لا يستطيع الجبل فعله؟!
عندما يولد الإنسان تولد معه تلك المسحة، فكيف نقزّم الله إلى الحد الذي يأمرنا بقتل إنسان مادام فيه جزء من الله؟!!
كيف يأمر الإسلام أتباعه بقتل الناس، بغض النظر عن ذريعة القتل، والكثيرون من هؤلاء الناس جسّدوا بإبداعهم عظمة الخالق فيهم، بينما عجز المسلمون عن فعل ذلك؟!!
لنقرأ معا:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى…
………..
فهل يُعقل أن تكون عظمة الله في الحر أجلّ منها في العبد، وفي المرأة أحطّ منها في الرجل؟!!
ليس هذا الحكم سوى تشويه لعظمة الخالق في المخلوق، ألا ساء ما يحكمون؟!!
لماذا يحتكر المسلم سرّ الله وهو، كان ولم يزل، أعجز من أن يُجسّد بإبداعه عظمة ذلك الله؟!
أليس البحث عن ذلك السرّ هو الطريق إلى الإبداع؟!
احتكر الإسلام الحقيقة المطلقة ففوّت على أتباعه البحث عنها، وأضاع عليهم كل فرصة للإبداع في سياق ذلك البحث.
وكما الكون مطلق في حدوده كذلك هو مطلق في جماله، وروحانية الإنسان تكمن في حفاظه على ذلك الجمال المطلق.
عندما تدوس على وريقات زهرة فتسحقها تكون قد أسأت إلى الكون الذي تنتمي أنت والزهرة إليه، فما بالك بأن تصلب إنسانا، أو تقطع رجليه ويديه من خلاف، أو تضرب عنقه، أو تقص أصابعه، أو تجلده مائة جلدة لا تأخذك به رحمة، أو تنعته بلقب لم يختره لنفسه، وما إلى ذلك من أفعال ـ أبسط ما يقال عنها أنها غير كونية ـ تسلخ الإنسان عن كونه وتسيء إلى جمالية ذلك الكون؟!!
رأس الحكمة مخافة الله؟!!
يستحيل أن يكتسب الإنسان الحكمة وهو خائف، ولذلك فشل المسلمون في أن يكونوا حكماء!
الله هو الصمت، والصمت هو لحظة سلام يتوحد خلالها الإنسان مع كونه فيمتصّ بعضا من عظمة ذلك الكون وقوته عندما يتوحد فيه.
………………
إن الدماغ الذي يملكه الإنسان اليوم هو حصلية سلسلة تطورات طرأت عليه خلال خمسمائة مليون سنة، وهو بشكله الحالي يتألف من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يقع في أسفل الدماغ ويدعى جذع الدماغ Brain stem ويشبه إلى حد بعيد دماغ الزواحف (التمساح). لم يكن دماغ الإنسان البدائي قبل خمسمائة مليون عام سوى ذلك الجزء، وهو مسؤول عن النوم واليقظة وتنظيم درجة حرارة الجسم واستمرار ضربات القلب.
عندما تهددت حياة الإنسان الأولي، وتهدد استمرار وجوده تطور دماغه خلال الثلاثمائة مليون سنة التي تلت ظهوره، ليشمل:
القسم الثاني: ويدعى الدماغ المتوسط Mid brain وهذا الجزء يشبه دماغ الثديات وهي أقرب الحيوانات إلى الإنسان، ومسؤول عن حماية العضوية من الأخطار المحدقة بها.
عندما يواجه الإنسان أسدا في غابة، الإرتكاسات التي تحدث في بدنه تدعى باللغة الطبية Fight or Flight أي اهرب أو قاتل. وهي تهيأه للقيام إما بالهروب وإما بالمواجهة، ومنها تسرع ضربات القلب، ازدياد عدد مرات التنفس، التعرق، تدفق كميات كبيرة من الدم إلى العضلات كي تتأهب للهرب. الجزء المتوسط من الدماغ مسؤول عن تلك الإرتكسات، وبالتالي ـ كما أشرت سابقاـ مسؤول عن حماية العضوية.
خلال آخر مائتي مليون عام تتطور ذلك الدماغ ليشمل:
القسم الثالث: وهو الجزء الأعلى من الدماغ، ويتميز بالقشرة الدماغية Cortex التي تغلف الدماغ كله، وهذا القسم هو الذي يميّزنا كبشر عن غيرنا من الكائنات، فهو مسؤول عن التفكير.
عندما يمرّ الإنسان في حالة خوف، ينشط الجزء المتوسط من الدماغ ويخمد الجزء العلوي، وذلك كي تتوقف كل فعاليات التفكير وتنشط فقط الفعاليات المسؤولة عن حماية الحياة، كالهرب أو مقاومة الخطر المهدد للحياة.
أضرب مثلا:
قد تستيقظ في منتصف الليل لتفاجئ بلص داخل بيتك مصوبا مسدسه باتجاهك. في تلك اللحظة تخمد كلّ فعاليات القشرة المخية عندك فتفقد قدرتك على التفكير، وتتسرع ضربات قلبك…تتعرق….تتدفق كميات كبيرة من الدم إلى عضلاتك كي تسهل عليك مقاومة اللص أو الهرب من أمامه.
هل تستطيع في تلك اللحظة أن تفكر في حل المسألة الحسابية التي حاولت حلها في الليلة السابقة، طبعا لا!
إذن، نفهم مما تقدم بأن حالات الخوف تسقط بالإنسان إلى مستوى الحيوان، لأنه تلغي الجزء العلوي من دماغه، وتنشط الجزء المتوسط والذي هو موجود عند الحيوانات الأخرى، ولا يستطيع أن يعود إلى آدميته إلا بالتخلص من تلك الحالات.
الغضب كالخوف يترك نفس الأثر عند الإنسان، فيسقط به إلى مستوى الحيوان ويلغي فعالية الجزء العلوي من دماغه، ذلك الجزء الذي يميّزه ككائن بشري.
لماذا لم يُبدع الإنسان المسلم؟
باختصار، لأن قشرته المخية المسؤولة عن التفكير خامدة وغير نشيطة، والسبب حالة الخوف التي يعيشها على مدار الساعة!
لقد تبرمج ذلك الإنسان على أن يخاف، ولا يعرف في معظم الحالات مما يخاف!
خوفه من الحقيقة المطلقة كان المدخل إلى برمجة عقليّة أفقدته قدرته على التفاعل الإيجابي مع محيطه بخيره وشرّه.
عندما تتحكم الحقيقة المطلقة في أدقّ أموره فتأمره أن يدخله الحمام برجله اليسرى، وأن يأكل بيمناه ـ حتى ولو كان مبرمجا بيولوجيا على أن يأكل بيسراه ـ تسربله بالخوف وتقضي بالتالي على إبداعه، إذ لا إبداع مع الخوف.
……………………..
الإبداع هو أن تخلق شيئا جديدا ومفيدا. الإبداع هو أن تنظر إلى الأشياء التي ينظر إليها عامة الناس، لكن أن تراها بشكل مختلف دون أن تخاف على حياتك أحدا منهم.
ليس كل تغيير إبداعا، لكن حكما كل إبداع هو تغيير، فالجديد دوما يعني التغيير، ولا إبداع مالم تأتي بشيء جديد.
كنت أتمشى في شارع الشانزليزيه، فتوقفت أمام العديد من محلات بيع الزهور المتناثرة على الطرفين ثم غرقت في جمالها. بعد أن لمست مرافقتي الفرنسيّة ولعي بالأزهار والورود، أومأت بيدها إلى فندق الفصول الأربعة وقالت: هذا الفندق مشهور بطريقة تصفيفه للأزهار، دعينا ندخله ونشرب كأسا من الشاي هناك.
دخلناه، وفعلا وجدت نفسي مفتونة بالجمال الذي تعكسه باقات الزهور والورود المصفوفة هنا وهناك. أثارت دهشتي مزهرية مملوءة بالأزهار بطريقة لا يمكن أن تخطر ببال إنسان، وتساءلت في سري: يا إلهي، ما أبدع هذا الفنان!
المزهرية من الكريستال الشفاف، ملأها مهندس الديكور بالماء ثم صفّ الأزهار بطريقة غريبة، وضع الأزهار داخل الماء والسيقان نحو الأعلى!
وقفت مدهوشة أمامها أكثر من نصف ساعة، وأنا أتساءل: ما طبيعة البيئة التي ولد وترعرع فيها هذا الفنان؟
رحت أتخيل أمه وأباه وجو الحرية الذي أتاحانه له، ذلك الجو الذي حرر عقله من قيوده، وساعده على أن يتجاوز كل أشكال البرمجة بما فيها أبسط المسلمات.
لو مسك الواحد منّا باقة من الزهر وأراد أن يضعها داخل مزهرية، سيقوم بطريقة اوتوماتيكية آلية بوضع السيقان داخل المزهرية كي تتشرب الماء والأزهار خارجها، لكن صاحبنا المسؤول عن تصفيف الأزهار داخل فندق الفصول الأربعة في شارع الشانزليزيه في باريس قرر أن يسبح عكس التيار، لم يثر رفضه للمألوف خوفه، وبالتالي لم يُسقط به الخوف إلى مستوى الحيوان، فلجأ إلى طريقة تضرب بالمألوف عرض الحائط!
لم تُسحرني الطريقة بقدر ما سحرتني الفكرة، والتي هي حكما نتيجة حتمية لعقل بشري تحرر من كلّ قيوده واستطاع أن يتجاوز كلّ برمجاته.
هذا هو الإبداع، وتلك هي الحرية!
في ذلك الوقت بالضبط، ورغم فرحي بالإبداع، اجتاحتني موجة حزن انستني جمال المزهرية وسعادة اللحظة.
في المرحلة الإبتدائية كان في صفنا طفل اسمه فادي، وكان معلّم الصف بين الحين والآخر يشدّه من اذنه بكلّ قوته، فنسمع صراخ فادي: آآآآآآآآآخ! ولا نعرف السبب حتى نسمع صوت المعلم يقول: يا حيوان امسك القلم باليمين!
وما أن يدير المعلم ظهره حتى يعود فادي إلى مسك القلم بيساره. لم يتابع فادي تعليمه. التقيت به في آخر زيارة لسوريا، الكلّ يعتبره رجل أعمال ناجح، له زوجة جميلة وأولاد وثروة وجاه، ولكنه لا يكتب شعرا!
على حدّ قول المفكر المصري توفيق الحكيم: لو بقي الإنسان طفلا لأصبح شاعرا.
لم يبق فادي طفلا ولذلك لم يُصبح شاعرا!
كما ويقول بيكاسو: كلّ انسان يُولد رساما ولكنّ طريقة التربية تسلب بعض الناس مواهبهم.
لا يوجد أحد فينا إلا وخلعوا اُذنيه ودماغه، ولذلك لا أحد فينا يعرف كيف يرسم ولا أحد فينا يعرف كيف يكتب شعرا!
برمجهم محمد على أن يأكلوا بيمينهم، فويل لمن يكتب بيساره!
لقد أدمنوا العنف، ومن كان طفله يكتب بيمينه سيجد سببا آخر كي يخلع له اُذنيه ويقتل بالتالي إبداعه!
لا إبداع مع البرمجة، ولا يمكن لأيّ إنسان أن يأتي بجديد إلاّ عندما يتجاوز برمجته، ويصل إلى استنتاجات جديدة تتعارض مع برمجة اللاوعي عنده.
لا يستطيع إنسان أن يغيّر واقعا مالم يتمرد عليه، فهل يتمرد المسلم يوما على واقعه، فيخلع جبّة نبيه كي يستطيع أن يغيّر ذلك الواقع المهين؟
*********
عزيزي القارئ: أرجو أن تضغط على الرابط أدناه كي ترى كيف برمج الإسلام أتباعه وكيف يبدعون على الطريقة الإسلامية…إنه لمن المحزن جدا!
http://www.youtube.com/watch?v=ei_BA1Bsinc