نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (13)؟

وفاء سلطان

جهازك العقائدي هو البوصلة التي أرشدتك إلى المكان الذي تتواجد فيه في الزمن الذي تعيش فيه.
كل ما حولك هو نتيجة حتميّة لما أوصلتك إليها تلك البوصلة.
عندما تستلقي في غرفة الجلوس وتفكر بشرب كأس من الماء، الفكرة القابعة في ذهنك والتي تعرف أي يوجد صنبور الماء تقودك إليه، ولولا تلك الفكرة لما قادتك قدميك إلى جهة الصنبور.
عندما تجد نفسك في المكان غير المناسب في الزمن غير المناسب، لا تستطيع أن تغير وضعك مالم تغير أولا البوصلة العقائدية التي تتبناها.
…………..
كنت في رحلة عمل إلى العاصمة واشنطن، وللعلم أقول: العاصمة واشنطن تبعد عن ولاية كاليفورنيا، حيث أعيش، أكثر من ست ساعات طيران.
كانت المرة الأولى التي قررت فيها أن أستأجر سيارة، كي أذهب من الفندق إلى الأماكن التي أحتاج أن أتواجد فيها دون الحاجة إلى تكسي، شعرت بأنني سأتحكّم بمواعيدي بطريقة أكثر دقة لو فعلت ذلك.
المهم، في اليوم الذي وصلت به، كان عليّ أن أغادر الفندق قليلا قبل السابعة مساء لألتحق بحفلة عشاء. اتصلت بي إحدى المدعوات واقترحت أن تتوقف أمام فندقي، ثم ألحقها بسيارتي، فالمكان لا يبعد سوى 15 دقيقة عن الفندق،
وكان ما أرادت.
عند انتهاء اللقاء تناولت الخريطة التي بومجبها أستطيع أن أعود إلى فندقي، وبدأت استطلعها: خذ الطريق 95 جنوبا ولمسافة 15 ميلا، ثم خذ المخرج الفلاني واتجه إلى اليمين…ثمّ….ثم… وهكذا حتى تصل إلى عنوان الفندق.
أخذت الطريق 95 جنوبا، وبعد حوالي ثلاثة أميال وجدت نفسي على الطريق 95 شرقا، فقلت لنفسي: يا إلهي لقد أضعت الطريق!
خرجت منه عبر أقرب مخرج، ورحت أبحث عن الطريق 95 جنوبا فأخذته مرة أخرى. لم أكد أقطع بضع أميال حتى وجدت نفسي على طريق آخر، فقلت: يا إلهي لقد أضعت الطريق مرة أخرى!
فخرجت عبر أقرب مخرج….وهكذا دوالييك، كلما أخذت الطريق الأصلي أجد نفسي على طريق آخر.
مضى قرابة ساعتين ولم أصل إلى الفندق. كان الوقت متأخرا لأتصل بأحد، فاتصلت بالفندق، وراح عامل الإستعلامات يوجهني إلى العنوان الصحيح، فيقول لي مثلا: خذي الطريق الفلاني جنوبا….فآخذه لأجد نفسي على طريق آخر يتجه شمالا.
أحسست بأن الغابات الكثيفة التي تحيط بي من كلّ حدب وصوب قد ابتلعتني، ولم أعد أرى السماء من كثرة الأشجار التي تغلّف الطريق. قررت أن آوي إلى أقرب فندق أصادفه وأبيت الليلة وغدا صباحا أتصل بأحد زملاء العمل من سكان المنطقة ليساعدني.
خجلت من نفسي وشعرت بأن خللا ما قد حدث، إنها المرة الأولى التي أتعرّض فيها لموقف كهذا.
أوقفت سيارتي في مرآب أول فندق استطعت أن أتبينه وسط الغابات، ثم ولجته. بعد أن أدخل عامل الإستعلامات في كمبيوتره المعلومات اللازمة ناولني مفتاح الغرفة وسألني: هل أنت بحاجة لمن يساعدك على نقل حقائبك إلى الغرفة؟
نظرت اليه وأنا في حالة إرهاق، وقلت: صدق أو لا تصدق، لا أملك حقائبا!
فردّ: أعتقد أنك أضعت حقائبك أثناء الطيران!
قلت: بل أنا من ضاع يا سيدي! ثم ابلغته بما حدث. فردّ على الفور: أتوسم أنك قادمة من كاليفورنيا!
دُهشت عندما سمعته يقول ذلك، فسألت: وكيف عرفت؟
ابتسم وقال: يبدو أنك لم تسمعي بطرفة الهياكل العظمية، ثمّ راح يروي عليّ كيف كان سائح يقود سيارته في العاصمة واشنطن وإذ به يُفاجئ بأن بعض السيارات من حوله تُقاد بهياكل عظمية، فارتعب من ذلك المنظر ووقف يسأل بعض المارة عن سر تلك الظاهرة الغربية. قال له أحدهم: لا تخف يا سيدي! إنهم بشر من كاليفورنيا جاؤوا إلى العاصمة في رحلة عمل، وماتوا وصاروا هياكل عظمية ولم يصلوا بعد إلى عناوينهم.
شرح لي العامل الخلل في عدم وصولي إلى الفندق الذي يبعد ربع ساعة فقط عن الفندق الذي توقفت فيه. ركبت سيارتي، وبناء على تعليماته، كنت في فندقي خلال أقل من خمسة عشر دقيقة.
………….
ماالذي حدث، وأين كان الخلل؟
كاليفورنيا ولاية تمتد عبر مساحات شاسعة جدا ومسطحة في أغلبها، وهي ولاية حديثة قياسا بالعاصمة واشنطن. جميع الطرق فيها مستقيمة وتقطع الولاية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها تماما كلعبة “الكلمات المتقاطعة”. تأخذ نفس الطريق من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال دون أن تتغير جهته أو اسمه. عندما تنتقل من مقاطعة سان دياغو في أقصى الجنوب إلى مقاطعة سان فرانسيسكو في أقصى الشمال، تأخذ الطريق 5 شمالا وتسحب بطريقة مستقيمة ودون أن يتغير اسم الطريق حتى تصل، وإذا أردت أن تعود تأخذ نفس الطريق جنوبا وتسحب دون أن يتغير اسم الطريق حتى تصل.
العاصمة واشنطن جبلية ولا وجود للطرق المستقيمة فيها، فالطرق الجنوبي يلف بشكل حلزوني فيأخذ مثلا الشرق أو الغرب ثم يلف ويعود جنوبا، وكلما تغيّرت جهته يتغير اسمه.
في كاليفورنيا عندما تتغيّر جهة الطريق الذي تقصده أو اسمه هذا يعني بأنك ضللت الطريق، أمّا في واشنطن العاصمة فالطريق الذي تقصده قد يتغير اتجاهه، ثم يلف ويدور ليعود إلى إتجاهه الأصلي.
جهازي العقائدي كان مبرمجا حسب نظام الطرق في كاليفورنيا، وهو لا ينطبق على نظام الطرق في العاصمة واشنطن، ولذلك لم تستطع بوصلتي العقائدية أن تصل بي إلى هدفي.
رفضت السؤال وأصريت على استخدام برمجتي العقائدية في مكان لا تصلح فيه تلك البرمجة للإستخدام، لذلك لم أصل حتى استبدلت برمجتي القديمة ببرمجة أخرى مخصصة للمكان والزمان اللذين كنت أقود فيهما.
…………
من يستخدم بوصلة عقائدية لا تصلح لزمانه ومكانه يموت ويتحول إلى هيكل عظمي ويظلّ يبحث دون جدوى عن هدفه.
الناس في العالم الإسلامي هياكل عظميّة تبحث دون جدوى عن أهدافها، وذلك
لأن البوصلة العقائدية التي يتبنونها لم تعد تصلح لزمانهم، فعجزت عن إيصالهم إلى المكان الصحيح في ذلك الزمن.
في عصر محمد كان السيف وسيلة عيش، أما في عالم اليوم فوسائل العيش كثيرة، لكنّها أبعد ما تكون عن حدّ السيف!
منذ أن قال محمد: “من لم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية أو مات على شعبة النفاق” والرجل المسلم يتصيد منصبا كي يغزوه، ومتى اُتيحت له الفرصة يغنم كل ما تقع عليه يده بدون رحمة أو شفقة التزاما بعقيدة الغزو والغنائم، ومن لم تتح له تلك الفرصة يقضي حياته لاهثا وراء الرغيف.

لذلك يموت المسلمون اليوم جوعا، ولا أمل في لقمة عيش نظيفة ما لم يضعوا عقيدة الغزو والغنائم على محكّ الشك ويتساءلوا عن مدى جدواها في هذا الزمن، ثم يتبنوا مفهوما جديدا يحثّ على العمل المثمر الشريف كخيار وحيد في العصر الحديث.
***********
العقيدة كالكماشة تمسك الإنسان بين فكيها، وتجبره على أن يرى البطة عنزة حتى ولو طارت، وبذلك تمنعه من أن يشرب حليب العنزة أو يأكل بيض البطة لأنه دوما يطارد البطة كي يحلبها والعنزة كي يحصل على بيضها.
ويبقى السؤال: هل يستطيع الإنسان أن يفكّ برمجته التي سجنته داخل قالب حديدي؟ كيف يستطيع الإنسان أن يكسر جدران سجن وجد نفسه يعيش داخله منذ ولادته، ولا يعرف شيئا خارج حدود ذلك السجن؟!!
يؤكد علم النفس بأن الإنسان يقع داخل مصيدته العقائدية في السنوات الأولى من عمره، ويناضل لآخر يوم في عمره كي يبقى داخل تلك المصيدة أو كي يغادرها.
إذا اقتنع فيها يقضي عمره مدافعا عن البقاء داخلها، وإذا أحس بألمها يقضي عمره مدافعا عن الخروج منها.
ولا يستطيع الإنسان الخروج من مصيدته العقائدية مالم يتحرر أولا من مخاوفه، تلك المخاوف التي تمنعه من سبر أغوار العالم المتاح له خارج حدود تلك المصيدة.
…..
في الجزء التالي من هذا الكتاب سأحاول جاهدة أن أساعد قارئي كي يخرج من المصيدة التي وقع فيها عندما يحسّ بآلامها.
الخروج ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا، والخطوة الأولى تقتضي أن نحرر عقولنا من مخاوفها، ثمّ نبدأ السؤال.
………………
طرح السؤال هو الطريقة الوحيدة لكسر القالب العقائدي الذي جمّدنا.
كلما أعاد الإنسان تقييم عقائده كلّما استطاع أن يتبنى أفكارا جديدة تساهم في تحسين حياته.
لا يبدأ التقييم إلا عندما نشكّ بمدى فعالية ما نؤمن به في الزمن الذي نعيشه وفي المكان الذي نتواجد فيه، ثمّ نتساءل: كيف نزيد من مستوى تلك الفعالية؟
لم تحقق البشرية في حياتها إنجازا الاّ وكان جوابا لسؤال.
في عصر انشتاين كان هناك اعتقاد راسخ بأنّ سرعة الضوء ثابتة، فتساءل انشتاين خارج حدود ذلك الإعتقاد: اذا وضعنا الضوء داخل صاروخ هل ستزداد سرعته؟! وفي محاولة للإجابة على سؤاله توصل الى وضع نظرية “النسبيّة”!
لقد استطاع شخص واحد أن يغيّر مستقبل العالم عندما تجاوز قناعات زمنه فسأل سؤالا وحاول أن يُجيب عليه!
الحياة برمّتها لغز ولم يستطع جهاز عقائدي ثابت أن يفسّر ذلك اللغز. كلّ فكرة جيدة تتجاوز حدود العقائد الثابتة تنتقل بنا إلى نقطة أقرب لحلّه.
جمال الحياة يكمن في أن تبقى دوما وأبدا لغزا، وفي أن يبقى العقل حرا كي يتجاوز حدود برمجته، ويستمتع دائما باقترابه من فهم ذلك اللغز.
الفضولية هي التي تقودنا الى فهم الحياة بطريقة أفضل، الشكّ والسؤال هما الطريق الوحيد لاشباع تلك الفضولية.
عندما يسمح الإنسان لنفسه أن يشكّ بمصداقية عقائده ثمّ يسعى بكلّ جهده لتحسينها، سيتوصل في النهاية الى جهاز عقائدي ديناميكي يخدمه دون أن يسوده.
حبّ الفضول هو أقدس الملكات التي منحتها الطبيعة للإنسان، وعليه أن لايتخلّى أبدا عن فضوله!
حبّ الفضول يدفعه لينشد المعرفة، وفي معرفته تكمن قوته!
برنارد شو كان يقول:
الفرق بين الرجال يكمن في أن بعضهم يرون الأشياء كما هي ويقبلون بها كما هي، والبعض الآخر ينظرون اليها كما يريدونها، ويتساءلون لماذا ليست كما نريدها؟
التفكير، في حقيقة الأمر، ليس سوى عملية يطرح خلالها العقل سؤالا، ثم يجيب عليه.
Hulda Crooks هولدا كرووكس امرأة في السبعين من عمرها تساءلت:
ماذا أستطيع أن أفعل في هذا السن كي لا أشعر بعجزي ومللي؟!!
فخرجت بقناعة، تغاير القناعة التي برمجتها، على أن رياضة تسلق الجبال من أفضل الرياضات التي تناسب سنها.
كانت أعمر انسان يستطيع أن يتسلق Mount Fuji في التاريخ.
ما الذي ميّز السيدة كرووكس عن سيدات عصرها؟!!
طبعا تجاوزها للقناعة التي برمجت نساء عصرها، وهي أن الإنسان في السبعين من عمره لا يستطيع أن يتسلق جبلا عجز الكثير من الشباب عن تسلقه!
كم امرأة في مثل سنها لعبت قناعاتها المعاكسة لقناعات السيدة كرووس دورا في تحويلها الى قطعة اثاث تنتظر حتفها!
عندما يحولك جهازك العقائدي إلى مجرد قطعة أثاث تنتظر حتفها يجب أن تعيد النظر في ذلك الجهاز!!
ثقتك، أو عدم ثقتك، بنفسك هي جزء من تركيبتك العقائدية.
عندما تجد نفسك في أسفل القاع لن تستطيع أن تتسلق الى القمة إلاّ عندما تحسّن مدى ثقتك بنفسك، وبالتالي عندما تغير جزءا من جهازك العقائدي!
……….
حتى في أحلك لحظات حياتك قد ينقذك السؤال من اعتقاد أقنعك بأنه لا مهرب لك من تلك اللحظة الحالكة التي تعيشها.
السيد Stanislavski Leech رجل يهودي قادته النازية من بيته الى أحد المعتقلات كي ينتظر دوره وهو في طريقه الى غرفة الغاز.
كان محاطا بكثير من المعتقلين، وبدا الهرب من ذلك المعتقل ضربا من المستحيل، لكنه لم يحرم نفسه من حريّة السؤال وراح ينتقل بين المعتقلين طارحا عليهم سؤالا:
فكروا معي، هل هناك طريقة نهرب بها من هذا المعتقل؟!!
كانوا ينظرون اليه بعين الأسى ويتهمونه بالجنون، ثم يغروقون في صلواتهم كي يتدخل القدر وينقذهم.
لم ييأس مستر ليتش وظل ينتقل بينهم طارحا سؤاله.
في الليل شمّ رائحة كريهة فنظر باتجاهها، ليرى شاحنة تقف في زاوية من زوايا المعتقل مليئة بالجثث العارية، وبسرعة البرق وجد فيها جوابا لسؤاله فالحياة لا تبخل بالأجوبة.
خلع ثيابه، كي لا يكتشف أحد حقيقته، ثمّ ازاح بعض الجثث واندس بينها.
كادت رائحتها تقتله، ناهيك عن الضغط الذي خلفه القاء مزيد من الجثث فوقه.
في الصباح تحرك محرك الشاحنة، وأدرك ليتش بأنهم في طريقهم الى المقبرة.
قاد السائق الشاحنة الى منطقة بعيدة عن المدينة وألقى بحمولتها في حفرة كبيرة مجهزة لتكون مقبرة جماعية، ثم غادر كي يجلب المزيد.
ركض السيّد ليتش خمس وعشرين كيلو مترا عاريا قبل أن يصل الى مكان آمن.
ما الفرق بين ليتش وغيره من المعتقلين؟
الفرق الوحيد يكمن في امتلكاه لحرية السؤال وبحثه عن جواب!
جميع المعتقلين استكانوا لجهازهم العقائدي الذي أقنعهم بأنه لا مفرّ من المعتقل ذي الاسوار الحديدية العالية والأبواب الموصدة.
وحده ليتش، الذي لم يستكن لذلك الجهاز، طرح سؤالا ووجد له جوابا!
……………
أفضل من يستطيع ان يسأل هم الاطفال، لأنهم يسألون بلا حدود، بلا قيود وبلا خلفيّات.
هم، ومن خلال أسئلتهم، يسعون لبناء جهازهم العقائدي. الحرية التي نسمح لهم بها أن يسألوا وطبيعة أجوبتنا تحدد في المستقبل ماهية ذلك الجهاز.
هم مخلوقات جاهزة للتعليم، ويجب أن يتمّ تعليمهم ضمن بيئة ديناميكية تسمح بحرية السؤال وبحرية البحث عن جواب، والاّ تحول التعليم الى عملية تلقين وبرمجة تكّرس الواقع وترفض تغييره نحو الأفضل.
في البيئة الإسلامية يولد الطفل مقموعا، يقتل النمط التربوي المتبع في تلك البيئة لدى الطفل غريزة الفضول وهي مازالت في مهدها.
كل فعل يقوم به تلقائيا لا يسمع تعقيبا عليه سوى إحدى كلمتين إما “عيب” وإما “حرام”.
في الحالة الأولى يحسّ بالعار من العيب الذي اقترفه، وفي الحالة الثانية يحسّ بعقدة الذنب من الحرام الذي ارتكبه، وكل من هذين الإحساسين يكفي لتدمير حياته.
لذلك، وتجنبا للعيش تحت وطأة تلك الأحاسيس، يقضي حياته حارسا أمينا لحدود جهازه العقائدي كي لا يتجاوز تلك الحدود قيد أنملة.
………………
عام 2002 تقدم طبيب أمريكي في مدينة سان فرانسيسكو إلى المحكمة بدعوى يطلب من خلالها عدم السماح للمدارس في أن تفرض على الطلاب ترداد النشيط الوطني الأمريكي، بحجة أن ذلك النشيد يتضمن مقطعا يقول: نحن أمة واحدة تحت عرش الله…..One nation under God
وهذا المقطع يؤكد تدخل الدين في الدولة، خلافا للدستور الأمريكي الذي يصرّ على الفصل بينهما.
رُفعت القضية يومها إلى المحكمة العليا، واحتدم الخلاف على الصعيد الشعبي بين مؤيد ومعارض، فلجأ الإعلام كالعادة إلى استجواب الناس على اختلاف عقائدهم.
صحيفة Press Enterprise الصادرة في مقاطعة ريفرسايد في ولاية كاليفورنيا قابلت الشيخ المسلم مصطفى كوكو المسؤول عن المسجد في الولاية المذكورة وسألته عن رأيه، فأجاب حرفيا: “هل ذكر الله يؤذي أحدا؟ هل أدى النشيد الوطني يوما إلى قتل أحد لإحتوائه تلك العبارة؟ وتابع: نحن في السودان ننشد مقطعا مشابها لهذا المقطع، اقترح هنا أن نغير الدستور كي نضع حدا لذلك الجدل!”
يريد الشيخ مصطفى كوكو أن يغيّر الدستور الأمريكي كي يتمكن الشعب الأمريكي من ترداد مقاطع تشبه المقاطع التي يرددونها في وطنه الام السودان؟! لكنه لا يعترف بأنه فرّ هاربا من السودان والتجأ إلى أمريكا كي يحتمي بذلك الدستور الذي يضمن حقه في أن يمارس حرياته، ولو أتيح له أن يحقق حلمه هذا ويغير الدستور لأصبحت مقاطعة ريفرسايد جنوب السودان ولاضطر من جديد أن يبحث عن وطن آخر يلجأ اليه.
قامت الصحيفة نفسها بطرح نفس السؤال على الحاخام اليهودي Harold Kimenker المسؤول عن المعبد اليهودي في المقاطعة نفسها. تعالوا نقرأ بإمعان رده، ونقارنه برد الشيخ كوكو:
“إن قرار المحكمة بإلغاء النشيد من المدارس مناسب جدا، وسيلاقي دعما من كل يهودي في أمريكا. كيف نستطيع كأقلية يهودية في أمريكا أن نمارس حقوقنا ما لم نعترف بحقوق الأقليات الأخرى بما فيهم الأقلية التي لا تؤمن بالله؟”
……
الرجل اليهودي كالرجل المسلم كلاهما تبرمجا على أن يُقحما الله في كل شاردة وواردة.
لكن، وعلى حدّ قول أحد الحاخامات: “يجب أن نعيد النظر في مفهومنا للتوراة قبل أن نضطر قسرا إلى تركه” استطاع اليهود أن يتجاوزوا مفهموم ما جاء في كتبهم.
لقد أثبتوا للعالم إنهم قادرون على التكيف مع الزمان والمكان اللذين يتواجدون فيهما، بينما ظلّ المسلمون جثة هامدة تكفنها جبّة نبيهم!
**********************
أشكر جميع الأخوة القراء الذي كتبوا لي يستفسرون عن سرّ غيابي الطويل…
من يرغب منهم يستطيع أن يشاهد مقابلتي مع برنامج “سؤال جريء” على هذا اللينيك:
http://islamexplained.com/DaringQuestionEpisode67/tabid/923/Default.aspx

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.