وفاء سلطان
في عقر اللاوعي عند الإنسان المسلم استقرت صورة مشوهة لمخلوق كامل، ألا وهو المرأة.
تبرمج ذلك الإنسان على أنّ المرأة ناقصة عقل، والإنسان ـ ذكرا أم أنثى ـ هو في حقيقة الأمر من قال له مربوه بأنه هو في السنوات الأولى من حياته.
يسعى في وعيه وفي حيّز اللاوعي عنده ليثبت بسلوكه صحة تلك الهوية التي لصقوها به.
لم يشرح الإسلام في بداياته لماذا خُلقت المرأة ناقصة عقل، وما الحكمة من أن ينهش الله قطعة كبيرة من عقلها ثم يتقيأها في سلة مهملاته. لكن الخلف اليوم يحاول بكل جهده أن يُستر فضائح سلفه!
تقرّ آذاننا جوقة من الألسنة الداشرة التي تتناول تلك الفضائح، وتلحقها بالقول: ولقد أثبتت الدراسات العلميّة الحديثة صحة ذلك!!
هم لا يشيرون إلى مصدر تلك الدراسات، ويبقى السامع في حيرة من أمره: هل توصلوا إليها في مراكز الدراسات والأبحاث العلمية في مكة، أم في الأزهر، أم في كهوف طورا بورا حيث يقيم خليفة المسلمين؟!!
يثرثر البعض منهم، وبينهم للأسف نساء، فيقول: لقد أثبت العلم الحديث بأن المرأة عاطفية!
ثم يتابعون: واستنادا إلى ذلك نستطيع أن نثبت بأن المرأة كمخلوق عاطفي ليست كاملة عقليا، وليست قادرة على أن تحتفظ بذاكرة سليمة، وهذا ما يثبت صحّة الآية التي تعطي شهادة المرأة نصف مصداقية شهادة الرجل.
………………………
حتى عهد قريب كان معدل ذكاء الإنسان يُقاس من خلال قدراته العقلية، أمّا اليوم فيُؤكد العلماء بأنّ معدل الذكاء هو مجموع القدرة العقلية والقدرة العاطفية.
يتمتع بعض الأشخاص بذكاء عقلي خارق لكنهم يفشلون على الصعيد العملي، لم يجد العلماء تفسيرا لتلك الظاهرة إلا منذ وقت قريب.
توصلوا من خلال دراسة تلك الحالات إلى ما أطلقوا عليه “الذكاء العاطفي”، والذكاء العاطفي تعريفا هو: قدرة الإنسان على إظهار عواطفه وقدرته على الإحساس بعواطف الآخرين، وبالتالي التفاعل عاطفيا معهم.
من المعروف علميّا بأن القشرة المخية وخصوصا في الفصّ الجبهي للدماغ
Frontal Lobe
هي مركز التفكير وهي المسؤولة عن اتخاذ القرارات، وبالتالي تلعب دورا في تقرير مصير الإنسان. لكن أبحاثا لاحقة أكدت بأنّ تلك القشرة ترتبط بطرق عصبية مع منطقة أخرى تقع داخل الدماغ، وتعتبر تلك المنطقة مركز العواطف عند الإنسان.
عندما قطعوا الطرق العصبية التي تربط بين تلك المنطقتين ظل الإنسان محتفظا بمعدل ذكائه العقلي ولكنه خسر قدراته العاطفية، وبالتالي تأثر إنجازه على الصعيد العملي.
في معرض كتابه
Working with Emotional Intelligence
” العمل مع الذكاء العاطفي” يذكر الكاتب والمفكر الأمريكي
Daniel Goleman
حالتين تستدعيان الوقوف عندهما:
ماثيو وجان طالبان تخرجا من جامعة Yale ـ وهي جامعة لا تقبل عادة إلا الطلاب المتفوقين أكاديميا ـ ثمّ انطلقا إلى ميدان العمل.
في البداية تهافتت الشركات عليهما وانهمرت بعروض مغرية. بعد أن أنجزا المقابلات المطلوبة مع إدارة كلّ شركة، تلقى ماثيو عرضا واحدا من أصل عشرة مقابلات، أما جان فتلقى سبعة عروض من أصل ثمانية مقابلات. لقد لاحظ الموظفون، الذين قابلوا هذين الطالبين والذين تعاملوا معهما على أرض الواقع لاحقا، على أن ماثيو كان متفوقا من حيث إنجازه الأكاديمي ولكنه كان مغرورا وبدى مجردا من عواطفه إلى حد أثار اشمئزاز هؤلاء الموظفين. أما جان فكان متواضعا وقادرا على إقامة علاقات دافئة مبنيّة على الودّ والإحترام مع كل من تعامل معه.
بعد عامين طُرد ماثيو من وظيفته بعد أن فشل فشلا ذريعا في إقامة ذلك النوع من العلاقات.
يتابع الكاتب: لا شكّ بأن معدل الذكاء العاطفي عند جان كان عاليا بينما افتقر ماثيو إليه، الأمر الذي انعكس على مستوى انجازهما في ميدان العمل رغما أن ذكائهما العقلي يكاد يكون بنفس المستوى.
يعمل الذكاء العاطفي بانسجام مع الذكاء العقلي، والمتفوقون على الصعيد العملي يملكون معدلات عالية من كلا النوعين. وتؤكد الدراسات والأبحاث على أنه كلما ازداد العمل تعقيدا كلما تطلب إمكانيات عاطفية أعلى.
Doug Lennick
نائب رئيس شركة الإئتمان الأمريكية
American Express
قال في سياق حديثه عن هذا الموضوع: درجة نجاحك كرئيس تتطلب حُكما معدل ذكاء عالي، لكنك تحتاج إلى أن تكون قادرا على التعبير عن عواطفك واحترام عواطف من تتعامل به من موظفيك. لاتستطيع أن تستغل المواهب والقوى الموجودة لدى هؤلاء الناس إلا إذا كنت قادرا عاطفيا على أن تؤثر وتتأثر بهم.
عندما يفقد الإنسان قدرته على التعبير عن مشاعره أو الإحساس بمشاعر الآخرين يعجز عن إقامة علاقات إنسانية ناجحة مثمرة مع الناس الذين يتعامل معهم.
……………
لا أعتقد بأن هناك أمّة على سطح الأرض مجردة من عواطفها كما هي الأمة الإسلامية على وجه العموم والعرب على وجه الخصوص.
عندما أنظر إلى الطريقة التي يتعاملون بها مع غيرهم، وحتى مع أقرب الناس اليهم، أراهم مجردين من عواطفهم.
حبّ الأذى مزروع في جيناتهم، زرعته ثقافة صحراوية كانت وليدة بيئة قاحلة بخيلة لم تنعم على أبنائها سوى بتأجيج الرغبة لديهم في الثأر والإنتقام!
فشل المسلمين كأشخاص يؤكد شحّهم العاطفي وحاجتهم إلى رفع مستوى ذلك النوع من الذكاء.
وصلتني مؤخرا رسالة من رجل مسلم، ليس مهما أن أدخل في تفاصيلها ولكن استوقفتني عبارة: لعنة الله عليك وعلى أجدادك اليهود والنصارى، أنت تمدحين اليهود لأنك شاذة وتنامين مع نسائهم!
قد يقترح البعض بأن أتجاوز تلك العبارات. طبعا أتجاوزها عندما يتعلق الأمر بيّ شخصيّا، لأنني لا أدعها تترك أي تأثير سلبي على حياتي أو أعصابي. لكن عندما يتطلب الأمر أن أتناول الجهاز العقائدي للمسلم يجب أن تكون تلك الرسائل شاهدا حيّا على فشل ذلك الجهاز!
لا أعتقد بأن ذلك الرجل هو مجرّد حالة استثنائية لا تستدعي أيّ انتباه، إنه الصورة النموذجية للإنسان المسلم وما عدا ذلك هو الإستثناء!
ليس شرطا أن يتظاهر الغباء العاطفي للرجل المسلم أو العربي دوما بهذه السوقية اللغوية، فأحيانا يأخذ أشكالا خفية وتحتاج إلى مزيد من الإنتباه كي يتمّ تشخيصها وعلاجها.
عندما نقيّم بشرا في أي حقل من حقول الحياة يجب أن نأخذ بعين الإعتبار قدراتهم على التعبير عن عواطفهم واحترام عواطف الغير.
قد لا تنقص المسلمين القدرات العقلية ليكونوا بشرا كغيرهم من البشر، ولكن لا أشك بأن شحّهم العاطفي الذي سببته تعاليمهم قد لعب دورا كبيرا فيما آلت إليه أوضاعهم.
في العالم الإسلامي لا قيمة للمشاعر العاطفية، يموت الناس من القهر العاطفي والنفسي ولا أحد يتحسس آلامهم. يتصرف المسلم ويطلق كلماته عنانا دون أن يأخذ بعين الإعتبار ما الأثر الذي تتركه تصرفاته وأقواله على مشاعر الغير .
أتلقى الكثير من الرسائل التي يشكو مرسلوها وخصوصا من الشباب مدى الآلام العاطفية التي يعانون منها.
لا أعتقد أن الحالة النفسية للناس في بلادنا هي حصيلة الواقع الإقتصادي والسياسي والإجتماعي فحسب، بل إن جزءا كبيرا منها يعود إلى حالة القحط العاطفي الذي ابتليت به تلك المجتمعات بصورة عامة.
التعاليم الإسلامية لا تقبل شهادة المرأة مقابل شهادة الرجل، وهي تبرر ذلك بأن المرأة عاطفية وبالتالي لا تقوى على ذكر ما حدث بحذافيره.
إن مستوى الذكاء العاطفي، بلا شكّ، عند المرأة أعلى منه عند الرجل، ولقد خصتها الطبيعة بذلك المستوى لأنها تحتاج إليه من أجل خلق إنسان جديد.
فالدرسات العلمية، وكما أشرت سابقا، أكدت على أنه كلّما ازداد العمل تعقيدا وصعوبة كلما تتطلب إنجازه مستوى أعلى من الذكاء العاطفي.
هل هناك عمل أكثر تعقيدا وصعوبة من خلق انسان جديد؟!!
لقد عيّرت التعاليم الإسلامية المرأة بأفضل ما خصتها به الطبيعة، ألا وهو الدفق العاطفي الذي يتطلبه النجاح في الحياة.
ليتها عيّرت بما هو عار………….!!!
………
لم يعد هناك شكّ في أنّ البنية التشريحية والكيميائية للدماغ عند المرأة تختلف عنها عند الرجل.
ورغم أن دماغ الرجل أكبر من حيث الحجم من دماغ المرأة، لكن الطرق العصبية التي تربط بين أجزاء دماغ المرأة هي أطول وأكثر تعقيدا وتداخلا. هذا يفسّر قدرة المرأة على الدخول في تفاصيل أي حدث وتسجيلها في ذاكرتها خلافا للرجل.
عندما يتعرض زوجان لمشكلة ترى المرأة تصرّ على معرفة تفاصيل المشكلة، بينما يتبجّح الرجل بأنّه قادر على حلها دون الخوض في تفاصيلها.
الدماغ البشري الحالي هو حصيلة تطورات طرأت خلال ملايين السنين، ولقد تطور بطريقة حسّنت من قدرتنا على إنجاز مهامنا. يعتقد العلماء بأن المرأة، ومن خلال عملها داخل البيت وفي الحقل، كانت تحتاج للقيام بمهمات متعددة في آن واحد، كالطبخ والرضاعة والخياطة والتنظيف وجني المحصول …إلى آخره فتطور دماغها بطريقة تمكنها من إنجاز عدّة مهمّات في آن واحد وبنجاح، وازداد ذلك الدماغ تعقيدا وازدادت طرقه العصبية تشابكا كي تتمكن من نقل وتسجيل كل التفاصيل.
أما الرجل فكان يركز على عمل واحد وهو الصيد أو أي مهنة أخرى، ولذلك تتطور دماغه بطريقة لا تسمح له بالدخول في الكثير من التفاصيل، ولا يستطيع إن يركز إلا على نقطة واحدة.
………………………….
هذا من جهة ومن جهة أخرى، أكدّ التصوير الطبقي للدماغ
MRI
بأن الجسر الذي يربط بين نصفي الكرة المخية الأيسر والأيمن والذي يدعى
Corpus Callosum
هو أثخن عند المرأة منه عند الرجل. يتألف ذلك الجسر من مجموعة أسلاك عصبية تنقل المعلومات من النصف الأيمن إلى الأيسر وبالعكس، تلك المعلومات تساهم في الوصول إلى قرار صائب وسليم. فكلما ازداد عدد تلك الأسلاك كلما سُهل الإتصال وكلما كان كان الإنسان أقدر على القيام بأعمال أكثر تعقيدا وتتطلب مزيدا من السرعة.
ثخانة ذلك الجسر عند المرأة تؤكد بأن عدد الأسلاك العصبية التي تمر من خلاله أكثر مما هي عليه من عند الرجل، وهذا ما يفسر تفوق المرأة على الرجل في الأعمال المتعددة المهام والتي تتطلب التركيز على نقاط متعددة في آن واحد.
العواطف تلعب دورا في إغناء الملكات العقلية، والذاكرة هي إحدى وأهم تلك الملكات.
وباعتبار المرأة أكثر قدرة على إظهار عواطفها وبالتالي الإحساس بعواطف الآخرين، هي بلا شك أكثر قدرة على امتلاك ذاكرة حيّة لا تشوبها شائبة.
لينظر كلّ منّا إلى ماضيه وليحاول أن يتذكر حدثا معينا بتفاصليه، سيرى بلا شك إن الحدث الذي يستطيع أن يتذكره بحذافيره هو الحدث الذي كان قادرا على إثارة عواطفه في اللحظة التي حدث فيها.
يتذكر الإنسان من ماضيه الأحداث التي أثارت حزنه أو فرحه أكثر من غيرها، بل يذهب علماء النفس والسلوك إلى أبعد من ذلك بكثير فيؤكدون على أن الحدث يتسجل في ذاكرتنا من خلال العاطفة التي أثارها، فالشيفرا التي ترمز إلى الحدث في دماغنا هي شيفرا عاطفية.
أضرب مثلا:
في إحدى العيادات النفسية في أمريكا لجأ مريض إلى طبيبه يشكو من نوع من أنواع الفوبيا “الخوف الشديد”، وذلك فقط عند دخول الماركت للتسويق.
ويؤكد المريض لطبيبه بأنه يصاب بحالة من الهلع بمجرد أن يدخل الماركت، فيتسرع قلبه ويزداد عدد مرات تنفسه، ثم يتصبب عرقا ويرتجف ويشعر بالإختناق مضطرا أن يغادر الماركت بسرعة وقبل أن ينهي تسويقه.
كشفت الطرق التحليلة النفسية التي أجراها الطبيب على ذلك المريض أنه وفي الرابعة من عمره كان يجلس في عربة التسويق التي تجرها أمه، ولسبب ما قامت أمه عندها بصفعه كفا على وجهه أصابه لحظتها بالألم الشديد وبالدوار.
يقوم الإنسان عادة، وباللاوعي، بإلقاء كل الحوادث المؤلمة خارج حيز وعيه كي لا تعذبه وتدعى تلك الحادثة
Defense Mechanism.
لكن في حقيقة الأمر هي تغيب من ساحة الوعي ولكنها تبقى في حيّز اللاوعي عنده، ثمّ تعود بعد حين إلى وعيه على شكل عواطف مؤلمة تعذبه دون أن يدري مصدرها.
في الحالة التي ذكرتها سابقا حاول المريض أن يلقي بالحادث خارج وعيه، ولكن ظلّ ذلك الحادث قابعا في اللاوعي عنده، وصارت ذكرى الحادث تعود إليه كلما دخل الماركت على شكل أعراض مؤلمة تجبره على مغادرة المكان.
الدفق العاطفي الذي منحته الطبيعة للمرأة لا يساهم، كما يدعي المدافعون عن الإسلام، بإنقاص قدرتها على الإحتفاظ بذاكرة سليمة، بل على العكس تماما يُغني تلك الذاكرة لأن الأحداث، أي حدث، يبقى في ذاكرتنا من خلال أثره العاطفي.
وهنا لا نستطيع أن ننكر دور الهرمون الإنثوي الاستروجين على الذاكرة. يلعب هذا
الهرمون دورا كبيرا في الحفاظ على سلامة الخلايا الدماغية ويساعد على تقوية الذاكرة، ولذلك تخف الذاكرة عن بعض النساء أثناء سن اليأس بسبب انخفاض نسبة الإستروجين عندهن، لكنها في جميع الحالات أعلى من نسبتها عند الرجل.
في كتابها:
Why men never remember and women never forget
ـ لماذا لا يتذكر الرجال على الإطلاق ولا تنسى النساء على الإطلاق؟ ـ ، تؤكد الطبيبة والباحثة الأمريكية ميريان ليجاتو: أن هناك خلافات تشريحية وكيميائية بين التركيبة البيولوجية للمرأة والرجل. لكن ومما لا شك فيه، بأن قوة الذاكرة عند المرأة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل الدقيقة للحدث، هي أعلى منها عند الرجل، وذلك يعود إلى الشبكة العصبية الأكثر تعقيدا وتداخلا في دماغ المرأة مما هي عليه عند الرجل.
هذا ما تقوله ميريان بناء على ماتوصلت إليه من نتائج وبراهين، أما الآية القرآنيّة فتقول:
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى.
الركاكة اللغوية في تلك الآية تقود إلى عدم وضوح فكري، والفكر غير الواضح يقود دوما إلى ضبابيّة سلوكيّة وأخلاقيّة.
فمعنى كلمة “تضل” في الآية لا يقتصر على معنى كلمة “تنسى”، بل يتجاوزها ليشمل معاني أخرى أكثر قباحة وإدانة.
ومع هذا يبقى السؤال: إن كانت المرأة “تضل”، فهل الرجل معصوم عن الضلال؟!! وهذا السؤال يقودنا إلى آخر أكثر أهمية:
عندما يضل الإنسان، ذكرا كان أم انثى، هل يكفي “التذكير” لردعه عن الضلال؟!!
ثمّ لنمعن قليلا في عبارة ” أن تضل إحداهما تذكر إحداهما الأخرى”، من المقصود بـ “إحداهما” الاولى ومن المقصود بـ “إحداهما” الثانية، وما الحكمة من أن تتكرر كلمة إحداهما مرتين؟
هل “إحداهما” الأولى هي التي ضلت و “إحداهما” الثانية هي التي ذكّرت؟!
هل هذا كتاب مبين؟!! هل هذه لغة إلهية واضحة ومعصومة عن الخطأ؟!!
أليس من الأوضح والأفضل لو قال: أن تنسى إحداهما تذكرها الأخرى؟
ونعود إلى السؤال الأكثر أهمية: هل الرجل معصوم عن الضلال؟!!
أعتقد لو طرحنا هذا السؤال على القرضاوي لن يقول: نعم هو معصوم!
وهنا يواجهنا سؤال آخر: ماهي أسباب الضلال عند الرجل؟
“علماء المسلمين” وعلى رأسهم الجلالين يفسرّ لنا ضلال المرأة بقوله: لأنهن ناقصات عقل!
ويقودنا تحليل الجلالين “العلمي” لسؤال آخر: إذا كان الرجل كامل العقل لكنّه في الوقت نفسه غير معصوم عن الضلال، إذا ماهي أسباب ضلاله؟
نحن بانتظار دراسات وبحوث يجريها “علماء المسلمين” في محاولة لإيجاد جواب منطقي لهذا السؤال!
في الفناء المحيط بأية محكمة في سوريا بإمكان أي انسان يحتاج إلى شاهد أن يجد رجلا يدعى “شاهد زور” يدفع له مبلغا من المال ويطلب منه أن يشهد لصالحه، لم أسمع في حياتي بأنّ امرأة لعبت ذلك الدور!
لقد جرت العادة أن يحمّل الإسلام المرأة مسؤولية آثام الرجل، ولذلك لن أستغرب إن سمعت يوما أحدهم يقول:
لقد أثبت العلم الحديث بأن الرجل لا يضل إلا عندما ترفض زوجته الذهاب معه إلى الفراش، إذ يُصاب عندها بحالة هذيان عقلي، وتجنبا لذلك سمح له الإسلام أن ينكح ما هبّ ودبّ مما طاب له من النساء وما ملكت يمينه!!!”
وهنا نملك الحق أن نتساءل: هل تندرج عنزاته وغنماته تحت لواء ما ملكت يمينه؟!!
فالأية تقول:
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا
الشق الأول من الآية ألحق عبارة ـ ما طاب لكم ـ بكلمة النساء تحديدا. أما في الشق الثاني من الآية فعبارة ـ أو ما ملكت أيمانكم ـ غير واضحة ولم تحدد النساء فقط !
عادة (ما) تشير إلى غير العاقل و(من) تشير إلى العاقل، والأوضح لو جاءت على هذا الشكل: وممن ملكت أيمانكم!
فهل هذا كتاب مبين؟!!
أضرب مثلا: عندما أقول:( لقد وجدت ما أحبّه)، هل ينطبق معنى تلك العبارة على معنى عبارة ( لقد وجدت من أحبه)؟!!
أليست كلمة (من) في العبارة الثانية تحدد بأنني وجدت الإنسان الذي أحبه، وليس الكتاب أو الطعام أو الحيوان أو ما شابه ذلك والذي تقصده (ما) في العبارة الأولى؟!!
…….
هذه اللغة غير المضبوطة وغير الواضحة أضلّت أمة بكاملها وقادتها إلى هلاكها. يتطلب إنقاذ تلك الأمة جهودا جبارة، جهودا تركّز على دحض تلك اللغة واستبدالها بأخرى أكثر وضوحا ومنطقا وأخلاقا.
………………………
هناك مثل أمريكي يقول: السلسلة ليست أقوى من أضعف حلقة فيها.
المجتمع هو حصيلة كادره البشري، وقوته تأتي من قوة كلّ رجل وامرأة فيه.
عندما تُبرمج المرأة على أنها ناقصة عقل ستخرج إلى الحياة مخلوقا ضعيفا وهشّا جدا، ولن يكون المجتمع الذي تساهم في بنائه أقل هشاشية منها، والواقع الراهن خير شاهد على ذلك!