وفاء سلطان
اليوم الذي تعيشه هو حصيلة القناعات التي خرجت بها من تجارب الأيام السابقة.
وسيمنحك كل يوم جديد قناعات جديدة من خلال التجارب التي تعيشها في ذلك اليوم، قد تلغي قناعة ما قناعة أخرى أو قد تدعمها وتزيدها ثباتا.
لسبب أو لآخر يتبنى بعض الناس قناعات خرجوا بها من تجارب ماضية، ويرفضون أن يستبدلوها بأخرى مغايرة لها حتى عندما يمرون بتجارب تثبت بطلانها.
لذلك الجمود أسبابه وهي كثيرة، وقد مررت على بعضها في أجزاء سابقة من هذا الكتاب، وأكدت على أن القناعات الدينية هي من أكثر القناعات التي تحجز معتنقيها أسرى الزمان والمكان التي ولدت فيه.
الحياة تتغير ولا ثبات فيها إلا للتغيير نفسه، فالتغيير هو القانون الوحيد الذي يحكم كوننا على مرّ الزمان وباختلاف المكان.
مستوى الوعي عند الإنسان يحدد قدرته على استخلاص العبر والقناعات من التجارب التي يمر بها.
عندما يتجمد الوعي عند زمن ما وفي مكان ما يتوقف عن استخلاص قناعات جديدة ويتشيأ الإنسان مع الزمن، بمعنى أنه يتجمد كأي شيء آخر، كقطعة الأثاث مثلا، فلا يتفاعل مع أحداث يومه بخيرها وشرها.
…………………………
هناك سلسلة كتب تصدر بشكل دوري في أمريكا، وتدعى
Chicken soup for the soul
بمعنى ” شوربة الدجاج من أجل إنعاش الروح”.
يحوي كلّ كتاب من تلك الكتب مجموعة قصص صغيرة، وكل قصة عبارة عن تجربة عاشها كاتب القصة وخرج منها بقناعة لعبت دورا في تغيير موقفه من الحياة.
كنت، ولم أزل، مغرمة بقراءة تلك الكتب. لا يترك أولادي مناسبة، وما أكثر المناسبات في أمريكا، إلاّ ويجلبون لي خلالها أحدث ما صدر من تلك السلسلة حتى امتلأ البيت منها. صارت بالنسبة لي كحذاء أبي قاسم الطنبوري، أرميها من الشبّاك فتعود إليّ من الباب!
المهم، قرأت مرّة قصة عاشتها الكاتبة وخرجت منها بقناعة غيّرت حياتها، تقول فيها:
“كنت أنتظر ساعة الإقلاع في طريقي إلى ولاية أخرى، فقررت أن أشتري من إحدى المحلات في المطار كتابا أقتل به وقت الطيران.
اشتريت الكتاب وعلبة من البسكويت، ثم استرخيت على أحد المقاعد المجاورة لبوابة الطائرة.
مدى وقت لا أذكر مداه، وإذ بي أرى الرجل الذي يجلس على المقعد المجاور لمقعدي يمدّ يده بدون اذني ويلتقط بسكويتة من علبة البسكويت الموجودة على الطاولة بيننا.
صُعقت من قلّة أدبه، لكنني وبصعوبة ضبطت أعصابي. مددت يدي والتقطت واحدة كي أشعره بأنني رأيته. نظر في عينيّ وابتسم ابتسامة عريضة، فتجاهلتها.
زادني الأمر دهشة عندما مدّ يده مرة ثانية والتقط بسكويتة أخرى. غلى الدم في عروقي وشعرت بحاجتي لأصفعه كفا على وجهه كعقاب لقلة أدبه. لكنّني ضبطت أعصابي والتقطت بسكويتة أخرى، فنظر إليّ مبتسما.
ظلّ الأمر على ذلك الحال، كلما التقطت بسكويتة يلتقط الأخرى وهو يوزّع ابتساماته شرقا وغربا، حتى نفذت علبة البسكويت ولم يبق سوى بسكويتة واحدة. انتظرت كي أرى إن كانت وقاحته ستسمح له بالتقاطها! وكم كانت دهشتي كبيرة عندما مدّ يده والتقطها ثم قسمها قسمين، ناولني إحداهما والتهم الآخر وهو يبتسم.
ضربته على يده بعنف وحملت حقيبتي ثم سارعت باتجاه طائرتي.
في الطائرة كنت أرتجف من شدّة الغضب، وعاتبت نفسي مرارا لعجزي عن مواجهة ذلك الرجل الوقح. استرخيت في مقعدي، ولما أقلعت الطائرة مددت يدي كي ألتقط كتابي وإذ بي أرى علبة البسكويت التي اشتريتها إلى جانب الكتاب.
أيقنت أن العلبة التي تشاطرتها مع ذلك الرجل “الوقح” كانت علبته وليست علبتي. كاد يُغمى عليّ وأحسست بالعرق يتصبب خجلا من جبيني:
ـ يا آلهي! بودي لو أستطيع أن أرى ذلك الرجل كي أعتذر منه وأشكره على طيب خاطره. لقد كان يدرك بأنني أسرق بسكويتاته دون اذنه، لكنه ظلّ محتفظا بأعصابه وبطيبة خاطره ولم يبخل أمام وقاحتي بابتساماته”.
…………..
الحياة ليست الحدث الذي تعيشه وإنّما الطريقة التي تتفاعل بها مع الحدث. الناس يختلفون في ردود أفعالهم، بعضهم كالدرع المضاد للرصاص لا تؤثر فيه أعنف الأحداث، والبعض الآخر كبحيرة هادئة تعكر صفوه نسمة الهواء والأغلبية الساحقة تتراوح بين هذين الطرفين.
تلك المرأة وذلك الرجل عاشا نفس الحدث، فكلّ منهما كان يُدرك بأن الآخر يسرق بسكويتاته، هي احترقت وهو واجه الأمر ببرودة أعصاب وظلّ يبتسم حتى آخر لحظة!
كم حقد حرقك دون أن تدري من قريب أو بعيد؟!!
كنت في بداياتي أتحسس لكل كلمة تُقال أو فعل يحدث، ثم اكتشفت بأن الحياة أقصر وأغلى من أن نعيشها ونحن نحترق. ارتديت درعا مضادا للرصاص وصارت الحجر التي لا تفجّني تسقط لبنة في سياجي!
والسؤال الذي قد يطرحه قارئي عليّ كيف توصّلت إلى تلك القناعة؟
توصّلت إليها من خلال اطلاعاتي على لغة تختلف عن لغتي وآداب لا تمت إلى آدابي بصلة.
وجودي في أمريكا غيّرني، ولدت وعشت حياتي في بلدي شخصا وأنا الآن شخص آخر.
الناس في البلد الذي أعيش فيه أحرار، عاشوا نمطا تربويا يسمح لهم بأن يغيروا قناعاتهم عندما يدخلون في تجارب جديدة، أما أنا فكنت حتى لحظة دخولي ذلك البلد ناتجا تربويّا لثقافة لا تسمح لي بتبني إلا القناعات التي فرضتها عليّ. تجمد وعي، كنتيجة لتلك التربية، عند مستوى معين مستوى لا يسمح لي باكتساب قناعات جديدة.
في بلدي الجديد رفعت مستوى وعي ورحت أخرج بقناعات جديدة من تجاربي اليومية. ليس هذا وحسب، وإنما بدأت أستفيد من تجارب الآخرين وذلك باطلاعي على قناعاتهم الجديدة والتي خرجوا بها من تلك التجارب.
في بلدي الأم لم تكن هناك وفاء سلطان كي تعلمني كيف أعيش وكيف أتعامل مع الأحداث، ولذلك أفرح الآن عندما أقرأ عن تجارب الآخرين وأتبنى بعض قناعاتهم دون الحاجة إلى المرور في التجربة نفسها، وأفرح أيضا عندما أنقل إلى قارئي بالعربية خلاصات تلك التجارب.
……………
دائما أتذكر الدكتور بشير الكاتب استاذ مادة الجراحة الصدرية في كلية الطب في جامعة حلب يوم كنت طالبة هناك. كان خريج بريطانيا ولم أسمعه في حياتي يروي لنا عن بريطانيا سوى تجاربه مع النساء هناك التي تعكس “سوء” أخلاقهن و “سموّ” أخلاقه!
أذكر كيف عاملني خلال مقابلته لي في فحص التخرج، وكنت حاملا وعلى وشك أن أضع طفلي الأول. كان الزمن رمضان والشهر تموز وعطش الصيام مع الحمل والخوف من الإمتحان يحرقني.
أثناء المقابلة وكنت أجيب على بعض اسئلته وأعصابي في أتون من نار، دخل الغرفة الإستاذ ذكي الشماعّ استاذ أمراض الجراحة البولية في الجامعة نفسها، لم انتبه إلى دخوله تحت ضغط اللحظة، فصرخ بي الدكتور بشير الكاتب: قفي على حيلك، ما أوقحك ألا تعرفين الإحترام؟!!
حملت بطني بكلتا يدي ووقفت وأنا أرتجف كعصفور داهمته عاصفة هوجاء. لا يستطيع أحد أن يعرف عمق الجرح الذي خلفه في صدري ذلك الطبيب المختص في علاج أمراض الصدر! لسنوات كانت تحرقني تلك الذكرى، لكنّها اليوم تثير شفقتي على أمة يمثل الدكتور الكاتب معظم مربيها من حملة الشهادات العليا!
تصوّروا مفهوم هؤلاء المربين للإحترام!
على امرأة حامل في أيامها الأخيرة وتخوض أقسى أنواع الإمتحانات في العالم، أن تتنصب واقفة لإستاذها، وعليه هو أن يعيد وضوئه إذا مرّت بقربه تلك المرأة وهو يصلي لأنها، على حدّ تعاليم نبيّه، كالكلب والحمار تفسد وضوئه!
لم تساعده شهاداته وعلومه واطلاعاته على ثقافات أخرى على أن يتبنى قناعة جديدة عن مفهوم الإحترام، فالثقافة المحمديّة التي بلورت موقفه من المرأة ظلت تتحكم بوعيه وبسلوكه!
انظر اليوم إلى تلك الحادثة وأتأسف لا لأنها حدثت، بل لأنني سمحت لها أن تأكل من أعصابي سنينا طويلة وهي في أصلها لا تستحق أن أقف عندها. أنا لم أفعل شيئا أستحق عليه تلك المعاملة، لكنّه رجل ضحل لم تهذبه تربيته، كيف سيحترم امرأة وقد صنفتها تعاليمه بمستوى الغائط ومع الكلب والحمار؟!!
سمحت لتلك الحادثة أن تحرق أعصابي لسنين طويلة. لم يعلمني أحد كيف أتعامل مع الحدث، ولم يقل لي أحد في حياتي بأنّ أهمية الحدث تأتي من الأهمية التي تعطيها له وليس بالضرورة منه. أكتب اليوم لقرائي خلاصة تجربتي كي أوفر عليهم المرور في التجربة نفسها.
عندما يعاملك أحد بسوء وأنت تعرف في غلالة نفسك بأنك لا تستحق تلك المعاملة، لا تعطِ ذلك الحدث أهمية كبيرة، واقنع نفسك بأن الخلل يكمن في الشخص الذي أساء اليك وليس فيك!
……………….
بصورة عامة، على الإنسان أن يتعامل مع الحدث ـ أيّ حدث ـ بعقلانية ووعي. عندما لا تكون للحدث، مهما بدا قاسيا، أبعاد سلبية لماذا تدعه يحرق أعصابك؟!!
لماذا تسمح لشخص وقح أن يحرق أعصابك لمجرد أنه سرق بسكويتاتك؟!!
معظم الأحداث التي تحرق أعصابك الآن لا تزيد في أهميتها عن ذلك الحدث، فلماذا تدعها تحرقك؟!!
ما القضية لو أكل شخص علبة البسكويت دون اذنك؟!!
كان حريّ به أن يستأذنك، وهذا أبسط حق من حقوقك، ولكن هل تُهشم وجهه لأنه لم يفعل؟!!
أن تخسر علبة البسكويت أليس أخف من أن يخسر هو وجه وتخسر أنت أعصابك؟!
دعنا نتذكر حدثا وقع لك منذ، لنقل ثلاثة…أربعة …خمسة…أو ربّما عشرين عاما، تصارعت خلال ذلك الحدث مع أحد لأنكما اختلفتما حول قضية تافهة، فضربته وكسرت أسنانه وشعرت آنذاك بأنك خرجت من المعركة منتصرا، وهو مازال يحترق بنار الحسرة لأنه لم يأخذ حقه منك، أو لنتخيل العكس تماما فهو الذي ضربك وكسر أسنانك وشعر بأنه خرج من المعركة منتصرا، وأنت مازلت تحترق بنار الحسرة والندم لأنك لم تأخذ حقك منه.
في كل الحالتين، أنت وهو الخاسران!
تنظر إلى الحدث اليوم وكأنه قد حدث البارحة، لكنك حرقت أعصابك أو أعصابه لمدة ثلاثة….أربعة….خمسة… أو ربمّا عشرين عاما.
عندما تحرق أعصابك أو أعصابك غيرك، في كلا الحالتين أنت خاسر!
وفي كلا الحالتين هو خاسر!
اسأل نفسك: لماذا أنت في حالة عداء مع أخيك…مع قريبك..مع جارك… مع زميل عملك؟!!
هل تستحق نقطة الخلاف هذا العداء؟!!
أليس عدائكما نتيجة حتمية لفماهيمكما التربوية؟!! أليست تلك المفاهيم هي التي زرعت لديكما الرغبة في الإنتقام؟!!
مفهوك ومفهومه للأخوة وللقرابة وللجوار وللزمالة مفهوم إسلاميّ قبليّ متوارث أكل الزمان عليه وشرب. مفهوم كرّسته تربيتك وتعاليمك الدينية التي قزّمت الإنسان في أعماقك!
تلك التعاليم التي شرّعت: من غشنا ليس منّا!
هذه الشرع باطل وغير أخلاقيّ! عندما تتبرمج على أن تغشّ من لا ينتمي إلى دينك تصبح قادرا على أن تغشّ أخيك باعتباره ليس أنت!
ليست درجة الولاء لقبيلة أو عشيرة أو دين أو عائلة هي التي تحلل أو تحرّم الغش. الغش بحدّ ذاته هو عمل غير انسانيّ ويجب أن يكون باطلا في كل قوانين الأرض.
من يكون قادرا على أن يغشّ جاره الذي لا ينتمي إلى دينه، سيكون قادرا على أن يغشّ أخيه وابنه وبياض عينه عندما ينحاز إلى سوادها!
إن عقيدة تشرّع الغش ما لم يتناول أبنائها لهي عقيدة مفلسة وتساهم في إفلاس أبنائها أخلاقيّا وعقليا.
……………
من غشّنا ليس منّا؟!!
وهل من غشّ غيرنا هو منّا؟!!
من غش كلبا داشرا فساقه سمّا بدلا من الماء، هو إنسان ميت عاطفيا وأخلاقيّا وبالتالي عاجز عن تقدير واحترام عواطف البشر.
أذكر ذلك اليوم وكأنه البارحة، عندما ناقشنا كطلاب ذلك الحديث مع مدرس مادة التربية الدينية وكنت في الصف الأول الإعدادي.
سألت طالبة ، كان اسمها شادية حمود وكانت متميزة بروح النكتة: “استااااااذ إذا بعت قلم مكسورا ريشتو لبنت مسيحية بكون غشيتا؟”
أخذ نفسا عميقا ونظر من النافذة كي يوهمنا بأنه يفكّر، وكأنه عالم ينظر من خلال عدسة مجهره، ثم اجتهد فقال: يا بنيتي! كل عمل تقومين به وفيه مصلحة للمسلمين لا يعتبر غشا!
طبعا لا مصلحة للمسلمين بقلم حبر انكسرت ريشته، فإذا تمكنت شادية من غش بنت مسيحية فباعته لها بـ 50 قرشا سوريا، وكان يومها كيلو الخبز بـ 35 قرش، ستكون قد حققت مصلحة للمسلمين!
أعرفتم الآن لماذا أسواقنا مليئة بالخبز ولا أحد في بلاد المسلمين يموت جوعا؟!!
جيل “شادية حمود” هو آباء جيل اليوم، وجيل اليوم سيربي جيل المستقبل، فهل من مهرب؟!
لقد شوهت تلك التعاليم مفهوم “المصلحة”!
كسب 50 قرشا قد يكون لـ “مصلحة” للمسلمين، ولكن تخريب البناء العاطفي والعقلي والأخلاقي لأجيال المسلمين ليس قضية تستحق الوقوف عندها!!
كنت حديثة العهد في أمريكا، وأقف في دوري مع طفلتي كي أشتري لي ولها بطاقتين لدخول مباراة كرة قدم في مدرستها.
كان سعر البطاقة للبالغين والأطفال فوق السابعة أربعة دولارات، وسعرها للأطفال تحت السابعة دولاران.
وقف أمامي رجل أمريكيّ ومعه طفلان. ناول البائع عشرة دولارات وقال: ثلاثة بطاقات لي ولولديّ، مايكل 7 سنوات وجان 5 سنوات. فأعاد البائع له دولارين وقال: دعنا نقول مايكل 6 سنوات، فلا أحد يعرف!
امتعض الرجل من تصرف البائع وألقى بالدولارين أمامه، وهو يقول: ولكن ابني يعرف عمره الحقيقي!
كانت تلك الحادثة درسا لي لن أنساه في حياتي، وأنا القادمة من بلاد تفضل سرقة قرش واحد إذا كان فيه “مصلحة” للمسلمين!
دولاران مبلغ قد يسمح لذلك الرجل يومها بشراء وجبة همبرغر، ولكنّ مصلحته الحقيقة كانت تكمن في بناء طفل صالح لمستقبل أمته، كان يُدرك في غلالة نفسه بأن طفله يراقبه ويتشرّب أخلاقه وسلوكه.
………………….
كتب لي قارئ مسيحيّ من الأردن يشكو من وقاحة جاره المسلم المتعصب الذي يركض باتجاه كلما رآه ثم يقول، بمناسبة وغير مناسبة: أنتم النصارى حرفتم كتاب الله!
ليذهب كتاب “الله” إلى الجحيم عندما لا يكون هذا “الله” قادرا على حمايته من التحريف!
ليذهب كتاب “الله” إلى الجحيم عندما يزرع متراسا بين الجار وجاره!
كيف يحمي الله قرآنه من التحريف ويعجز على أن يحمي انجيله؟ ولماذا يقرر أن يحمي أحدهما ويضحي بالآخر؟!!
ثم بأيّ حق يبجّل ذلك “الله” المسلمين الذين لم يحرفوا قرآنهم، وهو الذي جعله عصيّا على التحريف، ويعاقب النصارى الذي حرفوا انجيلهم، وهو الذي جعله هشا وقابلا للتحريف؟!!
أليست تلك مهزلة؟!!
هل يدرك ذلك الرجل مدى الأذى النفسي الذي أحدثه في عمق جاره لمجرد أنه استهان به وبكتابه؟!!
هل تستحق الحياة أن نجرح شخصا إلى هذا الحدّ؟!!
بالمقابل، كان جوابي لقارئي: لا تعطي الأمر أكثر مما يستحق! ليس الحدث هو المهم، بل الأهم هو الطريقة التي ترد بها على الحدث.
يأخذ الحدث أهميته من الأهمية التي توليه إياها. جارك يريد أن يجرح مشاعرك، فإذا أظهرت له بأنك انجرحت تكون قد قدمت له ما يطلبه على طبق من ذهب. أفضل ردّ عليه أن تقول ببرودة أعصاب، بين المزح والجد: هنيئا لكم أنتم لم تحرفوا قرآناكم! ثم طبطب على كتفه وتابع: “ثق، ياجاري العزيز، بأنك لن تحاسب عن النصارى” ثم أدر له ظهرك وامش!
الحدث الذي لا تعيره إهتمامك يموت بسرعة. ليس سهلا أن تتجاهل بعض الأحداث، ولكن عليك أن تمرّن نفسك على تجاهلها. فكلّ سلوك نتمرّن عليه يصبح مع الوقت طريقة حياة!
تصفحت هذا الصباح كتابا للكاتب الأمريكي
Norman Peale
بعنوان:
The amazing results of positive thinking
أي:” النتائج المبهرة للتفكير الإيجابي”.
شدّ انتباهي ما قاله في إحدى صفحاته:” اصلّي قبل أن أغادر البيت كل صباح وأقول: يارب اجعلني اقابل في مشوار اليوم الإنسان الذي يحتاج إلى مساعدتي والذي بإمكاني أن أساعده”.
تلك هي الأخلاق بعينها، لقد غيّر دعاؤه مفهومي للدُعاء. عادة ندعو الله كي يحقق لنا حاجة، لكنّ ذلك الرجل يدعوه كي يمكّنه من أن يُسدي لإنسان محتاج حاجته!
هل تستطيع أن تتصور هذا الرجل وهو يصرخ بامرأة حامل وتحت ضغط نفسيّ هائل أن تنتصب واقفة له، متهما إياها بالوقاحة؟!
طبعا لا! فالإنسان الذي يدعو ربّه كل يوم كي يمنكه من مساعدة رجل دون تحديد الهوية الدينية أو العرقية لذلك الرجل لا يستطيع أن يهين أحدا تحت تأثير أي ظرف!
…………….
في عالمنا الإسلامي ليست الأزمة أزمة حاكم أو أزمة مال، إنها أزمة ثقافة وتربية وأخلاق!
لقد فشل الإسلام في خلق بوصلة أخلاقية تهدي الناس إلى برّ الأمان، وجرّد أتباعه من قدرتهم على استنباط جهاز فكري ثقافي أخلاقي مرن يساعدهم على التلائم مع متغيرات الزمان.
علينا أن نتجاوز برمجته التي قولبتنا ونصل إلى قناعات جديدة تدحض قناعاته القديمة والبالية، وإلاّ لن يلوح في الأفق القريب أو البعيد أي أمل وسنظل نتخبط في لجّ ذلك الدوّار!
******************************