لم أرَ نادين البدير على أرض الواقع إلا مرة واحدة في إحدى المؤتمرات …تحدثتُ معها خمسُ دقائقٍ وقبلها ولمدة ساعة كنتُ أطيلُ فيها النظر إليها وكأنني لأول مرةٍ بحياتي أرى فيها امرأة أو أُنثى,كنتُ مُندهشا لأنني على أرض الواقع لأول مرة أصادفُ فيه أنثى أفكارها نفس أفكاري في كل شيء كنت حين رأيتُ نادين لأول مرة بحياتي كنتُ اشعرُ وكأنني مثل صديق كالكامش(أنكيمدو) القادم من الغاب, ذلك الإنسان البربري الذي لم يصبح إنسانا إلا حينما مدنته وثقفته امرأة, وقبل أن أرى وأسمع نادين البدير كنت قد قرأتُ مئات الكُتب ولكني لم أشعر أمامها أنني مثقف لأنني اكتشفت بأن الثقافة والمدنية والتمدن ليست بكثرة القراءة والمعرفة وإنما بالسلوك الواعي والمتحضر وهذا ما شعرتُ به في شخصية نادين البدير.
كنت قبل أن أستمع إليها وهي تتحدث عن المرأة قد مللتُ من المؤتمر الذي اعتبرته تافها جدا, ولكن بعد الاستماع والإنصات بأذني إلى نادين البدير تغيرت وجهت نظري عن المؤتمر وأحببتُ المكان جدا ثم أحببتُ العاصمة عمان التي جعلتني أراها ثم أحببتُ الأردن كله ثم جعلتني نادين البدير أعشق العالم كله بعد أن عشقتها وهمتُ على وجهي من شدة عشقي وحبي وهيامي بها, ثم اكتشفت لأول مرة في حياتي أن امرأة واحدة فقط من بين ملايين النساء تجعل الإنسان إما أن يحب العالم كإرادة وفكرة وإما أن يكره العالم, ثم أردت أن أُسمي هذه المخلوقة اللطيفة والجميلة والمثقفة فشبهتها بكل النساء اللواتي قرأتُ عنهن, فشبهتها بكليوبترا لأن في نادين ميزة فريدة قلما نجدها في أي امرأة وهي أنه كلما نظرت إليها تشعر وكأنك لأول مرةٍ تراها, دائمة التطوير في جسمها وفكرها وقلبها, ثم شبهتها ب مي زيادة ثم من كثرة هدوئها شبهتها ب نازك الملائكة ثم بنوال السعداوي تلك المرأة التي حفظت عن ظهر قلب كل مؤلفاتها ولم أبلغ من العمر الرابعة والعشرين من العمر أي قبل عشرين عاما.
ثم فكرتُ فيها كثيرا حتى تعبتُ من كثرة التفكير وسميتها(نانا) حين سألتني الكاتبة الدكتورة وفاء سلطان عنها , وفي النهاية اكتشفتُ بأنها عصفورتي البيضاء وأخيرا وليس آخرا فراشتي السمراء.
فراشتي السمراء أنثى بكل المقاييس , شفتاها مثلُ حبتين من الفراولة ونهداها كرمانتين من مدينة عجلون الجبلية, وصدرها سعته تشبه إلى حدٍ قريب سعة رحمة الله التي ينزلها بأبنائه, وعيناها متوهجتان أحيانا كموج بحرٍ هائج, وأحيانا مثل الليل الكالح السواد, وكلما أطلتُ النظر في عينيها أتذكرُ أنني أنظر في عيني زرافة ورقبة زرافة فرقبتها تشبه قصبة لواء إربد, وإربد المدينة التي أعيش فيها والقصبة أمرُ بها يوميا من قريتي إلى المدينة وأنا فعلا لا يمكن أن يمرَ بي أي يوم دون أن أنظر بعنق نادين البدير,صورها تملئ حياتي, وكل الألوان تليق بها فاللون الأحمر كما أتخيله يليق برائحة الرمان المنبعثُ من صدرها وله وهجُ مثل لون التوت وطعم التوت والفراولة المنشقة من بين شفتيها كما أتخيله, والأزرق يليق بثورتها كالبحر الهائج حين تتلون عيناها بموج البحر, والأسود يليق بها, والكُحلي والخشّابي….(لها جسمٌ تمسُ الجنَ فيه…ومن عينيها كل الإنسِ سُكرُ….تقولُ الناسُ ما أحببتَ فيها؟… أشيءٌ ظاهرٌ أم فيها سحرُ؟..فليتَ الناسَ في عيني تراها….بعيني كلها نثرٌ وشعرُ) و وجهها سبحانك الله, وحديثها كما قال نزار قباني(سجادة فارسية) ولها أصابع يدين مثل أقلام الرصاص وخصرها يشبه خصر النحلة, إنها فراشتي السمراء بكل ما بالفراشة من جمال ومن مداعبة للروح, تطيرُ من أمامي أو كما قال محمد علي كلاي: أطير كالفراشة والسع كالنحلة , وهي فعلا تطير من أمامي كالفراشة وتلسع كالنحلة, لم أقرئ يوما لأنثى وأحسستُ بأنها أنثى كما أقرأ وأشعرُ وأحسُ بنادين البدير, امرأة كلما أطلت النظر في وجهها اشعرُ أنني أرى وجه الله, إن الله وضع روحه في ابنه الإنسان ونادين إحدى أبنائه لذلك أرى في وجهها وجه الله.